محمود حميدان
لقد مرت الحوارات لتأسيس التيار الوطني الديمقراطي بمنعطفات كثيرة طوال السنوات الماضية، وفي كل مرة تبرز عقبات تحول دون تأسيسه. وكانت هذه الحوارات دخلت مرحلة دقيقة تم طرح الكثير من التفاصيل خلالها عندما فوجئ الجميع بقرار حل جمعية وعد في العام 2017، مما فرص تجميد هذه الحوارات، ثم بات عمليا من الصعب استئنافها خاصة بعد قرار حرمان أعضاء الجمعيات المنحلة من ممارسة حقوقهم السياسية، وهي تشريعات ما انزل الله بها من سلطان، وكان هدفها الوحيد هي إضعاف الحراك السياسي الوطني من خلال إخراج كوادره الوطنية خارج معادلة هذا الحراك. ولكن هل يعني ذلك اندثار فكرة تأسيس التيار الوطني الديمقراطي في الوقت الراهن على الأقل؟
من الناحية الموضوعية، فأن معطيات الحراك الوطني في البحرين، وظروفه المحلية والإقليمية جميعها يفرض توحد التيار الوطني الديمقراطي. فأولا، إن يروز هذا التيار سوف يعزز من اللحمة الوطنية والوحدة الوطنية وسط ما نشهده من تراكمات طائفية بغيضة تغديها سياسات تمييزية واضحة في العديد من المجالات. وثانيا، من شأن بروز هذا التيار أن يرفد الحراك الوطني ككل بشعارات وطنية صميمية لها جذورها في تاريخ النضال الوطني منذ عقود طويلة، وبعناصر مثقفة وواعية بعيدة عن الطرح الطائفي. وثالثا، فأن تأسيس التيار الوطني الديمقراطي سوف يستقطب شرائح واسعة من الشخصيات الوطنية اللا منتمية لأحزاب سياسية، يوحد جهودها ضمن إطارات وأهداف وطنية تؤمن بها وتناضل من أجلها.
ان الماضي وبعض ابرز محطاته التاريخية يقول ان قوى التيار الوطني الديمقراطي كانت جميعها قوى سياسية معارضة وقد لعبت دوراً في تنمية الوعي الوطني والسياسي في المجتمع البحريني، وإنها استطاعت من خلال أفكارها وبرامجها الإصلاحية المطالبة بالاستقلال والحرية والديمقراطية استقطاب العديد من شرائح المجتمع من العمال والمثقفين والطلاب الذين انخرطوا في صفوفها وكانوا دائماً المادة او القوى الرئيسية في كل التحركات والانتفاضات التي قادتها هذه القوى و قدمت فيها العديد من الشهداء كما تعرضت بعض قياداتها للاعتقال والشهادة.
كذلك اهتمت هذه القوى بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان حيث تضمنت برامجها السياسية بنود تتعلق بإقامة مؤسسات ديمقراطية تكفل الحريات لجميع المواطنين، كما طالبت بوجود برلمان ومجالس وبلديات ينتخبها الشعب وتمثله حقاً وان تضع دستوراً يقوم على أساس ديمقراطي، وقد دخلت مع النظام السياسي في العديد من المواجهات وقادت الكثير من الانتفاضات الشعبية كما في 65 و 68 و 70 و 72 عن سبيل المثال لا الحضر كذلك لعبت قوى التيار الديمقراطي دوراً وطنياً هاماً في مرحلة ما قبل الاستقلال عندما تصدت وقاومت السياسة البريطانية واعتبار الوجود البريطاني العدو الأول للشعب البحريني وطالبت بالاستقلال الوطني عن بريطانيا.
ومع هذه الحقائق التي ذكرت، برزت حقيقة كبرى وهي ان من بين أهم الأخطاء التي وقعت فيها قوى التيار الديمقراطي هي عدم توحدها، عبر هذه المسيرة النضالية الطويلة، وكان أخرها مشروع تأسيس العمل الوطني الديمقراطي عام 2001 بعد السماح لهذه القوى بالنشاط السياسي العلني، كذلك إخفاقها في إيجاد شكل تنسيقي متطور حتى يومنا هذا.
