تشير التطورات على الساحة الدولية وما تحمله من تداعيات على شكل العلاقات الدوليةـ خاصة بين القوى الكبرى ـ تشير إلى أن العالم والمنطقة العربية قد دخلا مرحلة جديدة من تاريخهما، وسوف يقف المراقبون عند هذه التطورات والمحللون السياسيون الذين يقرؤون المشهد السياسي الدولي عند المحطات الهامة التي تعلن عن تشكل نظام عالمي جديد ينبثق من رحم هذه التطورات.
سيقف هؤلاء أولاً عند صعود روسياً مجدداً خاصة في أعقاب أحداث منطقة " القوقاز " وحرب " جورجيا " وكيف استطاعت روسيا بحركة ذكية محسوبة توجيه ضربة إستراتيجية قوية للولايات المتحدة الأمريكية ولنفوذها وذيولها في العالم ، كذلك سيتم التركيز على دور الصين كعملاق قوي في مواجهة أحادية وهيمنة أمريكا في الساحة الدولية، خاصة وأنها ( الصين ) كانت تعتمد سياسة تقوم على تجنب الصدام المباشر مع أمريكا طوال العقد الماضي، في الوقت الذي كانت تتسلل بصمت وهدوء إلى مناطق عديدة في العالم مستخدمة سلاح العلاقات الاقتصادية والتجارة كما هو حاصل في القارة الأفريقية على سبيل المثال لا الحصر. كما سيقف هؤلاء المراقبون عند الهند والبرازيل كقوى اقتصادية وسياسية صاعدة، إضافة إلا سعى دول أمريكا اللاتينية للخروج من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية. وسوف يجري الحديث عن التطورات الجارية في أفغانستان وعودة " حركة طالبان " بقوة إلى مسرح العمليات وإمساكها بزمام المبادرة عبر تكثيف هجماتها على قوات حلف الناتو، وتزايد أعداد قتلى جنود الحلف، الأمر الذي قاد إلى تطور قناعة غربية حول ضرورة تغيير حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإستراتيجيته في أفغانستان، وتوالي تصريحات بعض قادة هذا الحف حول " استبعاد الحل العسكري " و " إجراء حوار مع حركة طالبان بشأن تطور الأوضاع في أفغانستان، والتي تؤكد الفشل الذريع للإدارة الأمريكية وكذب كل مزاعمها حول نجاح حربها الدولية على " الإرهاب " التي انطلقت أولى شرارتها منذُ سبع سنوات بالهجوم على أفغانستان وإسقاط حركة " طالبان " أكبر حليف ومساند لتنظيم " القاعدة " المسئول الأول حسب الإدعاءات الأمريكية عن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
وأخيراً وليس آخراً سيقف المحللون مطولاً عند الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت بالمؤسسات المالية للولايات المتحدة الأمريكية، والتي أخذت منذ منتصف شهر سبتمبر 2008م منعطفاً خطيراً نتيجة انهيار بعض المصارف الكبرى وإشهار إفلاسها، الأمر الذي أصاب المؤسسات المالية وأسواق المال الأمريكية والعالمية بصدمة عنيفة ؟؟؟ وهي أزمة لن تفلح كل خطط الإنقاذ التي يبشر بها الرئيس الأمريكي " بوش " في التخفيف من وطأتها ووقف تداعياتها الخطيرة على النظام المالي العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وسوف لن تفلح في إرجاع الثقة المفقودة في هذا النظام ؟؟؟
ومما لا شك فيه أن مقارنة سوف تعقد بين التحولات الجارية وبين الأحداث التي وقعت قبل أكثر من عقد ونصف بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي برمته، وسيادة القطب الواحد" الأمريكي الصهيوني " الذي فرض هيمنته العسكرية والسياسية والاقتصادية على دول العالم. وسوف يخرج هؤلاء المحللون من كل ذلك بنتيجة مهمة وأكيدة، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت تفقد المبادرة العالمية إلى الأبد، وأن قدراتها المادية والنفسية تمر بحالة استنزاف خطيرة، مما يجعلها عاجزة ومشلولة تماماً رغم عظمتها التكنولوجية والعسكرية والمالية، وهو ما يعني في حقيقة الأمر تدهور مكانة أمريكا وتعرض مشروعها الإمبراطوري الاستعماري للفشل والإخفاق ودخوله مرحلة الاحتضار ؟؟؟ وليس هناك أدل على هذه الحقيقة من الجدل الدائر حالياً في داخل أمريكا بين الساسة والمفكرين والأوساط الأكاديمية العلمية التي أخذت تطالب بإجراء تغيير إستراتيجي في كل السياسات الأمريكية والتراجع والانكفاء على الذات لمراجعة ودراسة أسباب هذا الفشل والإخفاق اللذين كانا السمة البارزة لكل مشاريع وخطط الإدارة الأمريكية خلال ألثمان سنوات الماضية، ثم يأتي أحتلال العراق قبل خمسة أعوام من قبل هذه الإدارة المجرمة وماسببه من خراب ودمار للعراق والمنطقة وما حمله من تطورات وتداعيات سلبية على المستويين الأقليمي والدولي ليكشف حجم التراجع والسقوط المدوي لسمعة ومكانة أمريكا كحصيلة طبيعية تراكمية لهذا الاحتلال الغاشم وسوف يتذكر العالم جيداً مقولة الشهيد الرئيس صدام حسين " رحمه الله " " بأن احتلال العراق سيكون بداية نهاية عصر القطب الواحد ". فقد كان رحمه الله يقرأ في صفحة الواقع والتجارب التاريخية وطبيعة العراق وتاريخه.
