الشيطان في التفاصيل
مثل غربي
حينما نتحدث في العموميات ونتفق حولها لا نواجه مشاكل كبيرة ونتجنب اي لغم قد يفجر التفاهم او الحوار والتفاوض لكننا حينما ندخل في بحث التفاصيل التطبيقية للاطار العام المتفق عليه فاننا سنواجه المشاكل والعقد والالغام الخطيرة التي تنسف الاتفاق العام وتلغيه. هذا هو معنى المثال المذكور في اعلاه وكان هو اول ما قفز الى ذهني وانا انتهي من مشاهدة مقابلة تلفازية في قناة الجزيرة حول انفصال جنوب السودان مع السيد حسن الترابي (الامين العام للمؤتمر الشعبي السوداني)، وهي مقابلة خطيرة بكل المعايير لانها تكشف ماكان مستورا او مموها في مواقف السيد الترابي. لقد كنت لا اعرف بعض تفاصيل ماكان يجري في السودان، وان كنت اعرف الاطار العام له، لكنني عرفت التفاصيل التي كانت غائبة عني حينما شاهدت المقابلة التي اجراها السيد علي الظفيري في برنامجه (في العمق) يوم 3/1/2011 فمكنتني من اكمال جمع صورة الوضع في السودان والوصول الى تحديد اطراف سودانية اخرى تتحمل مسئولية تقسيم السودان تماما مثلما تتحمل اطراف عراقية جزء خطيرا من مسئولية غزو العراق ومحاولة تقيسمه.
في هذه المقابلة كان الترابي صريحا الى درجة مذهلة وقدم على طبق من ذهب اعترافا كاملا وتاما وبتفاصيل لا غموض فيها تتعلق بموقفه الحقيقي من تقسيم السودان، والمذهل فيه هو ان موقفه الجديد يتشابه بل يتطابق حرفيا مع ماورد في المخططات الصهيونية – الغربية – الايرانية القائمة على تفتيت الاقطار العربية عرقيا وطائفيا، وفي هذه المرة انطبعت في ذهني صورة احمد الجلبي، العراب الاول لغزو العراق، وتماهت مع صورة الترابي رغم الاختلافات المظهرية في اللون والتقاسيم واللغة الايديولوجية، واستحوذ على عقلي وعواطفي سؤال مهم جدا وهو هل قدمت احداث العقد الاول من القرن الجديد ادلة تكفي لتأكيد ان تياران اسلامويان احدهما في الوطن العربي وثانيهما في ايران اعتمدا من قبل الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية وكيانها في فلسطين بصفتهما اخطر ادوات تقسيم الاقطار العربية؟ ان التفاصيل التي قدمها الترابي حول موقفه من تقسيم السودان جعلتني فورا اعتقد ان اسمه الطبيعي هو مستر تفاصيل الترابي، وتنحى اسم حسن وسقط في حفرة في اعماق الذاكرة، لانه اعترف وبلا اي حرج انه شيطاني الهوى والهوية والخلفية بافكاره وطروحاته وبالاخص بضحكاته التي لا سبب لها – والعراقيون يعرفون معنى الضحك بلا سبب – وكان يتعمد ان يفجر ضحكة بين ضحكة واخرى مع انه كان يتحدث في موضوع دم ودموع وكوارث ولا يمكن فيه حتى الابتسام!
ما الذي قاله مستر (تفاصيل) الترابي هذا والذي اجبر ذاكرتي على احضار صورة الجلبي؟
من بين اخطر ما قاله مستر تفاصيل الترابي في تفاصيله الشيطانية ما يلي :
1- وصف الشمال العربي بانه (الشيطان الظالم) للجنوب وسالب حقوقه، والوصف أطلق على الشمال وليس على النظام السوداني وفي هذا الوصف دلالات كبيرة جدا منها انها اوصاف الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني للحالة في السودان. ان الحديث عن ظلم الواقع على الجنوب، وبغض النظر عن صوابه او خطئه، هو الممهد التكتيكي المعروف لتسويق فكرة تقسيم السودان.
2- تجنب ذكر دور تمرد الجنوب في احداث الفتنة وحمل الشمال العربي مسئوليتها فقط مع ان الجنوب هو من حمل السلاح وقاتل وليس الشمال الذي اضطر للرد.
