عقيل ميرزا
ينشغل العالم كله هذه الأيام في متابعة فضائح تعذيب من العيار الثقيل، ولكن هذه الفضائح ليس مسئولاً عنها هذه المرة نظام عربي، أو جهاز مخابرات في إحدى دول العالم الثالث، والتي عادةً ما تعج وتضج سجونها بصراخ ضحايا التعذيب، بل مسئول عنها أشهر نظام مخابرات في تاريخ البشرية على الإطلاق، وهو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه).
الفضيحة المدوية، تم تدوينها في 525 صفحة، بين دفتي تقرير أسود أصدره مجلس الشيوخ الأميركي، يوثق أساليب التعذيب التي استخدمتها الـ(السي آي أيه) خلال استجواب المتهمين بأحداث 11 سبتمبر، والذين يشتبه في انتمائهم لتنظيم «القاعدة».
كان من بين أساليب التعذيب التي دوّنها هذا التقرير، ضرب المعتقلين بجدران، وتعريتهم، ووضعهم في مياه مجلدة، ومنعهم من النوم طيلة فترات تصل لأسبوع كامل، وإيهامهم بالغرق، وتركهم لأيام في ظلام دامس إلى وضعهم في مواجهة الحائط. وبحسب التقرير فقد تم تهديد معتقل واحد بواسطة مقدح كهربائي في حين أخضع خمسة معتقلين على الأقل بالقوة لعمليات «تزويد بالسوائل عن طريق الشرج»، وفي إحدى الحالات تم إدخال الطعام إلى جسم المعتقل عن طريق الشرج.
الهجوم على مبنى «البنتاغون»، بطريقة مستحدثة تم فيها استخدام الطائرات المدنية، المكتظة بالمسافرين، وضرب برجي مركز التجارة الدولية بالطريقة نفسها، وسقوط 2973 ضحية، إضافةً إلى آلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة، لم يكن كل ذلك مبرراً كافياً لدى مجلس الشيوخ الأميركي لاستخدام التعذيب ضد المتهمين بهذه الكارثة التاريخية، من خلال تعريتهم، ووضعهم في مياه مجلدة، أو منعهم من النوم لعشرات الساعات.
السناتور الجمهوري جون ماكين في تعليقه على الفضيحة التي ابتليت بها أميركا، لم يرغب في اختيار مفردات يغطي بها هذه السوأة، ولم يقل أمام مجلس الشيوخ «إذا ابتليتم فاستتروا»، بل اختار مواجهة الفضيحة وقال: «لا يتعلق الأمر بأعدائنا، وإنما بنا نحن. يتعلق الأمر بما كنا عليه وما نحن وما نريد أن نكون في المستقبل». وقال أيضاً «الحقيقة يصعب تقبلها في بعض الأحيان. تضعنا أحياناً في صعوبات في الداخل والخارج. وهي تستخدم في بعض الأحيان من قبل أعدائنا. لكن الأميركيين لهم الحق في معرفتها رغم كل شيء».
نحن في البحرين أيضاً، كنا أمام امتحان صعب في العام 2011، عندما كشفت «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» عن تقريرها الذي كانت صفحاته بحجم صفحات تقرير مجلس الشيوخ، فقد ذكر البروفيسور محمود شريف بسيوني بخصوص التعذيب في هذا التقرير أنه «كان من بين الأساليب الأكثر شيوعاً لإساءة معاملة الموقوفين، تعصيب العينين، تكبيل اليدين، الإجبار على الوقوف لفترات طويلة، الضرب المبرح، اللكم، الضرب بخراطيم مطاطة وأسلاك كهربائية على القدم، و(الفلقة) والضرب بالسياط وقضبان معدنية وخشبية وأشياء أخرى، والصعق بالكهرباء والحرمان من النوم، والتعريض لدرجات حرارة شديدة، والاعتداءات اللفظية، والتهديد بالاغتصاب، وإهانة الطائفة الدينية». ولكن كل ذلك وغيره مما جاء في تقرير تقصي الحقائق، لم يدفع بأحد النواب إلى النطق بمفردة واحدة من مفردات جون ماكين التي واجه بها الفضيحة، بل إن أحد النواب اكتفى بالقول: «فلتذهب توصيات بسيوني إلى الجحيم»!
إذاً نحن أمام معضلتين: معضلة التعذيب، ومعضلة نواب لا يواجهون الواقع المرير حتى يعملوا على إصلاحه، بل يدسون هذا الواقع في التراب كما فعل قابيل في جثة أخيه هابيل!