فلم يعد هناك اليوم أدنى شك بأن العراق هو الصخرة التي تكسرت عليها الهيبة الأمريكية بفضل انتصارات المقاومة العراقية الباسلة على قوات الاحتلال الغاشمة، وأن أمريكا بعد أن أوقعت نفسها في " مستنقع العراق " قد فتحت على نفسها أبواب الجحيم، وصارت تعاني من الانحدار التدريجي بفعل الخسائر والهزائم المتكررة ؟؟؟ وهو ما سمح للكثير من الدول والقوى بأن ترفع رأسها وتنازل القوة الأمريكية في العديد من المواقع على الساحة الدولية والإقليمية، وتحدي صلف وجبروت إدارة الشر والعدوان في واشنطن، وهي وقائع تؤكد يوماً بعد آخر أن أمريكا قد فقت فرصتها التاريخية في فرض نظامها ومشروعها الاستعماري، وأن هناك نظاماً دولياً جديداً متعدد الأقطاب في طور الولادة.
وفي سياق كل هذه التطورات والوقائع يبرز سؤال هام يتعلق بنا نحن العرب كأنظمة وشعوب وقوى سياسية، حول مدى قدرتنا على قراءة هذه الأحداث بصورة نقدية وتحليلية للاستفادة منها وتوظيفها في أعادة ترميم وإصلاح البيت العربي " القومي " الذي تحطم وتهشم بفعل أخطاء وخطايا النخب العربية الحاكمة ؟؟ وكيف يمكن إحداث تغيير في واقع الأمة العربية وتغيير مجرى الصراع مع الحلف الأمريكي الصهيوني ؟؟؟
من المؤكد هناك اليوم ظروفاً دولية جديدة تتضافر معها فرصة تاريخية أمام الأنظمة العربية وكل القوى السياسية الوطنية والقومية والإسلامية الحقيقية لتعديل موازين القوة الحالية لصالح أمننا الوطني والقومي، وحماية مصالحنا خاصة ونحن العرب هم من دفع الثمن الأكبر جراء هيمنة القطب الواحد المعادي لنا، سواء كان في فلسطين ولبنان والسودان أو العراق الذي قدم تضحيات بلا حدود وتعرض لظلم وعدوان لا مثيل له في التاريخ، وجرى احتلاله دون وجه حق تحت مجموعة من الذرائع والأكاذيب، وتم تدمير دولته وسفك دماء شعبه وانتهاك حرماته ومقدساته، وجرى ترويع أطفاله ونسائه، ناهيك عن زرع بذور الفتنة الطائفية وضرب نسيجه الاجتماعي وتمزيقه أرضاً وشعباً، وقد حدث ذلك ويحدث وفق مخطط مبرمج " لاجتثاث " هذا البلد العربي من الخارطة السياسية والجغرافية للوطن العربي وتوزيعه حصصاً بين المحتلين والقوى العميلة لهم !!! وهو ما يعني تعرض أمتنا العربية وأقطارها إلى نكبة جديدة وضياع أخطر من نكبة وضياع فلسطين التي لن تقف تداعياتها ونتائجها عند حدود العراق، بل سوف تتعداها إلى ما حولها وجاورها من أقطار الأمة العربية، وسوف تطال شرورها وسمومها أرجاء الوطن العربي طولاً وعرضاً ؟؟ من هنا نحن نلح ونصر على السؤال الهام وهوــ أين المشروع العربي ؟ وأين الخطط العربية لمواجهة هذه الأحداث والمتغيرات ؟ وأين الحضور العربي والحسابات العربية مما يجري حولنا وفي عمق أقطارنا ؟؟