3- تجنب التطرق لدور الكيان الصهيوني والغرب في دعم التمرد وحينما ذكره السيد علي الظفيري بالدور الخطير للصهيونية والغرب الاستعماري في دعم التمرد وخلقه وادامته ضحك، وبلا سبب، وقال لولا اننا قدمنا الحجة لما تدخل الغرب ولا الصهيونية! وفي ذلك الموقف يكرر نفس منطق من حرضوا على غزو العراق من العراقيين والذي يصور الاستعمار والصهيونية وكأنهما جالسان فقط لالتقاط الاخطاء والتحرك في ضوءها وكرد فعل عليها، وليس لان الغرب والصهيونية لديهما مخططات معادية تستغل الاخطاء وتضخمها، لذلك فان استخدام الاخطاء كحجة للتدخل والغزو هو منطق الاحتلال ومناصريه فقط.
4- والاخطر فيما قاله مستر تفاصيل الترابي هذا هو انه انكر وجود هوية وطنية سودانية وعرّف السودان بانه لملوم متنافر لصق لصقا اصطناعيا! تذكروا انه نفس توصيف الاحتلال وعملاء الاحتلال في العراق للعراق. وبناء على ذلك التوصيف فانه اعلن انه يوافق على تقسيم السودان الى ثمانية دول وليس الى دولتين فقط كما كان المخطط الصهيوني الاصلي ينص عليه! مستر تفاصيل الترابي زايد على الكيان الصهيوني في موضوع تقسيم السودان واصبح يقبل بتقسيمه الى ثمانية دول بدل دولتين كما خططت الصهيونية وقال ذلك وهو يضحك، مرة اخرى بلا سبب. ان انكار الهوية الوطنية السودانية ربما يكون رصاصة الرحمة التي اطلقها مستر تفاصيل على راسه لانه هدم كل تاريخه ومابناه وما اراد تشكيله من صورة عن نفسه كقائد (اسلامي) يبني سودانا قويا واضح الهوية والملامح يكون انموذجا يحتذى به،لكنه الان بانكاره وجود هوية وطنية للسودان ينكر كل تاريخه وكل هرطقاته وتنظيراته ويضع تياره بكامله امام اتهام طبيعي ومشروع بانه مجرد حصان طروادة.
5- وكما في غزو العراق فان لافتة الديمقراطية وحقوق الانسان، ومنها حق تقرير المصير، كانتا السلاح (الامضى) في محاورة مستر تفاصيل الترابي هذا، فمادام اهل الجنوب واهل دارفور وغيرهم يريدون الانفصال فلم نعارض؟ انه حق تقيري المصير! وحينما اعترض الظفيري وقال له بذكاء ان حق تقرير المصير ليس حقا مطلقا وهناك متطلبات بقاء الدولة ضحك، مرة اخرى وبلا سبب ايضا ضحكته التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد مع ان الموضوع ليس برنامجا هزليا وانما هو مقابلة حساسة في موضوع مصير السودان المفترض انه وطنه! طبقا لمستر تفاصيل الترابي فان حق تقرير المصير حق لا يعلو عليه حق اخر، بما في ذلك حق الوطن في الوحدة، وبغض النظر عما سيترتب عليه من نتائج!
