التعديلات الدستوريّة ووضعنا الشائك والمُعقّد
منصور الجمري
يُعتبر الوضع الذي نمُرُّ به من أصعب الأوضاع، وهو امتحان لمدى قدرة الإنسان على أن يتطرق إلى موضوعات تنطوي على الكثير من المضامين والمعاني عالية الحساسية وأن يفصح عن وجهات نظر متنوعة تسعى وتبحث عن المخرج مما نحن فيه، كما تبحث في الوقت ذاته عن الإنصاف لمختلف أطراف المعادلة السياسية البحرينية.
من هذا المنطلق تمثل مجموعة التعديلات على دستور 2002 التي أعلن جلالة الملك عن خطوطها العامة في خطابه أمس علامة على الطريق الصعب المشدود بين اتجاهات مختلفة، منها ما يدعو إلى الأخذ بعين الاعتبار التوازنات الواقعية الحالية، ومنها ما يطرح الأنموذج المواكب للتطلعات الصاعدة نحو تحوُّل للديمقراطية يمُرُّ من خلال عدالة انتقالية وحوار قائم على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
إن المحك الذي يواجه الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء، هو مدى قدرتنا على أن نبرهن لبعضنا البعض، وللمراقبين، على إنجاز المصالحة الوطنية التي تشتمل على تنفيذ فاعل وواضح لتوصيات تقرير بسيوني، ومعالجة أعباء ما حدث في 2011 وتركته الثقيلة التي لا يمكن إغفالها، ومن ثم العبور نحو المستقبل الأفضل بثقة واطمئنان.
نتفق مع جلالة الملك على أن الديمقراطية ليست مجرد نصوص وأحكام دستورية وتشريعية، ونؤكد أنها ثقافة وممارسة والتزام بحكم القانون واحترام لحقوق الإنسان، مقترنة بعمل سياسي وطني جاد يمثل أطياف المجتمع كافة دون إقصاء أو محاصصة… ومن البديهي أن تختلف وجهات نظر البحرينيين حول التعديلات المقترحة، وهو أمر صحِّي في حدِّ ذاته، والاختلاف – بصورة عامة – بين رؤيتين.
رؤية تطرح أن لدينا حالياً أهدافاً عالية المستوى أحدثها التغيُّر السريع مع انطلاقة «الربيع العربي» الذي اجتاح منطقتنا العربية من المحيط إلى الخليج، ما رفع من تطلعات المجتمعات العربية، ولاسيما فئة الشباب منهم، وضاعف آمالهم في إصلاحات كانت تُعتبر حلماً بعيد المنال، وهو تحوُّل جذريّ في الحراك العام لم تشهده المنطقة العربية منذ مئة عام. إضافة إلى ذلك، فقد حدث تغيُّر كبير في بنيوية المجتمعات مع التطور التكنولوجي الهائل الذي بلغ ذروته في سرعة ضخ المعلومة والتفاعل معها وهو ما دفع الشباب في كل مكان لتحمُّل أعباء المطالبة بالإصلاحات الأكثر عمقاً واتساعاً لإحداث تغييرات تعالج واقعهم السياسي والاجتماعي.
على الجانب الآخر، هناك رؤية مختلفة تنظر إلى التعديلات الدستورية المقترحة على أساس ضرورة المراعاة لظروف واقع معقد وجغرافيا سياسية، وتوازنات محلية وإقليمية. وعلى أساس وجهة النظر هذه، فإن التغير السياسي المتدرج هو الأسلم للبحرين. وهذه الرؤية تقول إن هذه التعديلات توخّت الحذر بسبب الانقسام المجتمعي الذي يعصف بالبحرين الآن، وهي محاولة لإحداث التوازن في دائرة شديدة التقاطع والتعقيد في ظل تدافع اجتماعي وسياسي تمر به بلادنا في هذا المقطع الزمني المهم من تاريخها، وإن التعديلات الدستورية تستهدف بعث رسالة اطمئنان إلى أطراف عديدة بأن التحوُّل السياسي لن يكون مفاجئاً لها أو خارجاً عن الإطار المقبول لديها.
مثل هذا الاختلاف ليس جديداً، وإنما الجديد فقط هو وضعنا الشائك حالياً والمُعقّد بسبب التركة الثقيلة جداً لما حدث طوال 2011 والتجاذبات السريعة التي تفرض واقعاً مختلفاً علينا جميعاً. وبين هذا وذاك، فإننا نأمل لبحريننا ان تجتاز الامتحان الصعب الذي تمر به عبر تضافر الجهود المخلصة من كل جانب
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3418 – الإثنين 16 يناير 2012م الموافق 22 صفر 1433هـ