سلمان سالم
لم يعد خافياً على أحد ما تمارسه وزارة التربية والتعليم من ضغط نفسي ومعنوي على المتفوقين والمتفوقات من أبناء هذا الوطن، والكل يعلم والوزارة تعلم قبل غيرها، أن سبب هذا التضييق الخانق على الطلبة والطالبات طائفي بامتياز. والتمييز في هذه الوزارة قديمٌ جديد، والأيدلوجية التي تتبعها في البعثات الدراسية وفي التعيينات والتوظيف والترقيات والمكافآت ثابتةٌ حتى لو تغيّرت الوجوه وتبدلت المواقع. فلو لم يكن ما تقوم به ممنهجاً ومصادقاً عليه، لكان هناك مساءلة لكل من خالف القانون وأصدر القرارات المجحفة والمتعسفة، ضد قطاع واسع من أبناء الوطن. ولكن غياب المساءلة القانونية أعطى هذه الوزارة اطمئناناً كبيراً بأنها لن تحاسب من أية جهة.
الكل يعرف أيدلوجية التيارات السياسية المتنافسة التي تمسك بزمام الأمور في الوزارة، على الرغم من اختلافها في المعتقد الأيدلوجي، إلا أنها تتوافق في تسييس التعليم وممارسة التمييز الطائفي المقيت. ولا يستطيع أحد أن يقول أنه لا يعلم بممارساتها الطائفية، فالكل يعلم اليوم أن هذه التيارات تتنافس على مصالحها الحزبية الضيقة داخل أروقة الوزارة، والتلاعب بمستقبل الطلبة والطالبات الذين حققوا معدلات تراكمية متقدمة ليس في مصلحة الوطن، ومن ادّعى خلاف ذلك فإنه يقف ضد عقله.
هؤلاء الأبناء الذين عبّروا عن عشقهم لوطنهم بتفوقهم وتميّزهم تعليمياً وأكاديمياً، لا يستحقون من الوزارة التنكيل بهم ومعاقبتهم نفسياً ومعنوياً وتعليمياً. وهم قد ظنّوا أن وزارة التربية تعشق وطنهم مثلهم، ولكن ما لمسوه منها أدهشهم كثيراً، من خلال ابتكارها أساليب بعيدة كل البعد عن التربية، لتبعدهم عن استحقاقاتهم في البعثات الدراسية بطريقةٍ تخالف ميثاق العمل الوطني والدستور وجميع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ويشهد الجميع أنها اكتسبت خبرةً واسعةً في التمييز بين منتسبيها وطلابها، وفي توزيع البعثات والتضييق على خريجي الثانوية العامة وعلى طلبة الدراسات العليا، من ماجستير ودكتوارة، وحتى لا يقال عنها أنها حرمت الطلبة الحاصلين على معدلات تراكمية تتراوح ما بين 95 و99 في المئة من بعثاتهم الدراسية، قامت بتنفيذ فكرة المقابلات الشخصية لتحقيق هدفها، من خلال اقتطاع 40 في المئة للمقابلة الشخصية من معدلات الطالب التراكمية، لتجعل منها مساحةً واسعةً للتلاعب في مستقبله.
لن نتحدّث عن كل الأسئلة التي تطرح في المقابلات الشخصية التي ليس لها صلة بالأهداف التربوية، وبعضها أسئلة طائفية في حدها الأعلى، وإنما سنذكر سؤالاً واحداً طرحته الوزارة على طالبة حاصلة على معدل تراكمي 99 في المئة، فبعد أن كتبت رغبتها الأولى دراسة الطب البشري قالت لها (ليش في عائلتك كله أطباء)! وقس على هذا النوع من الأسئلة. فهذه عبارة واضحة أنها ستتلاعب من خلال نسبة الـ 40 في المئة حتى يتم إبعاد هذه الطالبة عن تحقيق رغبتها في دراسة الطب البشري. هي لن تحرمها من البعثة الدراسية ولكنها ستحرمها من تحقيق طموحها، وستختار لها رغبة بعيدة عن رغباتها المتقدمة. وفي الإعلام تصرح أنها لم تحرم أي طالب متفوق من الحصول على حقه في البعثة الدراسية، ولم تبيّن النصف الآخر من الصورة، بحرمانه عمداً من تحقيق رغبته الأولى التي يستحقها بجدارة بفضل معدله التركمي المتقدم.
لقد باتت خطوات الوزارة في توزيع البعثات الدراسية بحسابات طائفية، معروفة في أوساط المجتمع، حيث تبدأ بإلزام الطالب على كتابة مجموعة كبيرة من الرغبات قد تصل إلى أكثر من عشر رغبات، ثم تدخله في المقابلة الشخصية لتقوم بإعطائه نسبة قد لا تحرمه من البعثة، ولكنها تحقق له رغبة متأخرة أو تحويلها في أحايين كثيرة إلى مجرد منحة دراسية. والكل يعلم أن الفرق بين البعثة والمنحة كبيرٌ جداً. وعندما يطالب بتحقيق الرغبة الأولى يقال له أنها لم تخرج عن حدود رغباته التي كتبها!
لن نتحدث عن النفس الطائفي الذي بات مكشوفاً اليوم، خصوصاً للطالب الذي يدخل تجربة المقابلة الشخصية، فحين يسأل الوزارة: لماذا تتعاملين معي بهذا الأسلوب الحاقد؟ هل بسبب انتمائي المذهبي؟ تقول له: أنت طائفي! عجيبٌ أمر وزارة التربية، فمن يطالب بحقه في البعثة الدراسية يكون طائفياً، ومن يمارس الطائفية ضد أبناء الوطن يكون وطنياً ويستحق الترقية والمكافآت!
نقول وبكل صراحة ووضح: من أجل أن يتم التعامل مع توزيع البعثات الدراسية بروح وطنية مسئولة، يجب أولاً تشكيل لجنة وطنية مستقلة لتوزيع البعثات الدراسية، تؤمن بجميع مكونات الوطن وبمفهومي «المواطنة» و»تكافؤ الفرص». وثانياً: إلغاء المقابلات الشخصية التي أسست وفق حسابات طائفية باتت اليوم مكشوفةً للجميع. وثالثاً: الأخذ بمبدأ الشفافية في الإعلان عن معدلات الطلبة والطالبات التراكمية في الصحافة المحلية كما كان معمولاً به في السابق. ورابعاً: عدم تسييس البعثات الدراسية استغلالاً للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
لابد أن يعلم الجميع أن الضرر الذي يصيب أبناء الوطن من جراء حرمانهم من تحقيق رغباتهم العلمية سينعكس على مستقبل البلاد، شئنا ذلك أم لم نشأ، ومن يستهدف مستقبل الوطن من حق المجتمع أن يضع حوله علامات استفهام كبيرة. نأمل أن لا يحدث للمتفوقين والمتفوقات من خريجي هذا العام كما حدث لأقرانهم المتفوقين في العامين الماضين، وأن تحقق أمنياتهم وتحترم اختياراتهم العلمية في إكمال دراستهم الجامعية كاستحقاقات، ومن دون منّ ولا أذى.