1 – 2
هناك من يتسائل عن هوية جيش المهدي والتيار الصدري الذي يقوده ، بعد ان دارت معارك دموية ، في جنوب العراق وفي مدينة الثورة في بغداد ( والتي اطلق عليها البعض بعد الاحتلال تسمية مدينة الصدر ) ، بين حكومة المالكي وجيش المهدي ، ذهب ضحيتها مئات العراقيين الابرياء نتيجة استخدام الطائرات والدروع والمدفيعة الثقيلة وكافة انواع الاسلحة ، في مناطق مدنية صرفة ! صحيح ان اخطر مافي هذه المعارك هو ابادة العشرات من العراقيين الابرياء ، ولكن هناك خطر لا يقل اهمية وهو خطر التضليل الذي يمارسه طرفي القتال ، اي الحكومة العميلة والقوات الامريكية وجيش المهدي وايران . ووصل التضليل ذروته بادعاء مقتدى الصدر ، عبر قناة الجزيرة ، بانه يمثل حركة مقاومة للاحتلال وطلب من الجامعة العربية دعمه !
كما ان هناك جهات عربية معينة اخذت تقول بان ( مقتدى يقود مقاومة ضد الاحتلال ) ومن ثم فان ايران ليست مع الاحتلال الامريكي للعراق ، ويقال هذا ضمنا غالبا ، وان الدفاع عنها وعن برنامجها النووي ضروري ، ويقال هذا صراحة وبوضوح تامين ! رغم ان تاريخ ايران الحديث ، خصوصا في زمن خميني واتباعه الحكام الحاليين ، هو تاريخ فرض وشن الحروب ضد العرب وقصف المدن العربية بالصواريخ الايرانية ، التي دكت البصرة وبغداد وغيرهما اثناء الحرب العراقية – الايرانية وقتلت المئات من المدنيين العراقيين ، قبل ان تدكها صواريخ بوش ، ونشر الفتن الطائفية والتعاون مع امريكا واسرائيل ضد الامة العربية ، وما ايرانجيت واسرائيلجيت الا مثالان على هذه الحقيقة !
وقد تجسد ذلك التضليل في بيان صدر باسم (الحملة الدولية ضد الاحتلال الأمريكى والصهيونى مؤتمر ومنتدى القاهرة للتحرر2008) ، والذي اصر من اصدره على رفض توجيه حتى نقد خفيف لايران ، وهو ما قام به المؤتمر القومي نتيجة وجود وطنيين عرب فيه بسبب موقفها من العراق ، مكررا ، اي البيان ، ما فعله في العام الماضي ، رغم الاعتراضات الشديدة من قبل بعض من حضروا المؤتمر ومطالبتهم بادانة الدورالايراني في العراق ، فمورست اساليب ديكتاتورية ، من قبل منظميه ، لاسكات كل صوت ينتقد الدور الايراني في العراق !
وحينما نكتب هذا المقال فيجب ان نشير الى ان من اصدر البيان تجنب الاجابة على استفساراتنا حول بيان العام الماضي في رسالة ارسلت له ، لذلك لم يعد بوسعنا ان نسمح بمرور هذا التضليل والتزييف لواقع العراق ولطبيعة القوى السياسية فيه ، والذي مارسه اولئك الذين فرضوا البيان واصدروه والمحاطين باسئلة مهمة وكثيرة حول هويتهم .
ولئن كانت هوية المؤتمر ، المسمى (الحملة الدولية ضد الاحتلال الأمريكى والصهيونى مؤتمر ومنتدى القاهرة للتحرر2008) ، الذي اصدر بيانا يدافع عن ايران بحماس ، محاطة بغموض كبير ، فان المؤتمر القومي العربي ، المعروف الهوية من تسميته ، وقع هو الاخر في فخ ايران حينما دافع عن المشروع النووي الايراني وادان احتمال شن هجوم امريكي على ايران ، رغم نفي بوش وخامنئي مرارا وجود نية او احتمال للقيام بذلك ، والاهم رغم مرور ثلاثة عقود وامريكا تهدد ايران دون تنفيذ ذلك ! ومع هذا نسجل للمؤتمر القومي انه ضمّن بياناته نقدا ، مؤدبا وخجولا ، لايران بسبب جرائمها في العراق ، وتلك خطوة مهمة رغم تواضعها الشديد لان المؤتمر محكوم ببعض الاعتبارات التي نعرفها جيدا .
