هاني الفردان
«كانت البحرين، كما نعرفها دائماً وأبداً، منارة في العمل الحقوقي الإنساني، ومثلت تجربتها منذ حضارة دلمون محطة رسو لمختلف الحضارات الإنسانية، وتنفست القيم السامية للتعايش والتوافق والتواد والمحبة»، فقرة مقتبسة من كلمة وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي تزامنا مع الذكرى السنوية، لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر/ كانون الاول العام 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لا أعلم أين يعيش الوزير، فهل هو يعيش في البحرين، أم في مكان آخر لا نعرفه؟ هل الوزير مرتبط بالواقع المعاش، أم يهيم في عالم من الخيال؟ وهل الوزير وهو يقول ذلك الكلام، صادق مع نفسه، قبل أن يصدق مع الشعب، أم يهوى احتراف «التلاعب» بالمفردات والكلمات؟
اذا كان حديث الوزير عن أن البحرين «دائماً» منارة لحقوق الإنسان، فتقرير لجنة تقصي الحقائق يرد عليه، ويكذبه، ويفضح زيف ما يقول، أو يدعي، بالأدلة والبراهين.
أما حديثه عن «أبداً»، فالواقع الحالي لا يبشر بخير، ومن سيرد على الوزير ليس الشارع العام، وليست المعارضة «المغرضة» ولا المنظمات الدولية «المنحازة» والتي تعتمد في تقاريرها على روايات «أحادية» مغلوطة.
الرد على الوزير، سيكون من مصادر المعلومات التي طالما كان يطالب الناس باللجوء إليها، والأخذ منها، واعتمادها، والوثوق فيها على أنها الحقيقة المطلقة لما يحدث في البحرين.
الرد على الوزير المتواري عن الأنظار منذ فترة سيكون من خلال وحدة التحقيق الخاصة التابعة للنيابة العامة، التي لا يمكن للوزير أن يكذبها، أو يشكك في بياناتها، أو يتهمها بأن معلوماتها أخذت من غير مصادرها.
وحدة التحقيق الخاصة عودتنا في الأسبوع الأول من كل شهر أن تصدر بياناً توضح فيه بالأرقام عدد شكاوى سوء المعاملة (التعذيب) التي تلقتها، وتفاصيلها، وعدد ما يحال منها إلى المحاكم. الأرقام الرسمية يا وزير تقول إن البحرين شهدت خلال الأشهر الـ19 الماضية 371 شكوى تعذيب وسوء معاملة في البحرين. وهنا نطرح السؤال، كيف؟ لماذا؟ شهدت «البحرين منارة العمل الحقوقي الإنساني»، هذا الكمّ الكبير من شكاوى التعذيب؟ وهل بهذا الرقم البحرين بلد حقوق الإنسان أم بلد «التعذيب»؟
تقول الأرقام الرسمية الصادرة عن وحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة، يا وزير إن الوحدة استقبلت وحققت في نحو 335 شكاوى تعذيب وإساءة معاملة، وشكاوى تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، وذلك منذ شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي (2012)، وحتى شهر سبتمبر/ أيلول الماضي (2013) (حصيلة مجمعة)، أي خلال 17 شهراً.
يا وزير، يقول رئيس النيابة رئيس وحدة التحقيق الخاصة نواف حمزة: «إن الوحدة تلقت خلال شهر (أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2013) عدد (7) شكاوى متعلقة بإساءة المعاملة، وأنها تلقت خلال نوفمبر 2013 تسع شكاوى متعلقة بادعاءات بالتعذيب وإساءة المعاملة ومن بينها شكويان مقدمتان إلى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
وبما أن «البحرين منارة حقوق الإنسان» فإن السلطة أقرت مؤخراً، حيث نفت من قبل أن واقعة اعتداء 11 من قوات الأمن على 13 مسجوناً (موقوفاً) بالضرب من قبل بعض الضباط والأفراد في إدارة الإصلاح والتأهيل وعلى إثر ذلك أحيلت القضية للمحكمة، ولعلمك يا وزير أن من فضح القضية هو رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان المعتقل نبيل رجب الذي شهد وكان شاهداً على الحادثة، ومنذ زمن طويل وليس الآن.
وحدة التحقيق الخاصة، تحدثت عن ضباط وأفراد من قوات الأمن شاركوا في الاعتداء، وهو ما يعني أن متخذي قرار ومنفذين له تورطوا في القضية.
الرد الرسمي سيكون «تصرفات شخصية»، فإذا كانت 371 شكوى تعذيب في 19 شهراً، تصرفات شخصية، فماذا يا ترى سيكون شكل الأمور الممنهجة، إذاً؟ وكم سيكون حجمها؟!
هذه حقائق وبيانات رسمية، مثبتة، ولا يمكن نكرانها أو الهروب منها، تدعمها حقيقة رفض الحكومة أو تأجيلها لأجل غير مسمى زيارة مقرّر التعذيب الخاص التابع للأمم المتحدة خوان مانديز، رغم تأكيدات وزير شئون حقوق الإنسان صلاح علي أن البحرين ليس لديها «ما تخشاه»، وأن «التعذيب جريمةٌ في حق الدين والإنسانية والأخلاق، وأنها مرفوضة، وأن البحرين لجأت لمعالجة جذور المشكلة»، وأن «الصفحة الحقوقية ستبقى مضيئة في تاريخ البحرين»!
وبما أن البحرين «منارة» فلماذا لا نرى هذه «المنارة» للقاصي والداني، ويسمح لمقرر التعذيب بزيارة البحرين والوقوف على «حقيقة منارة حقوق الإنسان».
الحقيقة تكمن في أن السلطة لن تستطيع السيطرة أو تحمّل تبعات تقرير المقرّر، ولذلك كان وزير شئون حقوق الإنسان في أبريل/ نيسان 2013 يتطلع لأن يكون تقرير المقرّر «حرفياً وأميناً وصادقاً ومعبّراً عن حقيقة ما جرى ويجري على أرض البحرين».
مع تطلعات الوزير المسبقة، أجلت الزيارة، لعدم القدرة على تحقيق السلطة لتطلعاتها من التقرير، وضبط إيقاع نتائجه المحسومة مسبقاً، إذ ان الزيارة بحد ذاتها إقرار بوجود تعذيب، فضلاً عن النتائج التي سيخرج بها ليس فقط بشأن ما وقع من تعذيب سابقاً، بل بشأن استمرار عمليات التعذيب أو سوء المعاملة حتى الآن.
نعم… البحرين منارة في العمل الحقوقي الإنساني، وواحة له، ولذلك توجد 371 شكوى تعذيب، واعتداء وسوء معاملة من قبل منتسبي الأمن لمواطنين ومعتقلين ومحكومين.
شكاوى التعذيب في البحرين لم تتوقف منذ صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق، وهي لا تعكس أبداً الوضع الحقيقي لما يحدث في مراكز التحقيق، والتوقيف وفي السجون.
فإلى متى سيمارس وزير شئون حقوق الإنسان هذا الاسلوب «منتهي الصلاحية» في التصريحات البراقة، والكلمات المعسولة والمنمقة، فالشعب والعالم يريان ما يجري على أرض الواقع من حقائق ومآسٍ على «منارة حقوق الإنسان».