قاسم حسين
شهد مبنى الجنسية والجوازات الأحد الماضي، محاولة اقتحام أعدادٍ كبيرةٍ من الرجال والنساء من جنسيات مختلفة، فاضطر رجال الأمن إلى إغلاق المبنى.
ونقل شهود عيان أنه جرت مشادات بين رجال الأمن وهذه المجاميع الذين أكّدوا تلقيهم اتصالات من بعض الجهات، تطلب منهم الحضور لمبنى الجوازات لاستكمال إجراءات الحصول على الجنسية البحرينية! فمجرد الاتصال بهم من جهات مجهولة يمنحهم الحقّ التلقائي بالمطالبة بالجنسية!
الخبر المنشور في الصحافة، يصلح لفيلم كوميدي، بعد أن أصبحت الجنسية البحرينية موضوعاً يتندر به القريب والبعيد، فليس هناك بلدٌ في العالم يتوسّل الآخرين لمنحهم جنسيته. وأكثر من يسخرون من ذلك أشقاؤنا الخليجيون.
القوى السياسية الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني وعامة الشعب، أعلن موقفه الرافض لهذه السياسة منذ تدشينها قبل سنوات، فهي تفريطٌ بمستقبل الوطن وأجياله، وتلاعب بالهوية الوطنية. وقد كتب الكثيرون من الزملاء الغيارى معارضين هذه السياسة المدمّرة. وانتقدنا منذ وقتٍ مبكرٍ محذّرين من عواقبها الوخيمة، على قطاعات التعليم والصحة والخدمات العامة، فضلاً على البنية التحتية من شوارع ومجارٍ وطرقات. وقد بدأت الآن الصورة تتضح للأعمى قبل البصير.
شئون الجنسية والجوازات أرسلت رداً إنشائياً على استفسار «الوسط» عن محاولة الاقتحام الأخيرة، بأنها «مرفق خدمات، يضم 5 إدارات تقدم خدماتها المتعددة من الفترة الصباحية إلى المسائية… عادةً ما تشهد بداية الأسبوع ونهايته، ذروة وكثافة في حركة المراجعين»! وبرّرت إغلاق البوابة يوم الأحد بأنه كان «إجراءً وقائياً، وتدبيراً احترازياً إدارياً لما يشهده المبنى من تطوير وتحديث»! وهو جواب من يسألك عن السمك فتجيبه أن التدخين مضرٌ بالبلاعيم!
تكملة الرد أكثر طرافة، فقد اكتشفنا أن «هدف الإجراءات التي تم اتخاذها (إغلاق المبنى بوجه المقتحمين)، هو توفير الخدمات للمواطن والمقيم بأعلى درجةٍ من الكفاءة والإنجاز»! فهو يدلّ على نوعية الردود العقيمة التي ترسلها بعض أقسام العلاقات العامة بالوزارات إلى الصحف! ردود (أيّ كلام)، وليس فيها أي مراعاة للعقل أو الاحترام للرأي العام.
التجنيس قضية كبرى تهدّد مستقبل الوطن بأسره، وليس موضوعاً للردود الإنشائية الباردة. موضوع التجنيس كارثة سياسية واجتماعية واقتصادية تنتظرنا جميعاً. موضوع التجنيس طامةٌ كبرى ستؤدي إلى غرق المركب بمن حمل وما حمل! ولسنا في وارد السخرية وتبادل النكات. نتكلّم عن التجنيس باعتباره كارثةً وطنيةً، وعلى الغافي أن يصحو وعلى النائم أن يستيقظ قبل فوات الأوان.
خلال هذا الأسبوع راجعت مبنى الجنسية ثلاث مرات لإنهاء معاملة، ورأيت مراجعين من جنسيات أخرى، عرباً وآسيويين، يحملون أوراقهم، للحصول على الجنسية البحرينية، والمؤكد أن أغلبتهم العظمى ليسوا ممن قدّم خدمات جليلة للبحرين لكي يُمنَحوا الجواز؛ أو قضوا 15 أو 25 عاماً كما ينصّ القانون. لقد زاد الماء على الطحين، وينبغي أن لا تدفعنا خلافاتنا السياسية إلى الإمعان في سياسة «عليّ وعلى أعدائي»، بخرق السفينة لنغرق أهلها جميعاً.
التجنيس سياسةٌ خاطئةٌ من البداية، والإصرار عليها تفريط بمستقبل البلد، فليس هناك بلدٌ في العالم يجنّس بهذه الطريقة على الإطلاق، حتى الدول ذات المساحات الضخمة والسكان القلائل: كندا واستراليا، فكيف بنا ونحن جزيرة صغيرة أصبحت تضيق بأهلها وتشكو ضعف مواردها فيقدّم لها جيرانها المساعدات.
لا تنتظروا حتى يختنق اقتصاد البلد وتغرق السفينة بمن فيها وتعلن الدولة الإفلاس.