ولاهمية وخطورة هذا التزوير والتضليل المبرمجين فان الفكرة المركزية التي يجب ان تبقى ماثلة امام نواظرنا ، نحن العرب ، وتفرضها حقائق صارمة تتعلق بستراتيجيات كل من امريكا واسرائيل وايران ، هي ان القدرة النووية الايرانية لن تستخدم على الاطلاق ضد اسرائيل وامريكا ، لان اهداف ايران الستراتيجية لا تتضمن اي تجاوز رئيسي على الخطوط الحمر الامريكية والاسرائيلية المعروفة ، بل بالعكس فان ستراتيجية ايران تخدم امريكا واسرائيل لانها تتركز اساسا على تفكيك الاقطار العربية وشرذمتها ، خصوصا نشر الفتن الطائفية والعمل المخطط لتذويب الهوية العربية والقضاء عليها . اضافة لذلك ، واذا افترضنا ، ولاغراض النقاش فقط ، وجود نية ايرانية لتجاوز الخطوط الحمر ، او بعضها ، فان الزعامات الايرانية ، البراغماتية الطبيعة ، تعرف يقينا ان ضرب اسرائيل سوف يقود حتما لازالة ايران من الخارطة ، برد فعل امريكي او اسرائيلي مباشرين ، وهو ما هددت به هيلاري كلنتون علنا .
من هنا فان السؤال الخطير الذي يفرض نفسه هو : اذا كانت ايران لاتفكر ، حتى مجرد تفكير ، باستخدام اسلحتها ، بما في ذلك النووية في حال امتلاكها ، ضد اسرائيل او ضد امريكا فضد من ستستخدم اذن ؟ اننا يجب ان ننتبه الى حقيقة خطيرة وهي ان القدرة الايرانية ، النووية او غيرها ، ستستخدم حتما وبلا اي شك ، لابتزاز العرب لاجل قبول هيمنتها ومطالبها في الارض العربية في ظل غياب الردع النووي العربي ، من خلال تهديدهم باستخدام السلاح النووي ضدهم اذا رفضوا طلبات وشروط ايران . ولدينا الدليل الحاسم على صحة ذلك وهو حقائق التاريخ الحديث والقديم ، ومنها حقيقة قصف ايران لمدن العراق بالصواريخ ، فمن يقصف بغداد والبصرة بالصواريخ ويقتل المدنيين العراقيين ، خصوصا الاطفال ، كما فعلت ايران بقصف مدرسة بلاط الشهداء في بغداد وقتلت اكثر من 30 طفلا ، لن يكون غريبا عليه ان يستخدم السلاح النووي ضدهم ، مادام لدى الزعامات الايرانية الاستعداد للقتل ، سواء تم بسلاح نووي او سلاح تقليدي .
ومما له دلالة مهمة هو ان جيش المهدي ، وكما قال ناطق باسمه ، هو احد اهم اسباب اختيار نوري المالكي لرئاسة الحكومة ، فمن يستطيع في ظل الاحتلال تقديم الدعم الذي يقرر تنصيب حكومة ورئيس حكومة غير المتعاون مع الاحتلال ؟ ! وجيش المهدي شريك المالكي والجلبي واياد علاوي في الحكم والبرلمان ، اللذان اقامهما الاحتلال ، وهو طرف اساسي في كل الجرائم ضد شعب العراق ومقاومته الوطنية المسلحة !