إن صدق الانتماء لهذه الأمة والإيمان بوحدتها أرضاً وشعباً يتجسد حين تكون الأمة في حالة خطر يهدد وجودها، فيأبي القائد الحقيقي أو المسئول التنازل عن مسئوليته وواجباته الوطنية والقومية، ويتمسك بثوابت الأمة باعتبارها خط الدفاع الأول عن الهوية والوجود الوطني والقومي مهما كانت التحديات ومهما عظمت التضحيات ؟؟؟ وهذا ما فعله العراق وقدمه عبر كل تاريخه، وهذا ما قدمه شعبه من تضحيات في سبيل عزة وكرامة هذه الأمة !!! ترى ماذا قدمنا نحن للعراق ؟؟ وهل قمنا بأداء الحد الأدنى من الواجب أو الالتزام القومي تجاه هذا البلد العربي وشعبه ؟؟؟ وماذا نحن فاعلون اليوم في ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية وفي ظل واقع المأزق الأمريكي في العراق ؟؟ والفرصة التاريخية التي تجود بها الأقدار علينا من جديد من أجل تحرير الأمة وإنصاف العراق الذي دفع شعبه ومقاومته الوطنية ثمناً غالياً ليس من أجل العراق وحده، بل من أجل البشرية كلها وتحريرها من هيمنة أحادية القطب الأمريكي الصهيوني ؟؟؟ بل لا نغالي إذا قلنا أن العراق قد دفع فاتورة صعود روسيا والصين من جديد في الساحة الدولية لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية على النفوذ والمصالح ؟؟؟ وهذا وضع ما كان له أن يحدث لولا انشغال أمريكا بالعراق أصلاً، بل واستفادة من أوضاع العراق العديد من الدول والقوى الإقليمية خاصة " إيران " التي صار لها مشروعها السياسي والإستراتيجي القائم على أساس إيجاد وتأسيس مواقع النفوذ والمصالح في العديد من الأقطار العربية، بما فيها العراق نفسه الذي تعمل بكل السبل ليكون جزءً من هذا النفوذ بعد أن دعمت وشاركت في احتلاله ؟؟؟ وهو مشروع يحاول اليوم ربط نفسه بزخم الصعود الروسي الصيني والاستفادة منه بعد أن ربط نفسه في البداية بالاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق.
فكل القوى الدولية والإقليمية تتحرك وفق مصالحها ( ولا أحد يلومها في ذلك ) وفي سبيل هذه المصالح تستخدم كل ما هو متاح أمامها، وتلجأ إلى كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة لتأملين هذه المصالح، كما تحاول أن تغلف تحركاتها بالكثير من الشعارات والدعاوى الأيديولوجية والدينية ؟؟
فالسياسة في النهاية لا تمارس بالمعايير الأخلاقية أو القيم المبدئية، بل بمعايير المصالح والجغرافيا السياسية، وهي نفس المعايير التي بررت بها " إيران الإسلامية " مشاركتها ومساعدة أمريكا في غزو البلدين الإسلاميين أفغانستان والعراق، وهي ذات المعايير التي أجازت من خلالها تحويل شعارها " الموت للشيطان الأكبر " إلى " الموت للقومية العربية والعروبة "، واجتثاث دعاتها، وعملت ولا زالت تعمل على القضاء على " عروبة العراق "، وتأجيج الوضع الطائفي فيه الذي أدى إلى إبادة وتهجير عشرات الآلاف من خيرة العراقيين العرب !!! وهي نفس المعايير التي تنطلق منها في عقد الصفقات مع أمريكا حول كل القضايا الأقليمية وتوظيفها لحماية مصالحها وأمنها القومي.
