اختتمت الدورة الطارئة للمؤتمر العربي العام لدعم الثورات الشعبية العربية أعمالها بمناقشة مشروع بيان ختامي قدّمه السيد معن بشور رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن وإقراره تعديلات عليه، فيما وجه المشاركون في المؤتمر سلسلة رسائل إلى أبناء الثورة الشعبية في أقطار عربية
عدة تلاها مقرر المؤتمر وعضو الأمانة العامة في المؤتمر القومي العربي وفي مؤتمر الأحزاب العربية الأستاذ عبد الإله المنصوري (المغرب).
ومما يذكر أن 350 شخصية عربية من مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب واليمن والبحرين والكويت والسعودية والسودان والعراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان بينهم رؤساء حكومة ووزراء سابقون ونواب حاليون وسابقون ورؤساء وممثلي أحزاب ونقابات وهيئات روحية ومدنية بالإضافة إلى عدد من شباب الثورة من مصر وتونس ممن قدموا شهادات عن الثورة في بلادهم.
وفيما يلي نص البيان الختامي:
في جو من الاستبشار والاعتزاز بالثورة الشعبية العربية الكبرى من مغرب الوطن الكبير إلى مشرقه مروراً بقلب الأمة النابض في مصر العروبة، وفي جو من الوفاء لشهداء الثورة البررة ولجرحاها وللمعتقلين من أبنائها، وفي بيروت حاملة راية النهوض والعروبة والمقاومة على مدى العقود، وبمبادرة من المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي – الإسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية، انعقدت الدورة الطارئة الخامسة للمؤتمر العربي العام المخصصة لنصرة الثورة الشعبية العربية، وبحضور 350 شخصية عربية من مختلف الأقطار والأجيال والتيارات الفاعلة في الأمة الملتزمة بمشروع نهوضها الحضاري.
وبعد الاستماع إلى كلمات المؤتمرات الثلاث والمقاومات الثلاث (لبنان، فلسطين، العراق)، ومداخلات المشاركين في المؤتمر، وبعد سماع شهادات المشاركين الثوار من أهل الميادين والساحات في أقطار الأمة المنتفضة على أنظمة الفساد والاستبداد والتبعية، أكد المؤتمر على ما يأتي:
1 . إن التزامن في المواعيد والتلازم في الأهداف والشعارات بين ثورة الأمة في العديد من أقطارها قد أكد على وحدة أمتنا العربية، وعلى وحدة جماهيرها في معاناتها وتطلعاتها، في ألآمها وآمالها، في مصائرها ومصالحها، في أحاسيسها وتطلعاتها، كما أكد بزوغ فجر تحرير الإرادة الشعبية العربية من أنظمة فاسدة مستبدة متورطة في التآمر على الأمة ومقاومتها في غير قطر عربي.
2 . لقد أكدت الثورة الشعبية العربية على إن الشعوب قادرة على تغيير أنظمتها مهما اشتد بطش هذه الأنظمة وقهرها وقمعها ودون الاستعانة بأي تدخل أجنبي أو احتلال استعماري، تماماً كما أكدت هذه الثورة رفضها أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية وتحت أي ذريعة كانت، وبالتالي فقد أسقطت هذه الثورة كل القوى والتنظيرات التي استعانت، أو تستعين بدبابات الاحتلال على أوطانها وشعوبها.
3 . إن الانتصارات التي تحققها ثورتنا الشعبية في أكثر من بلد عربي، لاسيّما في تونس ملهمة الثورة الشعبية والتي كسرت حاجز الخوف من القمع والإرهاب، ومصر قاعدتها ومركز إشعاعها، وليبيا التي تخوض ملحمتها الدامية على طريق النصر، وكل قطر عربي آخر ما زال يخوض غمار ثورته، هي ثمرة التلاقي الفعال بين تراكم تاريخي لنضالات الجماهير وتضحياتها على مدى عقود، وبين روح العصر ومبادراته المتصلة بهمة الشباب وتواصلهم مع أبناء وطنهم من جهة، وبين التغيرات الملموسة في موازين القوى الإقليمية والدولية التي أسهمت في تحقيقها حركة المقاومة العربية والإسلامية من فلسطين ولبنان والعراق.