ما الذي يحدث ؟ وما هي الاسباب الحقيقية للاشتباكات التي حدثت في البصرة وغيرها ؟ ما هي حقيقة التيار الصدري وهويته ؟ لكي نجيب بصورة صحيحة ودقيقة على هذه الاسئلة ينبغي التذكّير بحقائق اساسية اهمها مايلي :
نظرية الاندساس في جيش المهدي
من بين اهم مظاهر التضليل الذي تمارسه المخابرات الايرانية ، عبر جهات عراقية او عربية ، طرح نظرية تقول بان جيش المهدي ليس كله سيئا بل فيه عناصر نظيفة ووطنية ، ولكنه اخترق من قبل اللصوص والساقطين اخلاقيا ، وان مقتدى قد انتبه لذلك فاخذ يتبرأ من هؤلاء ! هل هذ النظرية صحيحة ؟ ان هذه النظرية هي قمة التضليل والخداع والكذب المصمم لخدمة الدور الايراني في العراق وتوفير متطلبات استمراره ، واهمها تضليل الراي العام العربي والراي العام الاسلامي ( لان شعب العراق يعرف حقيقة الدور الايراني ) واقناعه بان ايران تتخذ موقفا مناهضا لامريكا . ان اكتشاف عناصر التضليل هنا يتم بالانتباه للحقائق التالية :
1 – ان جيش المهدي انشأ بقرار من المخابرات الايرانية وربط بالتيار الصدري لاضفاء صفة عربية ووطنية عليه وتمييزه عن التنظيمات الاخرى العميلة لايران ، مثل حزب الدعوة والمجلس الاعلى ، لذلك فانه تنظيم خاضع كليا لاوامر ايران في التخطيط والتنفيذ .
2 – في اطار تقسيم الادوار بين اذرع ايران ، لضمان احتواء اكبر عدد ممكن من الناس ومن مختلف الاتجاهات ، قررت المخابرات الايرانية ان يلعب جيش المهدي دور المناهض للاحتلال ولكن بشكل سلمي ، والهدف الاول هو احتواء الشيعة العرب الوطنيين المناهضين للاحتلال وعدم السماح لهم بالانضمام للمقاومة الوطنية العراقية ، وهم الاغلبية الساحقة التي تدين خدمة حزبي الدعوة والمجلس الاعلى للاحتلال .
3 – ان محاولة القاء تبعة جرائم جيش المهدي على عناصر انتهازية او لصوص ، يقال انهم تسللوا اليه او عناصر مخابراتية ارادت تشويه صورته ، كلام ليس فقط خاطئ بل انه مدان كليا لان لعبة جيش المهدي هي عمل مخابراتي ايراني متكامل ومدروس ، فعمليات النهب والسلب والقتل العشوائي او الطائفي التي قام بها جيش المهدي جزء من المخطط الايراني لنشر الفوضى وعدم الاستقرار في العراق ، وارهاب العراقيين العرب واجبارهم على الهجرة من وطنهم وتحويل الاغلبية العربية في العراق ( وهي 85 % من السكان ) الى اقلية ، او قوة غير طاغية سكانيا ، بعد تهجير ستة ملايين عربي منهم واستيراد اربعة ملايين ايراني فارسي وكردي من ايران وتركيا وغيرهما الى العراق ، ومنحهم الجنسية العراقية بصورة رسمية او بالتزوير . لذلك فان ماقام به جيش المهدي كان عملا مدروسا بدقة ولم يكن نتاج اخطاء مندسين في صفوفه على الاطلاق . ويجب ان نذكّر هنا بان مقتدى الصدر ، المتخلف فكريا والامي سياسيا واجتماعيا ، وهي حقيقة يعرفها كل من استمع اليه وهو يتحدث ، ليس سوى واجهة لجيش المهدي وللتيار الصدري وان من يقوده فعلا هو المخابرات الايرانية مباشرة . كما يجب التذكير بان مخطط ايران لتغيير الهوية العربية للعراق هو نفس المخطط الامريكي – الاسرائيلي ، وهذا هو احد اهم اسباب ترك امريكا لجيش المهدي يقوم بجرائمه في السنوات السابقة .
