اسماعيل ابو البندورة
الثورة الشعبية التي اندلعت في العراق منذ ثلاثة اشهر تأتي استكمالا لمشروع المقاومة العريض الذي انطلق لمقاومة الغزو الاستعماري عام 2003 وذيوله وتوابعه، ذلك أن المقاومة لم تكن في جوهرها وسياقها مشروعا مرحليا ينتهي بالانتهاء الشكلي للاحتلال ومغادرة قواته وعساكره، وانما كانت وانبثقت من اجل تحرير العراق من الذهنية والقابلية للانسياق وراء مزاعمه ونواياه في تكريس الاحتلال وتعميقه بصورة اخرى مخاتلة، ومن خلال حكومات عميلة كرتونية هزيلة يجري تلفيقها عن طريق انتخابات مفبركة ومزورة وبحماية قوات الاحتلال وتحت اشرافها ووفقا لمراميها البعيدة والقريبة.
وكانت المقاومة العراقية الباسلة قد حددت وشخصت هذه الحالات الطارئة والشاذة والغامضة التي يمكن أن يطلقها الاحتلال بعد انتهاء عملياته العسكرية، في بدايات انطلاقها ومن خلال برنامجها الذي طرحته عام 2003 عندما اعتبرت أن العملية السياسية في شكلها ومضمونها والقوى المندمجة فيها والساعية اليها هي الوجه الآخر للاحتلال وتطبيقاته، وهي الطريقة التي تريد القوى الاستعمارية تعميق احتلالها وتكريسة من خلالها، بعد أن تعذر عليها هزيمة المقاومة في الميدان وبعد أن تكبدت على الارض خسائر هائلة ومفزعه.
ووضعت المقاومة منذ تلك الفترة على جدول اعمالها تحرير العراق من الاحتلال وطابوره وذهنيته، وافشال أي عمل سياسي قد يدبره ويرتبه الاحتلال مع القوى العميلة داخل العراق، وقد اسهم في انجاح خطة المقاومة وافتراضاتها الصائبة والدقيقة، الفشل الذريع الذي منيت به العملية السياسية ورموزها العميلة والطائفية في قيادة العراق وادارته، وعدم قدرتها على تقديم أي بديل مقنع عن الحكم الوطني ومشروعه الذي بنيت على أسسه نهضة العراق الحديثة، ومارافق ذلك منذ عام 2003 من قتل وتدمير وترويع واضطرابات في كل انحاء العراق، ودخول ايران على خط ادارة وتوجية الحكومات الطائفية المرتبطة بها، وسعيها الى احتلال العراق بعد مغادرة الغزاة الامريكان، بطرق مواربة من خلال اختطاف قراره وارادته، ووضع العراق ورقة على جدول مساوماتها مع القوى الاستعمارية والصهيونية.
وبعد أن فشل الاحتلال في غزوته الكبرى وفشلت حكوماته الطائفية العميلة المرتبطة بايران ومشروعها في المنطقة، لم يجد الشعب العراقي مفرا من المواجهة والتحدي والرفض والانتفاض، فكانت الانتفاضة المجيدة التي لاتزال تتصاعد وتفرض معطياتها وعناوينها ومنطقها المقاوم على الأحداث وتهدد المالكي وحكومته العميلة بالتراجع والاعتراف بقدرة الشعب العراقي ومقاومته الباسلة على فرض منطقها وبرنامجها وارادتها على ساحات العراق على الرغم من القمع والبطش الذي تمارسه هذه الحكومة الطائفية المستبدة والمرتبطة بالقوى الاستعمارية، وعلى الرغم ايضا من محاولاتها في الالتفاف على المطالب الشعبية بطرق ومكائد سياسية خبيثة.
أن الثورة الشعبية العراقية المجيدة تمتد الآن وتؤكد حضورها، وتعلن مطالبها الوطنية والشعبية بوضوح وقوة، ويتوحد الشعب فيها بكل طوائفه وقواه الوطنية، ولن تستطيع أي قوة اجهاضها لأنها كما قلنا استئناف واستكمال لمطالب المقاومة الكبرى في التحرير الكامل للعراق والدفاع عن عروبته، ورفض التقسيم والتطييف والانسياق وراء المشاريع الاستعمارية بكافة اشكالها، وهي في جوهرها دعوة الى تحرير العراق من الفكرة الطائفية المقيتة والعصبيات التحتية المعادية للعروبة والقومية العربية.
وسوف يلاحظ المتتبع لسياقات هذه الثورة الشعبية المجيدة والمستمرة أنها تقدم الجانب الوطني الشمولي على غيره من الدعوات الفئوية والطائفية، وتخلص ذاتها من تهمة الطائفية والجهوية من خلال منطقها الوطني الشمولي ودعوة كافة ابناء العراق للوحدة والتوحد في وجه القوى الطائفية والعميلة، وتسعى لكي تكون ثورة العراق الشاملة، وثورة ابناء الشعب على الاحتلال وامتداداته ورفضا لكل ارتباط وانسياق وراء الدعوات والاستقطابات الدائرة في المنطقة، ولذلك فهي بشكل وآخر لاتعزل مطالبها عن المطالب الكبرى للمقاومة ولا تتناقض معها، وتؤسس في ثنايا مطالبها للمشروع الوطني القومي العراقي المطلوب في المرحلة الراهنة، وحتى يكون ذلك نفيا للمشروع الطائفي التفتيتي الذي يريد ادخال العراق في المتاهات الاستعمارية الغامضة والشريرة.
الثورة الشعبية يمكن أن تؤسس لبدايات هامة وكبيرة على الصعيد العراقي اذا نجحت في اسقاط الحكومة العميلة وأفشلت مشروعها الطائفي البغيض، واستنهضت القوى الوطنية في العراق لاعادة بناء العراق على اسس وطنية وقومية، واستأنفت المرحلة المجيدة في تاريخ العراق التي بدأت عام 1968 وانقطعت عام 2003 بمجيء قوات الاحتلال واعوانها الذين ارادوا فرض واقع استعماري هجين على العراق وتدمير حاضره ومستقبله، واجتثاث المرجعية القومية والهوية العربية التي ميزت العراق شعبا وتاريخا واستمرارا في التاريخ.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.