وبالعودة إلى دعوتنا للنخب الحاكمة في الأقطار العربية لقراءة كل الأحداث والمستجدات الدولية والإقليمية قراءة واعية ومبصرة في إطار المصلحة القومية وقضاياها المصيرية، نقول أن الأنظمة العربية مطالبة في هذه الظروف وضع نصب عينيها مصالح وطموحات شعوبها، وأن تستوعب جيداً ما تعرضت له الأمة وأقطارها من أخطار وكوارث جراء هيمنة القطب الأمريكي الصهيوني، وأن تعي حقيقة ما جرته سياسة الخضوع والاستسلام للمشيئة والإرادة الأمريكية، وأن التماهي المطلق مع الأهداف الأمريكية لا يمكن أن ينتج عنه سوى ما تحصده اليوم الأقطار العربية جميعها من مخاطر، التي تطال أمنها الوطني والاجتماعي والاقتصادي ؟؟؟ فقراءتنا للتاريخ القريب تؤكد أن كل ما حصل ويحصل اليوم من أحداث وتداعيات له صلة عميقة بالأحداث الخطيرة التي رافقت وأعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وضلوع بعض أركان النظام العربي الرسمي في توالي تلك الأحداث بشكلها الدراماتيكي، وكيف أسهمت الأموال العربية في " تفريخ " وولادة أولى خلايا قوى التطرف تحت عباءة " الجهاد الأمريكي " وتراجع القوى الوطنية والقومية والإسلامية المعتدلة. وأصيب الأمن القومي العربي بأخطر حالات الاختراق والضعف، وتأزمت العلاقات العربية ـ العربية، وانفرط عقد العمل العربي المشترك، ثم جاءت كارثة غزو الكويت والعدوان على العراق عام 1991م ليدق آخر مسمار في نعش النظام العربي الرسمي، ثم خضوع العراق بعد ذلك لحصار جائر وعقوبات ظالمة لمدة تزيد على ثلاثة عشر عاماً، انتهت بغزو عسكري أمريكي عام 2003م واحتلاله بصورة وحشية قلبت معها كل موازين القوى في المنطقة العربية، وأدخلت الوطن العربي برمته في دائرة الخطر. وكان النفط وأمن العدو الصهيوني محركين أساسيين لكل مشاريع وخطط الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، والتي كانت ترمي من خلالها فرض زعامتها على العالم، وفرض إرادتها ومصالحها بالقوة والإكراه العسكري والسياسي والاقتصادي ؟؟؟
وقد لاحظنا كيف كانت أمريكا خلال " الحرب الباردة " وصراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق ــ كيف كانت ــ تتبنى إستراتيجية إضعاف وتمزيق الاتحاد السوفيتي من الداخل، مستغلة تورط الأخير في أفغانستان، وهو ما أطلق عليه في حينه سياسية " الاحتواء ". أما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وخلو الساحة للولايات المتحدة الأمريكية وغزوها للعراق واحتلاله عام 2003م لجأت إلى إستراتيجية " محاصرة روسيا "، فالأخيرة رغم كل ما حصل لها تبقى بكل المقاييس تمتلك مقومات الدولة العظمى، وأمريكا والدول الغربية عموماً تدرك هذه الحقيقة، لذا عملت على حصار روسيا عن طريق النفاد واستقطاب الدول والجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي مثل " جورجيا " أو تلك الدول التي تدور في فلكه مثل ـ بولندا والمجر، من خلال إغراءها بالمساعدات المالية والعسكرية، وإدخالها الحلف الأطلسي ؟؟ وكانت روسيا تعرف النوايا الأمريكية، وكانت تراقب كل تحركاتها وحلفاءها في هذه المناطق التي تمثل امتداداً لعمقها وأمنها القومي. وعندما شعرت وأيقنت أن هناك تهديداً مباشراً لأمنها القومي لم يكن أمامها لإحباط الخطط الأمريكية سوى التحرك الذي قامت به، وأخذت من خلاله الولايات المتحدة وحلفاءها على حين غرة، ووجهت ضربة قاصمة لإستراتيجية الحصار الأمريكي لروسيا ؟؟؟ وفي نفس الوقت موجهة معها رسالة لا تخلو من مغزى سياسي تعلن من خلالها صراحة رفضها القاطع للهيمنة الأمريكية على العالم باعتبارها القطب الواحد. وهو ما يعني أن صراعاً قادماً لا محالة بين الروس وأمريكا لن يقف عند حدود " جورجيا "، وأن هناك مؤشرات قوية على حدوث تحولاً في ميدان الصراع الدولي، وأن المعركة القادمة ستكون بين نظام القطب الواحد الذي تتزعمه أمريكا وتريده مستمراً وقائماً إلى الأبد، ونظام جديد متعدد الأقطاب تبرز فيه روسيا والصين والهند ودول أمريكا اللاتينية.
