منذ أيام، انتهت لجنة تحقيق هولندية مستقلة في غزو واحتلال العراق وموقف الحكومة الهولندية منه من عملها، واصدرت تقريرها النهائي.
اللجنة تشكلت في فبراير من العام الماضي بهدف التحقيق في قرار الحكومة الهولندية بدعم الولايات المتحدة في غزوها للعراق وخصوصا انه كان قرارا لا يعبر عن موقف غالبية الشعب الهولندي.
التقرير النهائي للجنة، الذي صدر في 551 صفحة، انتهى الى ادانة موقف الحكومة الهولندية في دعمها للغزو، واعتبر ان هذا الموقف تم لاعتبارات سياسية وبني على تجاهل للحقائق وللمعلومات التي قدمتها اجهزة المخابرات الهولندية.
والأهم من ادانة موقف الحكومة، ان تقرير اللجنة انتهى الى ان اجتياح وغزو العراق لم يكن له أي شرعية من وجهة نظر القانون الدولي.
بطبيعة الحال، هذه النتيجة التي انتهت اليها لجنة التحقيق الهولندية ليست جديدة، وقد باتت حقيقة معروفة وراسخة في العالم، وخاصة بعد كل الحقائق التي تكشفت في السنوات الماضية عن جريمة غزو واحتلال العراق.
ومع هذا، فان تحقيق اللجنة الهولندية والتقرير الذي اصدرته، يعتبر حدثا مهما، وهو يستدعي التأمل من زوايا وابعاد كثيرة.
بداية، الاهتمام بتشكيل هذه اللجنة المستقلة واجراء هذا التحقيق، هو في جانب اساسي منه تعبير عن احترام للشعب وارادته، وتعبير عن احترام للحقيقة التي يجب ان تعلن.
بعبارة اخرى، هو تعبير عن حق الشعب في ان يعرف الحقيقة، وفي ان يحاسب حكومته على ما تتخذه من قرارات وسياسات.
الجانب الآخر انه بغض النظر عن النتيجة العملية التي يمكن ان يقود اليها اعلان نتائج التحقيق، وما اذا كان سيقود مثلا الى محاسبة المسئولين عن اتخاذ قرار مساندة غزو العراق، فالأمر المؤكد انه بحد ذاته من الممكن ان يقود الى ترشيد المواقف والسياسات الهولندية مستقبلا، وبحيث تفكر الحكومة مليا قبل ان تندفع في اتخاذ قرارات شبيهة.
بالطبع، نقول هذا، وفي ذهننا الأوضاع المأساوية التي نعيشها في بلداننا العربية من هذه الزاوية. نعني انه، سواء في حالة العراق او في حالة قضايا وازمات كثيرة اخرى شهدناها، كم من المواقف والسياسات التي اتخذتها الحكومات العربية وقادت الى كوارث مروعة وألحقت دمارا لا حدود له بالمصالح العربية العامة. ومع هذا، لا احد يحاسب هذه الحكومات او يسائلها او يحقق فيما فعلته. والنتيجة العملية لهذا هي ان الحكومات تمضي قدما في نفس المسار المدمر من دون ان يرمش لها جفن.
الجانب الثاني، ان هذا التقرير يأتي ليذكر العالم بما كاد ينساه. نعني انه جاء ليؤكد الاعتبار الواجب للقانون الدولي وللشرعية الدولية . جاء ليذكر بأن القانون الدولي والشرعية الدولية هي المرجعية الاساسية الملزمة التي تحكم العلاقات بين الدول وتحكم سياسات ومواقف الدول.
ومن اهم الجوانب التي جاءت اللجنة الهولندية لتذكر بها عندما انتهى تحقيقها الى ان الغزو والاحتلال لم يكن له أي ظل من الشرعية الدولية من وجهة نظر القانون الدولي، هي ان كل من شاركوا في الغزو والاحتلال هم مجرمو حرب وابادة يجب ان يحاكموا على جرائمهم.
هذا هو حكم القانون الدولي الذي يجب ان يسري على جورج بوش وكل اركان ادارته من السياسيين والعسكريين، وعلى توني بلير وكل اركان ادارته، وعلى كل من شاركوا في الغزو والاحتلال.
لقد سبق لي ان كتبت مقالات كثيرة تناقش هذه القضية بالتفصيل، وتدعو الى حتمية التحرك العربي للمطالبة بمحاكمة كل مجرمي الحرب هؤلاء. لكن للأسف القضية تكاد تضيع وسط حالة الضياع العربي التي نعيشها.
لكن يذكر للتقرير الهولندي كما قلت انه جاء ليعيد التذكير بحتمية محاكمة كل مجرمي الحرب هؤلاء. وعلى كل حال، فان جرائم هؤلاء التي ارتكبوها بحق العراق والشعب العراقي هي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولابد ان يأتي يوم نرى كل هؤلاء المجرمين خلف قضبان العدالة الدولية يحاكمون على جرائمهم.