4 – منذ البداية كانت اللغة الوحيدة لجيش المهدي هي أدعاء انه يعمل على ( المحافظة على وحدة الطائفة ومصالحها ) وليس وحدة ومصالح العراق ، وهذا الكلام ردده مقتدى مرارا وهو موثق بالصورة والصوت . من هنا فان جيش المهدي هو اساسا جيش طائفي (ظاهريا ) صفوي الوظيفة والطبيعة والدور فعليا ويخدم مصالح ايران القومية بصورة كاملة وليس العراق ، يستقطب السذج باسم الطائفة ، وفي ضوء ذلك فانه لم يكن وطنيا على الاطلاق لان المنخرطين في صفوفه عبارة عن حثالات المجتمع العراقي ( مثل ابو درع الذي كان يتفنن في قتل العراقيين على اساس طائفي ) ، والذين لا يهمهم شيء سوى العمل اللصوصي والقتل والاغتصاب باساليب هي الابشع في كل تاريخ العراق .
5 – ان دور جيش المهدي أخطر من دور حزبي الدعوة والمجلس الاعلى ، اللذان كشفا كاداتين رسميتين وفعليتين للاحتلال ، لذلك طرحت ايران جيش المهدي كمعارض للاحتلال لاجل استقطاب شيعة العراق ، واغلبيتهم الساحقة ضد الاحتلال ، وتحويل غضبهم على الاحتلال الى عراقيين اشقاء لهم نتيجة تربيته الطائفية . ان اهم مايجب التذكير به هو ان جيش المهدي لا يختلف عن حزب الدعوة والمجلس الاعلى من حيث الصلة بحكومة الاحتلال ، فهو يملك وزراء في الحكومة ولديه اعضاء كثر في البرلمان الذي شكله الاحتلال ، ويعلن ليل نهار انه يدعم العملية السياسية وانه جزء اصيل منها مع انها عملية تتم في ظل الاحتلال وبتخطيط الاحتلال ولخدمة الاحتلال . ويجب ان نشير الى دوره في الحكومة من خلال ما فعله في وزارة الصحة والتي كانت من حصته ، فلقد حولها الى مسلخ بشري رهيب ، من خلال قتل كل مصاب او مريض يجلب للعلاج في المستشفيات العراقية ، لذلك اخذ الناس لا يذهبون للمستشفيات بل يبقون في بيوتهم يواجهون الموت بصمت خوفا من التعرض للتعذيب البشع على يد فرق موت جيش المهدي ، والتي كات تتفننن في ابتكار اساليب قتل مثل شواء البشر وهم احياء في افران الخبز وتشويه الجسد بتلذذ سادي غريب حتى الموت !
6 – ان اللحظة الحاسمة التي جعلت جيش المهدي يحل محل فيلق بدر في ارتكاب الجرائم البشعة ، ويتفوق عليه بعشرات المرات ، كانت عملية تفجير مرقد الامامين ، رضي الله عنهما ، في سامراء في مطلع عام 2006 ، اذ ان جيش المهدي بدأ مباشرة بعد التفجير بشن هجمات ضخمة ومنظمة على مناطق بغداد وقتل عشرات الالاف من البغداديين وهجر البقية من مناطقهم ! في تلك الفترة كشف جيش المهدي عن هويته الحقيقية الكاملة ، وهي انه ايراني بالكامل واكثر ايرانية من فيلق بدر . وكان ابرز تعبير عن ذلك هو الاعلان من قبله رسميا عن هدف تحويل بغداد الى مدينة شيعية وطرد اهل السنة منها بالقتل والارهاب الدموي ! لقد كان السلاح الاول لجيش المهدي في تلك التجربة المرة جدا هو القتل على الهوية الطائفية ! ولئن كان هناك من يقسم جيش المهدي الى اشرار واخيار قبل مذابح بغداد في عام 2006 فأنه الان ، اذا اراد تكرار طرح هذا التقسيم المفتعل لجيش المهدي ، سيعرض نفسه للشبهات مهما كانت هويته وموقعه ، لان ما قام به جيش المهدي تجاوز الخطوط الحمر كلها ، وهو ما اجبر مقتدى وبامر من المخابرات الايرانية على الاعلان عن ان هناك مجاميع في جيشه تصرفت بصورة خاطئة وانه سيفصلها من جيشه !