مرةً أخرى نعود ونطرح سؤالنا الهام حول " المشروع العربي " الذي يجب صياغته استعداداً لهذه المرحلة الحاسمة والخطيرة من تاريخ الوطن العربي، مشروع يحمل من بين أهدافه استنهاض المشاعر والمواقف الوطنية والقومية والركون إليها في بناء حائط صد في وجه الخراب والفوضى الطائفية التي يراد لها أن تعم أقطارنا ومجتمعاتنا العربي. لابد من تحرك عربي يسترجع الحد الأدنى من التوافق والتضامن العربي، ويضع نهاية للمعادلة السائدة في وضعنا العربي، فليس قدرنا هو فقط أن نختار بين الاستبداد والتطرف والإرهاب وبين الخضوع لإرادة القوى الأجنبية ؟؟؟ فهذه الجماهير العربية المتطلعة إلى الحرية والتقدم والعدالة إذا لم تجد المشروع الوطني والقومي التي يعبر عن تطلعاتها الحقيقية فسيكون البديل الجاهز أمامها هو الالتحاق " بالطوائف " و " القبائل "، والتمسك بخيار " دولة الطائفية " و " المذهب " وهو ما يعني تكريساً وتعميقاً لواقع التقسيم الاجتماعي والسياسي اللذين تعاني منهما أقطارنا العربية أصلاً ؟؟ كما يعني أيضاً استعداداً لمرحلة جديدة من التقسيم والحروب الأهلية الطائفية التي باتت اليوم مثل الجمرة المشتعلة والكامنة " تحت الرماد " في عموم مجتمعاتنا العربية تنتظر أية عاصفة أو هزة اجتماعية لتشتعل ناراً تأكل الأخضر واليابس ؟؟؟
فقد أثبتت أحداث السنوات القليلة الماضية أن احتلال العراق قد مثل الكارثة الحقيقية التي أصابت أمتنا العربية وأقطارها كافة وهزت أركانها وهددت وجودها، لذلك ليس أمام الأقطار العربية وقادة النظام العربي الرسمي وكل النخب السياسية من مدخل لتصحيح ومعالجة أوضاع الأمة النازفة سوى " مدخل العراق "، فالولايات المتحدة الأمريكية وبتحريض من العدو الصهيوني قامت بغزو العراق واحتلاله وإسقاط نظامه الوطني والشرعي بالقوة العسكرية الغاشمة، وأنهت في الواقع وجود دولة عربية قائمة وأقامت مكانها مجموعة " كانتونات " و " محميات " طائفية وعرقية يحكمها ويتحكم فيها " ميليشيات " وعصابات من اللصوص والقتلة ؟؟؟ وبذلك قلبت موازين القوى السياسية والعسكرية في المنطقة لصالح العدو الصهيوني وإيران، وموجهة بذلك ضربة قاصمة للأمن القومي العربي. وللأسف أن هذا العدوان والاحتلال قد حدث بمشاركة وتواطؤ بعض الدول العربية وبموافقة وصمت البعض الآخر ؟؟؟ وكانت النتيجة هي هذا الضياع الذي تعاني منه أمتنا العربية، حيث أصبحت جميع الأقطار العربية رهينة أزماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وحتى الكبيرة منها رغم حجمها السكاني وعمقها التاريخي والحضاري باتت في الصفوف الخلفية، لا تأثير ولا وزن سياسي لها في الساحة الدولية والإقليمية بعد أن تخلت عن دورها القيادي. وعوضاً عن " الديمقراطية الكاذبة " التي وعدت أمريكا بنقلها من العراق إلى الأقطار العربية نقلت إليها الفتن والشرور الطائفية، وأصبحت المجتمعات العربية وكأنها تقف على حقول من الألغام التي يمكن أن تنفجر في أية لحظة بسبب التوترات الاجتماعية والاحتقان الطائفي والمذهبي الذي يتغذى من مصادرة داخلية ومصادر أخرى خارجية لم تعد نواياها وأطماعها التوسعية خافية على أحد ؟؟؟