6- والاغرب في منطق مستر تفاصيل الترابي هذا هو انه قال بعظمة لسانه بان اللغة المشتركة التي يتفاهم بها اهل الجنوب فيما بينهم ومع اهل الشمال هي اللغة العربية وهي سائدة في الجنوب ويتكلم بها الجميع. ان هذا الاعتراف بحقيقة لم اكن اعرفها سابقا، وكنت اعتقد بان اهل الجنوب يجهلون العربية تماما، يضع الترابي امام اتهام صريح جدا بانه يسهم مباشرة وبدور طليعي وفعال جدا في تدمير ثمرة عمل سوداني مرهق ومكلف لعدة عقود وهو تحقيق رابط ثقافي ولغوي مع اهل الجنوب لتعزيز الرابطة الوطنية السودانية عامة وترسيخها وتوطيد وحدة السودان شعبا وارضا. والنجاح هذا، في جعل اللغة العربية لغة التفاهم الوحيدة بين عشرات الاقوام في الجنوب التي يستخدم كل منها لغته الخاصة فجاءت العربية لتصبح لغة توحيد اهل الجنوب ذاتهم قبل ان توحدهم مع اهل الشمال، مذهل وجبار وانجاز كبير جدا وتشكر عليه كافة الحكومات السودانية التي نفذت خطته لانه قفز بالسودان من حالة بلد منقسم، بين شمال وجنوب بسبب الحاجز اللغوي المتمثل بغياب اللغة المشتركة مما كان يعرضه للتقسيم السهل، الى بلد يمكن لكافة ابناءه ومهما اختلفت مكوناتهم العرقية والثقافية التفاهم في الحياة والدراسة والتعلم بلغة مشتركة تقربهم وتردم الفجوات بينهم. فهل يمكن لوطني حقيقي ان يدمر هذا الانجاز وهو يصل مرحلة اعطاء الثمرات؟
واذا كان هناك من يعتقد بان تعريب الجنوب عمل عنصري فانه يقع في وهم مدمر لصدقيته لان كل دول العالم المتقدم، بما في ذلك امريكا والاتحاد الاوربي، تضع شرط اتقان اللغة الرسمية لمنح الجنسية والتمتع بحقوق المواطنة، مادام ازالة الحاجر اللغوي من اهم شروط التقدم والقوة للدولة، فتسييد لغة وطنية عمل براغماتي عالمي في المقام الاول وهو بالاضافة لذلك تقدمي وعصري وانساني وعادل بكل المعايير.
7- كذلك من اكثر الظواهر لفتا للنظر ان مستر تفاصيل الترابي يريد تطويع اسم الاسلام لخدمة مفاهيم غربية عفى عليها الزمن بعد ان دخلنا حقبة الكشف عن البواطن والتخلي عن الظواهر بعد انتهاء الحرب الباردة، فالترابي يستخدم حق تقرير المصير للوصول الى احد اهم اهداف الصهيونية والغرب الاستعمري وهو تقسيم السودان. كذلك يستخدم الديمقراطية الغربية كوسيلة للوصول الى ارادة شعبية جنوبية تقسمه، مع ان العالم دخل منذ انهيار الكتلة الشيوعية حقبة الديكتاتورية العلنية، تجاه العالم الثالث، وحقبة العنصرية العلنية في التعامل مع العالم الثالث ممثلة بغزوات امريكا في العالم الثالث لنهب ثروات شعوبه التي توصف ب(الجاهلة والمالكة لثروات يجب الاستيلاء عليها من قبل الاذكياء المتفوقين)، والمدعومة – اي الغزوات – بيقظة النزعة الاستعمارية الاوربية تحت غطاء الارهاب، فسقط حق تقرير المصير وذبحت الديمقراطية في العالم الثالث على يد امريكا او استخدمت اداة لذبح الشعوب كما حصل في العراق، وتحولت مفاهيم حق تقرير المصير من حقوق مطلقة في زمن الحرب الباردة الى حقوق مشروطة بخدمة الاستعمار الغربي والصهيونية والا فانها نزعات تفرخ الارهاب ويجب وأدها وهي في المهد كحق شعب فلسطين في التحرر وتحرير ارضه الوطنية التاريخية كاملة او حق شعب الاحواز في التحرر من الاستعمار الايراني.
والنزعة الاستعمارية الغربية المستيقظة على طبول التوسعية الاستعمارية الامريكية تخلت عن الاخلاق والقيم العليا والتي كانت تستخدمها اثناء الحرب الباردة ضد الشيوعية ونظمها، واصبحت المصلحة الخاصة للغرب ودوله هي المحرك الرسمي، الم يحتل جورج بوش الابن العراق هو وتوني بلير تحت غطاء اكاذيب كانت معروفة ومكشوفة ولكن الكونغرس الامريكي اعطاه الضوء الاخضر كما البرلمان البريطاني وافق عليها؟ وماذا فعل الكونغرس في امريكا والبرلمان في بريطانيا تنفيذا واحتراما ل(قيم الغرب العليا والتمسك بالعدالة) بعد ان كشف رسميا عن ان غزو العراق كان ثمرة اكاذيب ملفقة ومفبركة؟ لقد ادى الغزو الى ابادة اكثر من مليوني عراقي ماتوا كنتيجة مباشرة للغزو، وهجر اكثر من سبعة ملايين عراقي من ديارهم خارج وداخل العراق وانتهكت كافة القيم الانسانية والحقوقية على يد الاحتلال وفرق الموت التي شكلها هو او شكلتها دول استغلت تعمد امريكا وبريطانيا جعل العراق بلا حماية، فسرق كل شيء بما في ذلك تاريخ العراق ومتحفه واثاره وكنوزه الثقافية النادرة لدرجة ان المخابرات الامريكية نظمت اكبر عملية نهب امريكية – اسرائيلية (بعد عملية نهب المتحف العراقي بقرار امريكي صريح) وهي عملية سرقة كتاب التوراة النسخة الاصلية التي كانت مخبوءة في مقر المخابرات العراقية لحمايتها بالاضافة لسرقة وثائق تاريخية ضخمة اخرى اثناء تلك العملية التي لا تقوم بها الا عصابات محترفة ولكن مخابرات امريكا قامت بها بمشاركة الموساد الاسرائيلي رسميا!
