صلاح المختار
تلقى الرفيق صلاح المختار رسالة من شخص مجهول الهوية يحمل اسما مستعارا تتضمن دعوة للحوار حول مسيرة الحزب ويقول فيها انه يمثل مجموعة من البعثيين غير المرتبطين بالحزب والمقيمين في اوربا، وفيما يلي رده على تلك المبادرة :
الاخ الفاضل الذي استخدم اسم دكتور (….) تحياتي
مادمتم ارسلتم لي البيان فمن حقي ان اقول رايي بكل صراحة دون ان يعني ذلك التشكيك باحد، فكما ان لكم الحق بما تقولون فلي الحق بالتعليق عليه :
1- علمتنا تجارب اكثر من اربعة عقود من المشاكل داخل الحزب بان ثمة هدف غير مرئي وقت طرح المشكلة ولكنه يكتشف لاحقا وبعد فوات الاوان، فكل اشكال الخروج على الشرعية الحزبية، الممثلة حصرا بالتنظيم المناضل، شكلت موقفا اضر بالحزب بدرجات مختلفة، وبغض النظر عن صواب الطرح او خطأه، لذلك فان طرح مبادرة كمبادرتكم تثير الشكوك بالدافع الحقيقي لها وهل هو دعم الحزب ام استقطاب عناصر منه في اطارات معينة قد تكون معادية له ومتأمرة عليه وباسمه كما فعل العديد من المتامرين خلال اكثر من اربعة عقود مريرة؟
2- الحق الاول والاهم، وليس الحق الوحيد، في مناقشة قضايا الحزب هو لمن يعمل ويناضل ويتحمل نتائج نضاله وليس لمن يراقب من بعيد حتى لو كان بعثيا عتيقا ومخلصا، فلا اسهل من المراقبة وليس ثمة اصعب من المشاركة في النضال. المشروعية الحزبية في هذه المرحلة، بالاضافة لضوابطها المعروفة، ترتبط ايضا بالقدرة على التضحية من اجل البعث والامة والجماهير وليس التخفي حتى على من نريد التحاور معهم من البعثيين.
3 – لا يفهم مشاكل الحزب بصورة صحيحة الا من يعمل فيه وهذه بديهية يعرفها كل انسان في كل مجال حتى الشركات العادية، فما الذي يجعلكم خارج الحزب الان وهو بحاجة لمناضلين الان اثناء قيادته اشرف معارك الامة واخطرها على الاطلاق وهي معركة تحرير الارض والشعب؟
4- اخطر ما فيكم هو انكم شبح غير معروف وهذا الحال يفتح كل الابواب للشك المشروع والمطلوب في هويتكم، فالمناضل لا يخشى من احد وصاحب الراي مستعد للتضحية بكل شيء من اجل رايه، ولذلك يؤسفني القول ان مبادرتكم ينقصها اهم عنصر وهو المواجهة الشجاعة كرجال راي ومبادئ بأسم ووجه معروفين لكي نتمكن من متابعة الحوار ونحن مطمئنون وبلا شكوك تحرمنا من عفوية النقاش، فحالما يدخل الشك يهرب الحوار الحقيقي ويستحيل، وانا شخصيا تعلمت درسا جديدا في السنوات الثمانية الاخيرة من عمر احتلال العراق يقول بان من ارادوا التامر على الحزب وتنفيذ الاجتثاث كان بعضهم يتظاهر بانه بعثي مخلص اكثر مني ومن البعثيين الحقيقيين ولكننا اكتشفنا ان بعضهم كانوا جواسيس للمالكي مثل من ادعى انه من تنظيمات جنوب العراق مؤخرا.
