منصور الجمري
أطلقت يوم أمس الثلثاء (13 مايو / أيار 2014) منظَّمة العفو الدَّولية حملة جديدة (تستمرُّ لمدَّة سنتين) بهدف وقف التَّعذيب في كل أنحاء العالم. وقالت المنظَّمة إنَّ السلطات في 79 دولة (من أصل 155 ممَّن اعتمدوا اتفاقية الأمم المتَّحدة لمناهضة التَّعذيب) يمارسون التَّعذيب، والأغرب من ذلك أنَّ نحو 36 في المئة من النَّاس (الذين شملهم استطلاع المنظَّمة) يعتبرون التَّعذيب أمراً ضروريّاً ومقبولاً أحياناً للحصول على معلومات من أجل حماية الشَّعب. وأرجعت المنظَّمة سبب قبول هذه النِّسبة من النَّاس العاديين للتَّعذيب الذي تمارسه السُّلطات، الى مسلسلات الدراما والتجسُّس التَّلفزيونيَّة التي تمجِّد أو تبرِّر التَّعذيب. كما قالت المنظَّمة إنَّ التَّعذيب أصبح «جزءاً من الحياة» في مجمل آسيا.
التَّعذيب يعتبر جريمة من أسوأ الجرائم التي يرتكبها الإنسان ضد أخيه الإنسان؛ لأنَّ التَّعذيب يمثِّل قمَّة الإفلاس الأخلاقي، وهو يهدف أحياناً إلى استخراج المعلومات، وأحياناً إلى منع النَّاس من التَّحدُّث إلى الآخرين عما رأوه، وأحياناً من أجل التَّشفِّي، والتَّشفِّي أحياناً يطول حتَّى جثث القتلي التي يتمُّ التَّمثيل بها.
إنَّ التجارب تشير إلى أنَّ الحكومات التي تعتمد على التَّعذيب من أجل المعلومات لا تستفيد من تلك المعلومات؛ لأنَّها في العادة تكون غير دقيقة، والشَّخص الذي يخضع للتَّعذيب بالكهرباء والتَّهديد بالاعتداء الجنسي عليه وعلى عرضه بالإمكان أن يقول أيَّ شيء ليخلِّص نفسه، لكنَّ المعلومات لا قيمة لها، حتَّى أنَّ البعض يبالغ في الاعتراف على نفسه من أجل التخلُّص من العذاب، ولذلك فإنَّ التَّجارب تقول إن التَّعذيب لا يفصح عن الحقيقة، وإنَّما يجبر الناس على الابتعاد عنها.
التَّعذيب من أجل إخضاع النَّاس للسُّلطة يعتبر أكبر اعتداء على الإنسانيَّة، لذلك فإنَّ القانون الدولي يعرِّفه بأنَّه جريمة ضدَّ الإنسانيَّة لا تسقط بالتَّقادم، وهي تمثِّل قمة الهمجيَّة التي يمكن أن يصل إليها من ليست له قيم سماويَّة أو أرضيَّة. وعلى هذا الأساس، فقد جاء في وصيَّة الإمام علي (ع) تحريمه التَّمثيل بأي شخص حتى بعبدالرحمن بن ملجم الذي ضربه بالسَّيف، إذ قال لأهل بيته «يا بني عبدالمطلب، لا ألفينَّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قُتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلنَّ بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا يُمثّل بالرجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إياكم والمُثلة ولو بالكلب العقور».
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4267 – الأربعاء 14 مايو 2014م الموافق 15 رجب 1435هـ