وهل نسي مستر تفاصيل الترابي، ام انه تناسى، ان تدشين عصر انتهاء الحرب الباردة قد اقترن بصعود عصر افتراضي ووهمي ومخادع اسمته امريكا عصر انتهاء السيادة او تقلصها؟ وفي هذا العصر الغيت حقوق كثيرة اخطرها سيادة الدول وهو مفهوم غربي روج في عصر النهضة ثم تعزز لمواجهة ما كان يسمى (الخطر الشيوعي) وروجت في مطلع التسعينيات (نظرية السيادة الناقصة)، فاصبح غزو الدول ممكنا حتى بدون اسباب مقبولة، وتحولت اوربا من كيان يحميه حلف الناتو الذي اسس ليقوم بواجبه في اوربا فقط الى كيان يغزو بقوة الناتو حينما تقتضي مصالح اوربا ذلك فاعلن رسميا ان حدود واجبات الناتو لم تعد تقتصر على اوربا بل اصبح العالم كله مسرحا لعمله! لقد سقط الغرب بكامل قيمة المزيفة وبرز غرب اخر وحشي وبلا حدود، واستعماري بلا تردد او غطاء، وتحول العالم الى مسرح لسباق الاقوياء للنهب واستعباد الاخر، فاصبحت الشعوب الفقيرة اكثر فقرا بعد انتهاء الحرب الباردة وتخلت الرأسمالية عن ابتسامة الليبرالية واستخدمت عبوس الديكتاتورية بوجه الاخر خصوصا الفقير والمتخلف ثقافيا.
ان رمز العصر الجديد بعد الاحداث المفبركة ل (11 ايلول – سبتمبر) هو ابو غريب وما جرى فيه وعرف العالم من خلاله ان الليبرالية وحق تقرير المصير والديمقراطية كانت مجرد ادوات غزو وتخريب في العالم الثالث والثاني (اوربا الشرقية)، بل ان الديمقراطية والليبرالية بدأتا تتقلصان وتضعفان بتصاعد واضح في امريكا واوربا تحت غطاء محاربة الارهاب، فقيدت حقوق المواطن وحلت قوانين الطوارئ محل الدساتير حتى في الدول الاسكندنافية التي تقذف باللاجئين اليها الى سلطات بلدانهم وهي تعلم انهم سيذبحون! وتجرأت لتهاجم مقدسات امم اخرى ورموزها الدينية المقدسة دون اي احترام للاخر وقيمه ودينه! فكيف نسى مستر تفاصيل الترابي كل ذلك واستخدم ديمقراطية الغرب الاستعماري وحق تقيري المصير الذان وضعا في عصر مات وانتهى وشبع موتا لتسويق خطة الصهيونية والغرب تقسيم السودان؟ في حالة مستر تفاصيل الترابي نواجه اسلامويا نمطيا لعب دورا خطيرا لعدة عقود باسم الاسلام يقف ليستخدم اسلحة غربية (صليبية) – بالمعنى الديني هذه المرة – من اجل تقسيم السودان. هل يوحي لكم ذلك بخطورة ادوار رجال استغلوا اسم الاسلام للتهيئة لاخطر التطورات المعادية للعرب والاسلام؟
8- والغريب الاخر في موقف مستر تفاصيل الترابي هو انه اسلاموي تكفيري وقف ضد القوى الوطنية والتقدمية وكفرها وحاربها ودعا الى تصفيتها، وانتقل بمشروعه التصفوي من السياسية العامة الى وضع الاقليات بين خيار الابادة وخيار الاسلمة. لم يعد سرا ان مشكلة جنوب السودان قد اصبحت مشكلة انفصال وليست مشكلة مطاليب في اطار وحدة السودان بعد وصول الاسلامويين الى السلطة وبدء ما سمي بفرض الشريعة على غير المسلمين في الجنوب