منصور الجمري
.البعض يعتقد أن حسم الأمور عبر القوة هو الحل الأمثل، وأن تحقيق انتصار «القوة» يتطلب استخدام كل ما يتوافر من قوانين وقرارات وإمكانات وإجراءات وممارسات تتوافر لمن بيده السلطة لـ «إضعاف الآخر» وتحويله إلى كم مهمل. هذا النهج يؤمن بأن «البقاء للأقوى»، كما تحدث عن ذلك «تشارلز داروين» عندما درس سلوك بعض الحيوانات (وليس كلها). ولكن هذا النهج ربما يصلح للغابة فقط، حيث يأكل القوي الضعيف، وحيث تختفي معالم الحضارة والمدنية، وحيث يكون القوي همجياً وترتفع قيمته بمقدار استطاعته القضاء على الآخرين.
خارج الغابة، وأينما وُجدت حضارة ونمو ورخاء، فإن البقاء ليس للأقوى، وإنما للأصلح… ولذا فإن أي مجتمع متحضر يضع الضوابط التي تمنع تحول العملية السياسية الإنسانية إلى عملية حيوانية «داروينية» حيث يشعر كل طرف بأن وجوده في الحياة يتطلب القضاء على وجود الآخر.
وفي وقتنا الحاضر، فقد تجد حراكاً سياسياً متشابهاً في بلدين، وتجد أن الحراك في البلد الذي يستوعب النهج الحضاري ينظر إلى ما يجري بصورة طبيعية من أجل تحقيق مطالب حقوقية مثلاً، أو أهداف سياسية مشروعة تتواجد في أي مجتمع إنساني. الحراك ذاته ينظر إليه بشكل مختلف في بلد آخر، إذ يتحول الحراك إلى شكل من أشكال «الصراع الوجودي» يهدف إلى تحقيق انتصار طرف وانتهاء وجود طرف آخر.
كما وتسمع حالياً من البعض أن ما يحدث في البحرين «يختلف» عن ما يحدث في بلد آخر ليس بعيداً عنا، وتسمع ممن يؤمن بهذا الطرح كلاماً يصلح للغابة أكثر مما يصلح إلى مجتمع يعيش فيه بشر. وعلى أساس هذا الطرح، فإن كثيراً مما نرى لا يخرج عن المناورات «البدائية» التي تعتمد على «تخويف» فئة من أخرى.
من المؤسف حقاً أن نسمع ونقرأ تصريحات لبعض من أخضعوا أنفسهم لهذا النمط من التفكير غير الخلاق، وهؤلاء تجدهم يتفننون في معارضة أي شيء يصدر عن الطرف الذي يودّون إنهاء وجوده، وحتى لو كان ذلك في مصلحتهم. إننا نأمل أن يلتفت هؤلاء بأن البقاء ليس للأقوى، وإنما للأصلح الذي يسعى لإعمار الأرض وإقامة القسط بين الناس.