يعقوب سيادي
نرى إن الجمعيات السياسية والمدنية، والشخصيات الفاعلة في المجتمع، بما في ذلك أعضاء المؤسسات التشريعية والقضائية، ناهيك عن المؤسسة الحكومية، في تفاعل صراعي أو اختلافي، وذاك منعكس في الحراكات والأداءات السياسية والمدنية، والجوانب القانونية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية، بما يفرز المجتمع محلياً إلى المعارضة والموالاة، لنظام الحكم ومؤسساته، لينعكس ذلك الميل، عن أو إلى نظام الحكم، في نسج العلاقة المواطنية، بمعيار مَن ضدنا فهو ليس منا.
ومن حيث أن نظام الحكم ومؤسساته، ماسكين بكل الأدوات والوسائل الإجرائية، والإمكانيات المادية، الخاصة بالعقاب والثواب، في مقابل أن المعهود عن المعارضة، حتى في أحلك عنفوانها، وهذا طبيعي لمن مبتغاه الوطن، وليس المنفعة الشخصية أو الفئوية، معهودها عدم الإضرار بمن ضرّها من النظام في حال وعد بعدم العود لمثلها، وبمن ضرها من الموالاة، في حال استقام للعدالة والمساواة، بل إن نهج المعارضة هو التسامح والعفو عن الجميع، مقابل أن تسود العدالة والمساواة بين المواطنين، فيربح الجميع وليس هناك من خاسر.
معادلة الحماية والإفادة الآنية من السلطات لمواليها، مهما ضؤلت، ماداموا هم الأقوى، وضمان التسامح من قبل المعارضة، في احتمالات المستقبل، خلقت فئةً من البشر، جل اهتمامها الربح الآني، بالكسب من السلطات ومواليها، لقاء التهليل بما لا يعرفون، وحسب الطلب، فينالوا المكافآت الفورية، وليس عليهم من حسابٍ آجل، الأمر الذي أدى إلى تقسيم المواطنين عدا المعارضة، إلى موالين، بعضهم مستفيد من رضا النظام بحظوته، وبعضهم مستفيد من رضا النظام أجراً لمناكفتهم المعارضة، وبعضهم موالون مدفوعو الأجر حسب الطلب، وإلى غالبية صامتين.
هذه المجموعات البشرية الموالية، جعلها النظام رهن إشارته، وبما أوصل المجتمع إلى الفرز الطائفي، إسناداً لما يتمتع به الموالون من أثرة في التمييز والمحاباة، باتوا يخشون من أي تغيير بالتطوير والانتقال إلى العدالة والمساواة، تنادي به المعارضة، حتى لو كان لصالح جميع المواطنين، وبما يشملهم.
ومن هذه المطالبات وقف سياسة التجنيس السياسي وخارج القانون، والبدء في معالجة أضرارها بما يحفظ للمجنسين حقوقهم، هذه السياسة التي اتبعها النظام منذ ما قبل العام 2000 إلى اليوم، لتغيير التركيبة السكانية، تنفيذاً لفكرة الحماية المغلوطة للنظام، الذي عمد إلى الركون إلى الفئات الجديدة في أهم مؤسسات النظام، وقدّم لهؤلاء المجنسين خارج القانون، لقاء ما يضمن منهم الولاء والإمتثال للأوامر، الجزء الأكبر مما أفقره المواطنين من الطائفتين والمتجنسين حسب القانون، كلهم سيان، وقلص حصة جميعهم في الخدمات الأساسية، الصحية والتعليمية والسكنية والعمل، واستخدامات البنى التحتية، وتعقيد الإجراءات والإطالة من وقت تلقي الخدمات، ومثالها فترة الإنتظار للخدمة الإسكانية لفترة تزيد على العشرين عاماً، للمتزوج حديثاً، ليجد نفسه حين يرحمه الله ببيت من الإسكان، أن لديه ما يَسّر له الله من الأولاد وربما الأحفاد، ليأتيه بيت الإسكان، ليضيق عليه حاله من جديد، من بعد استهلاك إمكانياته المادية التي صرف جزأها الأكبر في توفير السكن لعائلته خلال عشرين عاماً مضت.
والمجنّس خارج القانون، أو الموعود بذلك، لا يضمن استمرار حاله، كونه تم جلبه لأداء وظيفة بعينها، وتحتاج ضمان تأديتها، فلابد وأنه ارتبط بنوع من العقد أو التعهد، بما يجعل من السهل سحب جنسيته في أي وقت، ويعلم أنه أيضاً ليس برخيص على النظام، فقد وفّر له وعلى الفور، الجنسية والسكن والوظيفة والرعاية الصحية، ولأولاده التعليم والوظيفة المستقبلية، إذن فلينهل ما استطاع من خيرات البلد، فله السجلات التجارية ولزوجه وأولاده عند البلوغ، وعن كل سجل تجاري، حد أدنى عدد خمس تأشيرات لعمالة أجنبية، يبيع الواحدة لقاء مبلغ يتراوح بين 1000-1800 دينار، عن كل سنتين، ومثلها حال التجديد أو التحويل المحلي ليستبدله بآخر… وهكذا، ثم يستخدم بعض التأشيرات لجلب أقاربه، ليسعى لهم فيما نال، وبعض من معارفه يبيع لهم أمل الحصول على الجنسية.
إضافة إلى أن المواطن، حين يقصد مركزاً صحياً للعلاج، أو حديقة للترفيه العائلي، فإنه يجهد، سواء بطول الانتظار في المركز الصحي، أو بطول سيره بحثاً عن أرجوحة أو لعبة يجدها غير محجوزة، ولربما عطف راجعاً دون الاستفادة. هذا على الصعيد المباشر للأفراد من المواطنين والمتجنسين حسب القانون، أما على مستوى إهدار موارد الدولة، فدليلها ارتفاع سقف الدين في ظلّ تردي الخدمات.
وسياسة التجنيس خارج القانون، لا تختار الضر بهذا أو ذاك، فهي أعدل في الضر بجميع المواطنين دون تمييز، فهل فرقتنا الطائفية المذهبية وسياسيات التمييز، لنغفل عن سياسة التجنيس، التي أضرتنا وستضرنا جميعاً أكثر وأكثر، لنجد أنفسنا جميعاً مواطنين من الدرجة الدنيا، ويحكمنا قومٌ كما في دولة المماليك.