«ليت بيننا ويبنهم بحرا من النار» وسواء صدقت المقولة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب أم لا، أصبحت خير ما يقال في موضعها كلما جد للحديث شجون، فحوادث التاريخ تؤكد أن الإيرانيين جيراننا وإخواننا في الدين لديهم يقين أن لا عز لهم إلا بذل العرب، فمياه الفراتين الدافقة وشط العرب والخليج لم تطفئ حرارة حقد قلوبهم الدفين وإن تباعدت الأيام، فالعلاقات العربية الإيرانية طوال التاريخ لم تكن طبيعية وإنما نزاع وصراع، فإيران تسعى لبسط النفوذ بدعم جماعات معارضة للحكومات العربية وإذكاء نار التمرد والفتنة في المنطقة واحتلال أراض عربية وجزر محاذية.
ولا نذهب بعيدا، فقد سعى الشاه إسماعيل الصفوي للسيطرة على العراق والخليج فاحتل بغداد عام 1508 وهدم قبور أئمة السنة وأعدم علماءهم بمذبحة عظيمة إلى أن تم تحرير العراق وتخليصه من شرورهم بعد معركة جالديران عام 1514، وهناك ثماني عشرة اتفاقية ترسيم حدود من 1555 – 1975 اخرها عام 1936.
وقامت حكومة الشاه باختطاف شيوخ آل السعدون من منطقة الأحواز العربية الغنية بالنفط والمعادن عام 1925 وضمتها بالقوة، ومازال عرب الأحواز وشعبها يعانون الاحتقار والإهمال والتهميش، وطالب رئيس وزراء العراق الزعيم عبدالكريم قاسم عام 1959م باستقلال الأحواز ودعم ثوارها، وأثير الموضوع في الجامعة العربية، ولكنه قتل قبل أن يحالفه النجاح عام 1963، وسواء نسي العرب الأحواز أو تناسوها كفا للشر، فالأطماع الإيرانية لا حدود لها ولن تنتهي.
وحاول رضا شاه بهلوي تغيير الأبجدية العربية لتعميق الهوة بين العرب والفرس وقطع رابطة الدين فأخفق. وبدأت مرحلة جديدة بتولي ابنه محمد رضا العرش عام 1941 فساند إسرائيل وفتح لها سفارة في إيران، خارجا على إجماع العرب والمسلمين واتبع سياسات نفطية معادية، وفي عام 1954 طالب بضم دولة البحرين وفشل أمام استفتاء مواطنيها بأغلبية كبيرة صوتت لصالح عروبة البحرين .وبعد حرب حزيران 1967 احتلت إسرائيل أراضٍي فلسطينية شاسعة، واحتلت إيران الجزر العربية الإماراتية الثلاث، عام 1971لموقعها الاستراتيجي في قلب الخليج العربي.
ودعم الشاه الأكراد في العراق وزودهم بالسلاح فتمردوا وقاتلوا الحكومة حتى نفد عتادها، فاضطرت إلى عقد اتفاقية الجزائر بين صدام والشاه عام 1975 وتنازل العراق لإيران عن نصف شط العرب، لتكف عن مساعدة الأكراد، فسلم الأكراد أسلحتهم للحكومة العراقية خلال أسبوع، مما يؤكد تورط الشاه وتدخله في الشؤون العراقية.
وبعد سقوط الشاه ورثته حكومة الثوار وبدأ ترديد شعار تصدير الثورة، واستقطبوا أحزابا وجماعات معادية للحكومات الوطنية وموالية لإيران، أرسل العراق رسائل ودية لإيران كان الرد عليها برسائل مريبة ومثيرة، وبدأت المناوشات بين مخافر الطرفين الحدودية حتى تفجرت حربان، حرب برية عسكريا استمرت ثماني سنوات (1980 – 1988) خسر فيها الطرفان مليون قتيل وجريح وأسير ومعاق، وخسائر مادية تقدر بـ 1.19 ترليون دولار وعدت أطول حروب القرن التقليدية، ولم تكن لها ثمرة، ولم يختلف ما بعدها عما قبلها. وخلفت آثارا سيئة في نفوس الشعبين كان الأفضل تجنبها.
وصاحبت الحرب العسكرية حرب الناقلات، فاستهدفت إيران ناقلات النفط والتجارة لقطع الإمدادات العراقية، فهاجمت سفينة كويتية قرب البحرين في مايو 1984، ثم سعودية، وبلغت الحصيلة 546 حالة تعرض وتدمير لسفن تجارية أغلبها كويتية، حتى رفعت أمريكا علمها على السفن الكويتية لتوفر لها الحماية.
ومارست إيران أسوأ طرق الاحتيال وأساليب المكر والغدر مع العراقيين، ففي حرب الخليج الثانية استلطفت العراق وتبرعت بإيواء طائراته الحربية لكي لا تقع فريسة للطائرات الأمريكية، ثم استولت عليها غصبا وعدتها جزءا من التعويضات المزعومة.
إن الصراع بين العرب وإيران لم يكن وليد عهد الرئيس صدام، وإنما صراع حتمي استراتيجي أزلي بالنسبة إلى إيران على كل المستويات سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وليس خيارا. فإيران تتدخل في شؤون العراق قويا أو ضعيفا، ولن تكف، وما يحصل في العراق من قتل على الهوية وتهجير وفتنة طائفية واغتيال الطيارين والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وأئمة المساجد وعلمائها وشيوخ القبائل، ليس بعيدا عن إيران على الإطلاق، وما وراء الأكمة أدهى وأمر.
ورافقت الحرب الإيرانية العراقية أخطاء كثيرة منها قيام السلطات العراقية بترحيل ربع مليون من أصول إيرانية كانوا مقيمين غير شرعيين عملوا سنين طويلة تملكوا فيها أراضي ودورا ومتاجر، إلى الحدود الإيرانية، وباعت أملاكهم للمواطنين، استقبلتهم إيران وكسبتهم عملاء ومخابرات لها، وعاشوا في ضنك على هامش الحياة، وقارب عددهم بعد ربع قرن المليون، وبعد الاحتلال قذفتهم إيران داخل العراق، تدفقوا حشودا بعفشهم وسياراتهم وشاهدناهم في الفضائيات، واغلبهم شباب لا يتكلم العربية ولا يعرف العراق وعاداته وتقاليده، وصاروا يغيرون على دور وممتلكات ذويهم السابقة بالقوة يشردون شاغليها ويقتلون من يرفض إخلاءها، وينتقمون فأصبحوا شرارة الفتنة.
ولضمان مصدر عيش لهم جندوا في الجيش والشرطة وجنسوا، وهم بالأصل عملاء لإيران ولية نعمتهم تحرضهم وتسيرهم كيف تشاء، وهكذا أسهموا بشكل مباشر في إثارة النزعة الطائفية والحقد والعنف في العراق، وصاروا يطالبون بإقرار اللغة الفارسية لغة رسمية، وهم اليوم خلف تهريب المخدرات والأسلحة والعنف، ولهم نواب يحملون الجنسية الإيرانية في البرلمان العراقي، ويتحمل العراقيون مآسي تدخل إيران الواضح والجريء في تشكيل الحكومة العراقية وترشيح رئيس الوزراء رغم رفض الشعب لهم، وأصبحوا رافدا آخر من اللعبة التي تحاك خيوطها للعراق، وابتلي بها الشعب العراقي، ثم ينحى باللائمة على العراقيين، والعراقيون لا يد لهم فيما ابتلوا فيه
البلاد :العدد 724 الجمعة 08 أكتوبر 2010