7 – اما من يستخدم معركة النجف في عام 2004 بين جيش المهدي والقوات الامريكية والعراقية العميلة للقول بانه يعارض الاحتلال ، فيجب ان لاننسى ابدا الحقائق المركزية الاتية :
أ – ان بول بريمير ، الحاكم الامريكي ، هو من فتح النار على جيش المهدي والتيار الصدري وليس الجهة الاخرى ، حينما اصدر امرا باعتقال مقتدى لمحاكمته بتهمة قتل عبدالمجيد الخوئي واعتقل ابرز مساعد لمقتدى واغلاق مجلته ! عندها اراد مقتدى الافلات من الاعتقال بالتهديد بحمل السلاح ، فتفجرت المعارك بين الطرفين ولم يكن هدف مقتدى طرد الاحتلال ابدا بل حمابة نفسه ومنع اعتقاله . ولذلك فان مقتدى قبل وقف اطلاق النار الذي عرضه بريمر بشرط تسليم اسلحة جيش المهدي وسلمت فعلا لقاء مبالغ مالية ونقل التسليم عبر شاسات التلفاز . وفي العرف العشائري والوطني والعسكري والاخلاقي فان من يسلم سلاحه للعدو يفقد شرفه ووطنيته .
ب – أشترك التيار الصدري في العملية السياسية وكان طرفا اساسيا فيها لدرجة انه هو من اوصل المالكي لرئاسة الوزارة ، وتلك حقيقة اعاد التاكيد عليها جيش المهدي اثناء معركة البصرة في معرض تذكير المالكي بانه لولا دعم الصدر له لما اصبح رئسا للوزراء ! وكان لجيش المهدي وزراء واعضاء في البرلمان الذي اقامه الاحتلال ، وهذا الموقف بحد ذاته دليل على ان التيار الصدري وجيش المهدي هما جزء اصيل واساسي في تركيبة الاحتلال . والنظرية التي يستند اليها التيار الصدري في تسويق الاشتراك في الحكم في ظل الاحتلال تقول بان النضال السلمي يمكن ان يؤدي الى خروج قوات الاحتلال ، وهنا يجب ان نشير الى ان كل عملاء الاحتلال ، بما في ذلك الجلبي والمالكي والجعفري وعلاوي وطارق الهاشمي والحكيم ، تستروا بهذه النظرية وكان مقتدى ومازال هو احد هؤلاء .
ج – حينما اشتدت ازمة تقاسم مناطق النفوذ والغنائم بين امريكا وايران وصعدت امريكا تهديداتها الدعائية الجوفاء لايران اعلن مقتدى الصدر ، تماما مثلما اعلنت التنظيمات الصفوية الاخرى في العراق ، بانه اذا شنت امريكا هجوما على ايران فانه سيقاتل القوات الامريكية في العراق دفاعا عن ايران ! هذا الموقف بحد ذاته كاف تماما لتحديد هوية مقتدى الصدر الحقيقية وهي انه ايراني الانتماء والهوية وليس له صلة بالعراق ، باي شكل من الاشكال ، لان الانتماء للعراق يفرض التزامات صارمة في مقدمتها الدفاع عنه عند تعرضه للخطر وليس الاصطفاف مع من يغزو العراق ضد من يقاوم الغزو . ان مقتدى الصدر في هذا الاطار لا يختلف عن الحكيم والجعفري والمالكي بل هو مثلهم تماما لان هؤلاء بعد ان كانوا ومازالو اهم دعائم الاحتلال الامريكي للعراق يعلنون الان بوقاحة لا نظير لها بانهم سيدافعون عن ايران اذا تعرضت لهجوم ، وبالفعل قام جيش المهدي بشن هجمات محدودة ضد القوات البريطانية في البصرة تنفيذا لاوامر ايرانية واضحة وليس دفاعا عن العراق ! فاين وطن هؤلاء ؟ هل هو في العراق ؟ ام في ايران ؟
هـ – يعرف شعب العراق ، خصوصا كافة فصائل المقاومة العراقية وبلا اي استثناء ، بان جيش المهدي كان حتى عام 2006 من بين اشد فرق الموت قسوة على المجاهدين والمقاومين للاحتلال ، وانه قتل الاف المجاهدين من مختلف الفصائل ، وفي عام 2006 اصبح جيش المهدي هو التنظيم الاشد ضرواة وقسوة واجراما بحق المجاهدين ضد الاحتلال وسجل اعلى ارقام القتل والاغتيال خصوصا بين مجاهدي ابناء جنوب العراق الوطنيين والقوميين العرب .