4 . لم تسقط ثورتنا الشعبية العربية طغاة وأنظمة مستبدة فحسب، بل أسقطت معها تنظيرات وتحليلات وأفكار اجتمعت على التشكيك بقدرات الشعوب، وبهوية الأمة وعقيدتها، وبدور الشباب وسلامة رؤاهم وشدة عزائمهم، وبالتالي فلقد أسقطت هذه الثورة مشروع الشرق الأوسط الصهيوني الاستعماري لتؤسس لولادة مشروع عربي مستقل يتكامل مع مشاريع الأمم المجاورة ويتكافأ ويتفاعل معها على طريق بناء شرق أوسط جديد خال من النفوذ الاستعماري والوجود الصهيوني.
5 . إن ثورتنا الشعبية العربية المستمرة التي تمكنت من إسقاط أعتى طغاة العصر هي بالتأكيد قادرة بوعي أبنائها وشبابها وحكمتهم ويقظتهم وعزيمتهم على إسقاط كل محاولات الالتفاف المتعددة عليها. سواء من الداخل أو من الخارج، والتأكيد على أنها ثورة الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مثلما هي ثورة تحرر واستقلال، وعلى أن أمن الأقطار الوطني هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي للأمة، وأن جوهر العدالة هو اقتصاد وطني وقومي منتج مستقل، وأن طريق التنمية هو طريق التكامل الاقتصادي العربي.
وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة استمرار التعاون والتكامل بين تيارات الأمة الرئيسية في المراحل القادمة لأن الاتفاق على إسقاط الأنظمة أسهل بكثير من الاتفاق على بناء أنظمة جديدة وهو يتطلب المزيد من التشاور والتحاور والتفاعل بين كل قوى الأمة.
6 . لقد التقى في هذه الثورة الحافز الاجتماعي والاقتصادي والديمقراطي مع الحافز الوطني والقومي والإنساني. فتلاقى في ساحات هذه الثورة المجتمع بكل تياراته ومكوناته الاجتماعية، مستنداً إلى كتلة تاريخية كبرى طالما سعينا في مؤتمراتنا إلى تشكيلها من تيارات الأمة الرئيسية وأجيالها المتعددة، ومطلقاً حالة ثورية ترقى إلى مستوى النهضة الشاملة الجامعة بين أصالة التراث وعمق الإيمان وبين آفاق العصر وروح الحداثة، ولقد تبدى هذا المستوى الحضاري في سلمية الثورة الشعبية في تونس ومصر، وما العنف المفروض على الثورة الليبية إلاّ من صنع النظام في الشعب، لقد أطلقت هذه الثورة، لقد أطلقت هذه الثورة كل ما هو خيّرٌ وبناّء في أبنائها، وحفّزت فيهم جميلُ الإبداع والأخلاق مع شعورهم بأنهم استعادوا بلادهم.
7 . وإذا كانت هذه الثورة الشعبية تهدف إلى التغير الجذري في الواقع الرسمي العربي وصولاً إلى إسقاط أنظمة مستبدة وفاسدة ومتآمرة على الحقوق الإنسانية والكرامة الوطنية، فهي أيضاً دعوة للمراجعة الشاملة على صعيد الواقع الشعبي العربي بمؤسساته وهياكله الحزبية والنقابية والجمعوية وبخطابه ووسائل عمله للتحرر من شوائب الترهل والتآكل والتكلس العالقة بها، كما إنها دعوة لإعادة الأولوية للمشاريع والبرامج والمصالح العليا وإعلائها على الحسابات الذاتية والضيقة والمدمرة، كما أنها دعوة لمواجهة مخططات الفتنة والتفتيت والمصطلحات الوافدة مع الغزو الثقافي الاستعماري – الصهيوني.
8 . لقد جدد شباب الثورة الشعبية العربية الجديدة الدور التاريخي لشباب المقاومة الأبطال في فلسطين والعراق ولبنان الذين سطروا، وما يزالوا أروع ملاحم البطولة رغم كل محاولات التضليل والتعتيم، كما أكدوا على أهمية التواصل بين الأجيال والأفكار والأقطار، لا كمسألة تقنية فحسب، بل كفكر ونهج وأسلوب في التعامل مع الآخر.
لقد أثبت هؤلاء الشباب أن الشعوب لا تتعب حتى لو تعبت بعض القيادات والحركات أو شاخت بعض الوسائل والآليات.
لقد عزز شبابنا من ثقة أمتهم بهم وبقدرتهم على اختيار أساليبهم وتكتيكاتهم وبرامجهم، وأكدوا أنهم بالتعاون مع الشرفاء من أهل التجربة والخبرة والحكمة، أنهم أهل الثورة وهم أدرى بشعابها وأن مهمة الأمة تبقى في دعمهم ومساندتهم حتى تنتصر ثورتهم.