في ضوء هذه الحقائق كيف يمكن استنهاض هذا التيار ليقوم بدوره المطلوب والضروري في رفد المسيرة النضالية لشعبنا خاصة وانه لا يمكن تجاهل ما يتمتع به هذا التيار من مخزون نضالي وفكري وسياسي أشرنا الى بعضه قبل قليل مما يجعله قادراً على استيعاب كل المتغيرات والتحولات، وبالتالي قدرته على ان يكون معبراً عن هموم وتطلعات شعب البحرين وقواه السياسية التي ناضلت من اجل الإصلاح والديمقراطية؟؟
في هذا السياق يمكن الإشارة الى بعض الأفكار والتصورات وكما يلي:
· كنا ولا زلنا نرى ان قوى التيار الوطني الديمقراطي تمثل عنصراً هاماً وأساسيا في تعزيز دور المعارضة الوطنية‘ انطلاقاً من فكرة التكامل في الأدوار والتراكم في التنسيق‘ دون ان يتعارض هذا الأمر مع التوجه لتأكيد الذات المستقلة في بناء المواقف والسياسات، والحرص على استعادة التوازن الداخلي للعمل السياسي الوطني.
· تنتظر التيار الديمقراطي مهمة إحداث صحوة وطنية ديمقراطية يعاد من خلالها تجديد الخطاب الوطني الديمقراطي، على قاعدة الاستفادة من أخطاء التجارب السابقة، والسعي الى بلورة مشروع وطني تتلاقى حوله كل الفعاليات الوطنية الديمقراطية بعيداً عن عقلية المتاريس العصبية السياسية والفكرية التي أضاعت على الوطن فرص كثيرة.
· من أولويات عمل قوى التيار الوطني الديمقراطي تبني وتشجيع طرح مبادرات وطنية تهدف أساسا الى جمع القوى الوطنية وتياراتها المختلفة على قاعدة احترام التعددية في الفكر والرأي وتجاوز منطق التباعد والتمزق.
· على التيار الديمقراطي تأكيد دوره كمنبر وحاضنه لكل قضايا الوطن ولكل الشخصيات الوطنية اللا منتمية لأحزاب سياسية والمواطنين من أبناء شعبنا، وعلينا الإقرار بأن القوى السياسية في هذا التيار على مستوى القواعد وعلى مستوى الفعاليات لا زالت محصورة في أوساط نخبوية ولم تستطع ان تصل بأنشطتها الى قطاعات جماهيرية واسعة الأمر الذي يتطلب تفكير وتوجه جدي لتغيير هذا الواقع.
· لقد نجحت قوى التيار الديمقراطي خلال الأعوام الماضية، بما في ذلك كوادر وأعضاء جمعية وعد التي نشطت من خلال جمعيات وواجهات أخرى، وسائط التواصل الاجتماعي، أن تحقق خطوات همامة على طريق الحضور الفاعل في الساحة الوطنية والتبني الجريء لقضايا الوطن والانحياز الى مطالب الشعب. لكن هذا لا يعني ان العمل كان خالياً من بعض الثغرات والنواقص وجوانب التقصير التي ينبغي تلافيها، ففي اللحظات الصعبة مطلوب تطوير أساليب العمل والبحث عن أشكال جديدة للتحرك وتبني بعض القضايا والملفات ذات الصلة بالحياة المعاشية المباشرة للمواطنين.
· يجب ان يكون في صلب استراتيجية قوى التيار الديمقراطي فتح قنوات للحوار مع المنظمات والجمعيات والشخصيات الوطنية المستقلة بهدف استعادة دور هذا التيار على الساحة‘ ولابد من الانطلاق من العناوين الجامعة لكل أبناء الوطن‘ هذا الى جانب الحوار مع كل القوى الوطنية الحقوقية المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان‘ حوار يرتكز على معادلة تؤكدها كل تجارب الشعوب المتعلقة بالحرية والعدالة والمساواة وهي ان بلدنا لا يمكن له ان ينهض وينعم بالاستقرار والديمقراطية دون ان يستعيد وحدته الوطنية ويواجه أعداء الإصلاح والديمقراطية.
وانطلاقا من كافة هذه الحقائق والمعطيات، فأننا ندعو لاستئناف الحوار حول تأسيس التيار الوطني الديمقراطي بمشاركة القومي والمنبر التقدمي وغيرهما من الجمعيات الراغبة، علاوة على الشخصيات الوطنية بكافة أطيافها والبدء أولا بمناقشة كيفية استيعاب الجميع ضمن اطر نضالية مرنة تحت مظلة التيار، وتنطلق من ثم بخطوات عملية نحو تأسيسه وفقا للعديد من التصورات والتفاهمات التي جرى الحديث عنها سابقا.