و – كما يعرف ابناء العراق ، خصوصا ابناء القوات المسلحة الوطنية الشرعية ، بان أغلب فرق الموت التي اغتالت الاف الضباط والطيارين العراقيين هي فرق الموت التابعة لجيش المهدي ، والتي استلمت قوائم تفصيلية باسماء الضحايا من المخابرات الايرانية ونفذت عمليات الاغتيال بلا تردد وبقسوة لا نظير لها . واذا تذكرنا بان تصفية القوات المسلحة الوطنية العراقية كان قرارا امريكيا اتخذه بول بريمير فان تنفيذ جيش المهدي لهذا القرار يحدد هويته الدقيقة وطبيعته الثابتة ، فهو لم يكتفي بدعم الاحتلال ، من خلال الاشتراك في الحكم والبرلمان والعملية السياسية ، بل هو تطوع بحماس وتطرف لتنفيذ اقذر صفحات حل جيش العراق الوطني وهي صفحة اغتيال وتصفية كوادره العسكرية ، التي مرغت انف خميني وايران في الوحل حينما اراد غزو العراق تماما مثلما مرغ جيش العراق ، الحاضنة الاساسية للمقاومة العراقية ، انف امريكا في اوحال الهزيمة في العراق .
ز – ان جرائم جيش المهدي امتدت وتوسعت لتشمل الشعب الفلسطيني في العراق لانه هو بالاساس من قام بعمليات قتل مئات الفلسطينيين وتهجير الالاف منهم ، نتيجة وقوع مناطق سكن الفلسطينيين في داخل مناطق نفوذ جيش المهدي ، والتي لا ينازعه احد فيها على مستوى العصابات الاجرامية . ان ابناء فلسطين في العراق وخارجه يعرفون جيدا ان سكاكين جيش المهدي هي التي ذبحت مئات الفلسطينيين .
ك – هناك من يقول بعهر ضمير كامل ان بالامكان جر جيش المهدي الى جانب المقاومة العراقية ، وسبب وصفنا لموقف هؤلاء ب (عهر الضمير) هو ان واقع العراق وتطورات احداثه تؤكد بان جيش المهدي يوجه كليا من قبل المخابرات الايرانية ومقتدى عبارة عن واجهة تابعة لا حول لها ولا قوة . والدليل على صحة ذلك هو موقف المقاومة من مقتدى وجيش المهدي اثناء معارك النجف في عام 2004 بين جيش المهدي وقوات الاحتلال والحكومة العملية له ، حيث ان المقاومة العراقية قدمت لجيش المهدي دعما ضخما تمثل في ارسال ضباط متمرسين الى النجف لدعم جيش المهدي وتزويده بالخبرة العسكرية ، اضافة لدعمه بالسلاح . وكان الهدف هو اقناع جيش المهدي بالانضمام للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال ، وهذه الحقيقة يشهد عليها الشيخ الدكتور حارث الضاري الذي بذل جهودا شخصية مستمرة لاقناع جيش المهدي بالانضمام للمقاومة .
لكن هذا الجيش ، وبعد ان عقد صفقة مع الاحتلال قام بموجبها ببيع سلاحه لقوات الاحتلال وانضم للحكومة العميلة بدل الرد على موقف المقاومة الايجابي منه بابداء الرغبة بالتعاون معها ، هذا الجيش تبنى الموقف الاكثر شراسة تجاه المقاومة من حيث العداء لها وتصفية كوادرها ومقاتليها . ان هذه الحقيقة تؤكد ما يلي : لو كان جيش المهدي يضم عناصر مناهضة للاحتلال لاغتنم فرصة تعاون المقاومة معه للانخراط في صفوفها ، او على الاقل اقامة صلات طيبة ومعها ، لكنه على العكس اصبح الخطر الاكبر على المقاومة من بين كل فرق الموت والقوى المتعاونة مع الاحتلال ، ( وتبرع ) للقيام بدور ( المطهر ) العرقي الطائفي في بغداد في عام 2006 في تأكيد واضح على انه ينفذ اخطر حلقات المخطط الامريكي – الاسرائيلي – الايراني وهو اثارة فتنة طائفية في العراق تكون مقدمة لنشرها في كافة الاقطار العربية .