من هنا فإن دعوتنا للقراءة العميقة والنقدية لكل الأحداث والتطورات الدولية والإقليمية من قبل قادة النظام العربي الرسمي تنطلق من الرغبة في تصحيح الأوضاع العربية القائمة، وأن تقوم الأقطار العربية بأخذ زمام المبادرة وتقدم على خطوات تكفر بها عن بعض أخطائها بحق الأمة العربية عامة وفي حق العراق بشكل خاص، بالإضافة إلى أهمية بناء علاقات قوية مع القوى الدولية الصاعدة في النظام العالمي وهي مسألة أساسية في ظل المتغيرات العالمية، فهناك أيضاً خطوة محورية مطلوب من الأقطار العربية سرعة اتخاذها وهي " إرجاع العراق " إلى " حضن أمته العربية "، وتخليصه من الاحتلال من كل القوى الإجرامية التي تسلطت عليه بدعم من المحتل الأمريكي. فتحرير العراق واستعادة نظامه الوطني والقومي المستقل وقطع دابر المخاطر والفتن الطائفية والانفصالية القادمة من هذا البلد كلها أهداف هامة وضرورية يجب أن تكون في صدارة أي " مشروع عربي " أو أي خطط أو تحركات عربية في مواجهة المتغيرات الدولية والإقليمية. هذا الطريق وحده القادر على إنقاذ الأقطار العربية من المخاطر والمهالك المحقة بها، وليس عن طريق الدعوات لإنشاء " منظمات إقليمية " و " شرق أوسطية " تضم " العدو الصهيوني وإيران " بزعم حل مشاكلنا، فهذه الدعوات والمشاريع التي يراد بها طمس هويتنا القومية وإدخال العدو الصهيوني في نسيج هذه المنطقة عنوة وبالتطبيع معه هكذا بالمجان، هذه الدعوات هي التي أدت إلى كل هذا الدمار الذي تعاني منه أمتنا العربية وأقطارها ؟؟؟
فالعراق هو حاضرة الأمة العربية الإسلامية، وهو عمقها الحضاري والتاريخي، وهو يتعرض اليوم إلى " اجتثاث " حقيقي، ويجري تمزيقه أشلاء وحصص تحت أسماع وأبصار الأقطار العربي دون أن تحرك ساكناً ؟؟؟ ويتم وضعه في " بازار " " المساومات " و " الصفقات " بين الدول المحتلة له، وتفرض عليه " اتفاقيات " مذلة تسلبه السيادة وتسرق ثرواته لمئات السنين، والأقطار العربية للأسف عاجزة بل مشلولة لا تعرف سوى الخضوع للإملاءات والضغوط الأمريكية وتنفيذ رغباتها " لتبيض " صفحات الاحتلال وإضفاء الشرعية عليه وعلى الزمر العميلة له عبر " الزيارات " والوعود بفتح " السفارات " في هذا البلد المنكوب. وكون غزو العراق واحتلاله كان جزءً أساسياً وخطوة تمهيدية لنشر الفتن والاضطرابات في عموم الأقطار العربية وفق مخطط وإستراتيجية المحتل الأمريكي والعدو الصهيوني ( مشروع الشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقة ) ولكون قوى الاحتلال هذه سوف لن تخرج من العراق سوى عن طريق " القوة " فأنه ليس أمامنا من طريق لمساعدة العراق واسترجاعه سوى طريق دعم المقاومة العراقية. فهذه المقاومة الوطنية هي الأداة الوحيدة القادرة بتركيبتها الوطنية والقومية والإسلامية وبما تحمله من مشروع سيادي وطني ــ هي القادرة ــ على انجاز هدف التحرير. من هنا فإن الدعم المادي والمعنوي من أبناء الأمة العربية ــ أنظمة وجماهير ومنظمات وقوى سياسية ــ بات أمراً ضرورياً ومصيرياً. فقد أكدت أحداث السنوات الخمس الماضية وما قدمه الشعب العراقي ومقاومته الباسلة خلالها من تضحيات جسام أن مفتاح وضمانة تحرير الأمة العربية وحفظ هويتها ووجودها تكمن في انتصار المقاومة العراقية، لذلك علينا رفع الحصار الإعلامي المضروب حولها والاعتراف بشرعيتها، وتقديم كل أنواع الدعم لها، ورفض التعامل مع " الزمر " العميلة للمحتل الأمريكي التي تنهش اليوم في جسد العراق والعراقيين، وتعث فيه فساداً وتدميراً.
وبغير ذلك فإن هذه الأمة ينتظرها مصيراً أسوداً، وعبودية لم يسبق لها مثل في التاريخ، فهل نستوعب الدروس ونقرأ الأحداث والمتغيرات بعيون المصلحة القومية ؟؟؟
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.