السوداني عندها تحولت الحرب في الجنوب من حرب مطاليب وفي مقدمتها المساواة بين الجنوب والشمال وانهاء التمييز الى الانفصال تحت افضل غطاء له جاذبية وهو الاضطهاد الديني والتمييز الاقتصادي والاجتماعي على اساس ديني. هذا ما فعله جعفر النميري وهذا ما اكمله ووسعه وعمقه مستر تفاصيل الترابي حينا اصبح الحاكم المطلق للسودان الذي يحرك كل شيء من خلال تلاميذه العسكر الحاكمين، فحصل الشرخ العميق. ان اهم سؤال في ازمة السودان هو : من هو الطرف الذي مهد للانفصال وبنى اسسه الثقافية والاقتصادية والحقوقية والنفسية؟ اليس التيار الاسلاموي في السودان؟
والان وبعد ان اكمل دوره المرسوم في توفير شروط الانفصال يتخلى مستر تفاصيل عن النزعة التكفيرية تجاه اهل الجنوب ويتبنى الخيار الاكثر ليبرالية حق تقرير المصير – وهو الخيار الاغرب بالنسبة لاسلاموي – مع ان هذا الخيار اما يحتضر في مراكزه الاصلية او انه اندثر في العالم كله بما في ذلك في الغرب! اليس ذلك امر مدهش ويجبر الانسان على تبني اي احتمال خطير بخصوص الدور الحقيقي لمستر تفاصيل الترابي؟ والا ليقل لنا سماحته هل يمكن في امريكا مثلا تصور انفصال ولاية كاليفورنيا او غيرها وفقا لحق تقرير المصير؟ وهل يجهل ان امريكا ليست امة وانما هي امة في طور التشكل ولا توجد هوية وطنية امريكية مشتركة لها حتى الان لان اغلبية السكان تحتفظ بثقافتها الاصلية وقسم كبير منهم يتحدث الاسبانية ولم يخضع لعملية الاحتواء الثقافي ضمن اللغة الانكليزية؟ بينما السودان مقارنة بامريكا يملك الهوية العربية المتبلورة منذ قرون! هل سئل مستر تفاصيل نفسه هل يستطيع ثوار اسبانيا من الباسك مثلا ممارسة حق تقرير المصير في بلد ليبرالي؟ هل يستطيع اهل كورسيكا في فرنسا الانفصال عبر ممارسة حق تقرير المصير؟ ان هذا الانقلاب على النزعة التكفيرية لدى مستر تفاصيل الترابي ليس سوى تطور محسوب منذ زمن طويل ومارس الترابي كل مواقفه خلال العقود الماضية من اجل الوصول اليه ولكن بعد ان يتمكن من اكتساب صفة محببة ومقبولة ويكون له انصار كثر ينفذون طلباته وهو ما تحقق وحان وقت كشف اوراق لعبة القمار على الطاولة السودانية كما كشفت اوراق الاسلامويين في العراق المحتل.
ان الانتقال من التكفيري الظلامي الى الليبرالي القابل لكل ما يسمح له بالضحك بلا سبب يلخص صورة العمل المخابراتي الغربي الصهيوني وانجازاته الخطيرة، تذكروا ذلك ولا تنسوه وانتم تحاولون فهم ما جرى ويجري في السودان ولا تنسوا ربطه بما جرى ويجري في العراق ولبنان وغيره، فكل هذه الاحدث اجزاء من صورة واحدة متكاملة ومترابطة عضويا والقاسم المشترك بين كل مشارك في التقسيم وخلق الفتن الطائفية هو الانتماء لتيار اسلاموي والعمل المنظم في العقود السابقة لاكتساب سمعة طيبة كي تستغل الان في اغراض شيطانية. يتبع