5- والقضية التي تثيرونها تشكل نفيا واضحا لاعظم ما ارتبط بالحزب وهو المقاومة المسلحة للاحتلال، فلولا هذه المقاومة لاندثر الحزب او على الاقل لتراجع لعدة عقود، لكن المقاومة اعادت للحزب وجهه الحقيقي وازالت الكثير من البقع عنه، ولذلك فان الاف الناس من غير البعثيين ابدوا دعمهم للحزب، والان تأتي المبادرة لتقول بالقلم العريض ان الحزب الذي يقود المقاومة ليس على ما يرام وان هناك من يستطيع تصحيح حاله وهو جالس في اوربا كما قلت في رسالتك! هل هذا هو الانصاف والموضوعية؟ كل الشعوب تحترم من يسفح دمه من اجل قضية الا نحن فنحن نبدأ بتحطيم كل ظاهرة طاهرة بايدينا ونتسابق مع العدو الرسمي في الوصول الى هذه النتيجة! والقاء ظلال الشك على مسيرة الحزب الان بدليل الدعوة للحوار حولها هو محاولة واضحة لتحطيم صورته العظيمة. فلصالح من التشكيك بكفاءة من يقود العمل النضالي الحالي داخل العراق سواء كانت هناك اخطاء ام لا؟ والاهم هل يستطيع شبح لا يجرؤ على الكشف عن وجهه اتهام من يقاتل ويضحي بانه يفهم وضع الحزب افضل منه؟
6- الثورات العربية، وهو اسم على غير مسمى، لم تعد سرا مغلقا فهي وطبقا لكل ما كشف عنه ليست سوى مخطط امريكي صهيوني واضح جدا، وهذا المخطط قام بخلاف المخططات القديمة على محاولة التماهي مع المطاليب العادلة للجماهير في الحرية والتخلص من الديكتاتوريات، وتلك خطوة بقدر ما هي خطيرة فانها ذكية لانها تستطيع استيعاب من يطمح لاسقاط الانظمة دون ايصال شكوكه الى مستوى الرفض، وبذلك تضمن استخدام وطنيين حقيقيين في تحقيق هدف امبريالي وصهيوني. وانا اقول لكم ايها السادة بان عدم استخلاص دروس السنة الماضية سيورث نتائج خطيرة على سمعة من مازال يتصور ان ما يجري هو ثورات عربية،الا ترون اين وصلت الانتفاضة الوطنية المصرية؟ هل استلم الحكم من انتفض ضد حسني مبارك وضحى ونزف؟ ام استلمها تيار ظلامي خطير مكلف بشرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية؟ وهل وصل ابطال الانتفاضة التونسية للحكم بعد اسقاط بن علي ام وصلها تحالف عملاء امريكا كالغنوشي وعملاء فرنسا كالمنصف المرزوقي؟ ويكفي الحزب فخرا انه اول من نبه لطبيعتها الزائفة كثورات، كما يكفيه فخرا انه لم يتحسس من وجود رفاق لنا تصوروا انها ثورات حقا، فتلك هي الف باء الديمقراطية واحترام الراي الاخر واعادة تأكيد الاهمية القصوى للديمقراطية داخل الحزب.
7- واخيرا وليس اخرا كل التكتلات التي واجهها الحزب في العقود الماضية بدأت بمثل طرحكم تماما، بالقول نحن لسنا سوى فريق حوار يبحث عن الافضل، ولكن النتيجة في النهاية كانت التامر على الحزب والخروج عليه، لان اي حوار حول مسيرة الحزب في المقاهي والمنتديات والشارع والانترنيت الان هو عملية نسف لوحدة الحزب وتخريب للانضباط فيه، والضبط والانضباط هما اهم مستلزمات النصر في الصراع الملحمي في العراق المحتل.
اذن اذا كنتم بعثيون حقا واذا كنتم تريدون تعزيز دور الحزب فعلا وصدقا فعليكم اولا وقبل كل شيء العودة للحزب، طبعا اذا كنتم بعثيين، والعمل داخله والتقيد بتقاليده الديمقراطية وتجنب التشكيك به عن طريق الاعلام خارج الحزب، وبدون ذلك لن يشفع لكم امتداح البعث او القول بانكم حريصون عليه. العمل النضالي فقط هو ما يمنحكم حق القول باننا بعثيون، وبالعمل داخل الحزب فقط تكتسبون الشرعية وحق نقد الحزب بحرية كاملة داخل التنظيم وليس عبر الانترنيت وبصيغة تثير الف شك وشك حولكم.
هذه ملاحظات سريعة، ارجو ان تكون نانفعة لنا جميعا وليس لكم فقط، اذا افترضنا اننا جميعا فعلا نريد للحزب ان يتقدم وتتعزز هويته ويتواصل دوره الطليعي في قيادة الجماهير في هذا الظرف المعقد والشائك وليس قبول كل ما يطرح بغض النظر عن معانيه ونتائجه البعيدة والقريبة، فالجماهير ليست كالقران الكريم مقدس ولا يمس بل هي كتل فيها التخلف وفيها العفوية والبشر من لحم ودم ويتعرض لمؤثرات سلبية كثيرة وهم خطاءون بالطبيعة الخاصة بهم، لذلك وجدت المغفرة ووجد العفو ووجد القانون لمعالجة اخطاء الناس، ووجد النقد والنقد الذاتي كطريقة لمعرفة الاخطاء وتحديدها عبر حوار حر. ان الحزب وكل تنظيم سياسي وجد من اجل قيادة الجماهير وتوعيتها وليس التحول الى نسخة منها، اما ان نسير خلف الجماهير ونقبل بكل ما يصدر عنها من عواطف او مواقف عقلانية فذلك هو النفي العملي لاي دور للطليعة، وهو بنفس الوقت خيانة لثقة الجماهير بطليعتها التي اختارتها ودعمتها من اجل ان تقودها الى بر الامان وليس الى حافات الموت والانتحار.
تقبلوا احتراماتي
صلاح المختار
23/1/2012
شبكة البصرة
الاثنين 29 صفر 1433 / 23 كانون الثاني 2012