9 . إن حجم الإجرام والإرهاب الذي تمارسه الأنظمة المتسلطة بحق شعوبها، لاسيّما جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام المتسلط على ليبيا، وجرائم الشرطة العلنية والسرية، لم يكشف الطبيعة الدموية لهذه الأنظمة فحسب، ولا حجم معاناة المواطنين المحرومين من أبسط حقوقهم وحرياتهم الخاصة والعامة فحسب، بل كشف كذلك عن حجم تواطؤ المجتمع الدولي بقيادة الدول الغربية مع هذه الأنظمة، وبالتالي فهذا المجتمع بقيادته الأمريكية – والصهيونية لم يكن يوماً مؤهلاً للتعامل مع قضايا أمتنا والعالم بشفافية ومصداقية مما يتطلب قيام جبهة عالمية من الشعوب الثائرة لقيادة تغيير عميق في الوضع الدولي كما يتطلب قيام محاكم شعبية عالمية لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في بلادنا وعلى المستوى العالمي.
ومن هنا فإننا نؤكد على رفض التدخل الأجنبي في ليبيا وإذا أراد العالم عبر مجلس أمنه مساعدة الشعب الليبي فليكن ذلك من خلال الاعتراف بالمجلس الوطني المؤقت الذي شكلته قوى الثورة ليتمكن من السيطرة على موارد الدولة.
وفي إطار الدفاع عن الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان أيضاً، فإن المؤتمر يدعو إلى الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في كل السجون العربية باعتبار أن هذا الإفراج هو الخطوة الأولى على طريق التغيير والإصلاح الديمقراطي.
10 . إن المؤتمر إذ يحيّي بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ومعها بعض المواقع الإلكترونية والإعلام البديل التي تعاملت مع هذه الثورة الشعبية بشكل مهني وشفاف وملتزم بالحقيقة، فإنه يدعو إلى رفع كل القيود التي تضعها الأنظمة العربية على الإعلام بشتى مجالاته ومستوياتها خصوصاً بعد أن بات واضحاً أن هذه الأنظمة تستطيع أن تخفي كل الحقيقة بعض الوقت، وأن تخفي بعض الحقيقة كل الوقت، لكنها لن تستطيع أن تخفي كل الحقيقة كل الوقت.
11 . لقد وضعت الثورة الشعبية الأنظمة العربية أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الإصلاح والتغيير العميق وإما الرحيل المذّل، كما أن هذه الثورة تشكل دعوة لكل قوى التغيير في الأمة، لاسيّما قوى الشباب منها، إلى عقد ملتقى عربي واسع للشباب يهدف لتبادل الخبرات، ولصياغة إستراتيجية شاملة للتغيير، وللربط العميق بين هذه القوى وبين مشاريع التغيير على المستوى العربي الأوسع، وأن تجري تحليلاً عميقاً لكل ما جرى ويجري في ضوء تنمية سلاح المعرفة والوعي في الأمة كسلاحين بالغيّ الفعالية في مواجهة العدو.
وفي هذا الإطار فإن المؤتمر سيوجه جملة رسائل إلى أهل هذه الثورة في أقطارها تحيّي صمودهم وتضحياتهم وتؤكد على ترابط ثورة التغيير بثورة التحرير والتوحيد في الأمة.
12 . إن مهمة إسقاط أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية لا تنفصل أبداً عن مهمة تحرير أرضنا المحتلة، لاسيّما في فلسطين والعراق والجولان ولبنان، وبالتالي فهي لا تنفصل أبداً عن مهمة الالتزام بالمقاومة كخيار ونهج وسلاح في مواجهة الأعداء وبالتالي عن مهمة إسقاط التسوية المذلّة مع العدو بكل عناوينها وتسمياتها ورموزها خصوصاً أن تلك التسويات هي وليدة هذه الأنظمة المتساقطة ومنطقها وإذعانها لشروط الأعداء وإملاءاتهم.
– فكل التحية إلى شهداء الثورة الشعبية العربية وأبطالها وشهداء المقاومة العربية وأبطالها في كل الميادين والساحات والأقطار.
وإنها لثورة حتى التغيير والتحرير والنصر
بيروت، 27 شباط/فبراير 2011
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.