ل – اعلن مقتدى أكثر من مرة تجميد جيش المهدي تلبية لطلبات قوات الاحتلال ورغبة منه في اثبات حسن نواياه تجاهه ، وسعيا وراء الاعتراف بجيش المهدي كقوة متعاونة ومنسجمة مع العملية السياسية والاحتلال . بل ان مقتدى تأكيدا لهذا الموقف اعلن انه ترك جيش المهدي واعتزل لاجل الدراسة في قم . لكن الاحتلال كان مصمما على حل كل المليشيات ( باستثناء ميليشيا البيش مركة الصهيونية ) لانها اكملت دورها المطلوب امريكيا ، وهو تدمير العراق ونشر الفوضى فيه واشعال الفتن الطائفية ، فامر الاحتلال المالكي بتنفيذ الامر وهو ماكان السبب في القتال الذي دار في البصرة ومدينة الثورة في بغداد . ومرة اخرى لم يكن جيش المهدي هو المبادر بالقتال بل القوات الامريكية وكان مدافعا عن وجوده كقوة ايرانية صرفة ارادت امريكا تصفيتها لتقليم اظافر ايران في العراق .
ح – ان الهدف الاكبر لامريكا من وراء فتح معركة مع جيش المهدي في البصرة هو احكام قبضتها على النفط في البصرة وطرد فرق النهب التي تقوم منذ الغزو بسرقة نفط العراق بكميات ضخمة جدا . وهنا يجب التذكير بان امريكا كانت قد شجعتها على النهب لاجل جر هذه الفرق والعصابات ، وفي مقدمتها جيش المهدي ، الى تنفيذ المخطط الامريكي ، وهو توفير دوافع اقتصادية لدى قوى مهمة لفصل جنوب العراق باسم الفدرالية ( تقرأ في الواقع كونفدرالية ) رغم انها بدت فوضوية ظاهريا وبقرار امريكي مدروس .
وعملية النهب هذه لم تقتصر على اذرع ايران في العراق بل كانت ومازالت امريكا تنهب يوميا حوالي مليون برميل نفط عراقي لاجل تخفيف التكلفة الاقتصادية للغزو ، لكن وصول حلقات صنع القرار في امريكا الى استنتاج مهم وهو ان الاستمرار في غزو العراق اكثر خسارة بكثير من البقاء فيه وسرقة نفطه ، وان المقاومة العراقية ، وبعد فشل كل محاولات تصفيتها او اضعافها ، بقيت القوة الاساسية الضاربة في العراق التي تمنع امريكا من تحقيق اي نجاح ستراتيجي ، نقول ان وصول امريكا الى تلك القناعة اجبرها على التمهيد للهزيمة الحاسمة بالعمل على الحصول على عقد نفطي ستراتيجي يمكنها من وضع يدها على النفط العراقي لمدة نصف قرن تقريبا ، مع كل ما يقترن بذلك من الاستيلاء على اكثر من 75 % من موارد النفط ، اضافة لتوقيع اتفاقية امنية تحصل بموجبها امريكا على قواعد او وجود امني فعال داخل العراق !
من هنا فان اول خطوة نحو توقيع الاتفاقية الاسترقاقية هذه هو انفراد امريكا بالسيطرة على النفط في الجنوب وايقاف تنفيذ الخطة الامريكية السابقة وهي توفير بيئة مناسبة للنهب المنظم . ان من لا يأخذ بنظر الاعتبار هذه الحقيقة لن يستطيع فهم حقيقة ما يجري في الجنوب . ان القتال في الجنوب مع جيش المهدي ليس فقط لتصفية لصوص النفط وبقاء لص واحد يسرقه ، هو امريكا ، بل انه يستهدف ايضا اعداد الظروف المناسبة لتوقيع وتنفيذ اتفاقية النفط ، ومن دون جعل النفط بيد واحدة لا يمكن تنفيذ اي اتفاقية نفطية .