إنتر بريس سيرفس: البحرين تعلن الحرب على المعارضة
شكلت الجلسة الاستثنائية للجمعية الوطنية البحرينية، والتي عقدت يوم الأحد 28 يوليو، مشهداً مليئاً بالمشاعر السلبية والإبتذال، والإشارات الوقحة على زيادة الدكتاتورية.
فتسمية الشيعة بـ "الكلاب"، كما قال أحد النواب خلال الجلسة التي عقدها الملك حمد، أدى لأن تقتل أسرة آل خليفة الحاكمة أي أمل في المصالحة والحوار الوطني.
وتهدف التوصيات الـ 22 التي الموافقة عليها خلال الجلسة إلى إعطاء النظام الأدوات الزائفة القانونية لقمع المعارضة، وانتهاك حقوق الإنسان والحقوق المدنية مع الإفلات من العقاب.
وكل ذلك باسم محاربة "الإرهاب".
عند مشاهدة شريط فيديو لبعض الخطب التي ألقيت خلال الجلسة، يحزنني المستوى الهابط الذي أصبح عليه الخطاب السياسي الرسمي. والآن يتوق الطلاب في البحرين إلى الأيام التي كان فيها المتحاورون البرلمانيون من المدنيين، وللأوقات التي كان فيها البرلمانيون الشيعة والسنة يتشاركون في مناقشات مدروسة وعقلانية، تتسم بالتسامح بالرغم من خلافاتهم السياسية أو الأيديولوجية.
ففي بدايات السبعينيات من القرن الماضي، عندما ناقشت الجمعية التأسيسية مشروع الدستور، كان البحرينيون يتابعون خطابات ممثليهم المنتخبين والمعينين، بكثير من الإحترام والأمل في مستقبل مجتمع حديث ومتسامح ومدني.
فكان البرلمانيون مثل رسول الجشي، وجاسم مراد، وعلي صالح، وعبد العزيز الشملان، وعلي سيار، وعيسى قاسم، وقاسم فخرو، وغيرهم هم الذين جعلوا مواطنيهم فخورين بنوعية النقاش الذي ميز أول برلمان بحريني منتخب.
وحتى الوزراء مثل محمد بن مبارك آل خليفة، وعلي فخرو، ويوسف الشيراوي، شاركوا في تلك المناقشات البرلمانية، وعملوا بالإشتراك مع الأعضاء المنتخبين على رسم مستقبل أكثر أملاً لكل شع البحرين.
كنت قد جلست في تلك الدورات البرلمانية عام 1973 وتتبعت المناقشات المطولة بشأن عدد لا يحصى من التعديلات الدستورية، مما جعلني أتصور أن البحرين ستكون دولة مزدهرة ديمقراطياً في السنوات القادمة. ومع ذلك، تم حل الجمعية الوطنية بعد ذلك بعامين، وعلق الدستور. ومنذ ذلك الحين وآل خليفة يحكمون البلاد بموجب مرسوم.
وأظهرت الجلسة الاستثنائية البرلمانية يوم الأحد الماضي دولة منشقة، ينعدم فيها التسامح، وتنحدر بسرعة إلى حالة من الفوضى. وأصبحت الكياسة، والعقلانية، والإعتدال كأنها قطع أثرية من الماضي.
وكان الملك حمد وولي العهد قد رحبا بالتوصيات، وحثا رئيس الوزراء القوي وزرائه على تنفيذها فورا، وفي الواقع، هدد بإنهاء خدمة أي وزير يقوم بإبطاء تنفيذها.
ووفقا لتقارير وسائل الاعلام، تم إعداد التوصيات قبل الاجتماع، وتم توزيعها على وسائل الإعلام بعد بضع دقائق من إنتهاء الجلسة. ولم يتم حتى مناقشتها بشكل هادف أو بعقلانية خلال الجلسة.
إن خوف النظام من أن البحرينيين سيكون لهم حركة (تمرد) للعصيان المدني لمواجهة النظام يوم 14 اغسطس، يوم الإستقلال الفعلي للبحرين، هو الذي قاد توقيت الجلسة. وتأمل المعارضة البحرينية في محاكاة حركة "تمرد" المصرية، والتي أدت بشكل غير مباشر إلى خلع (الرئيس محمد) مرسي.
ومثل الأنظمة الاستبدادية الأخرى، سواء كانت في إطار عبد الفتاح السيسي في مصر أو بشار الأسد في سوريا، برر آل خليفة التوصيات الصارمة ضد جميع أشكال المعارضة والمعارضة السلمية باسم مكافحة "الإرهاب" والتحريض على "جميع أشكال العنف "(التوصية رقم 3).
ومن المرجح أن يستخدم النظام هذه التوصيات لحظر جميع المظاهرات والإحتجاجات السلمية.
والنظام مستعد، وفقا للتوصية رقم 2، لسحب الجنسية من المواطنين البحرينيين "الذين ينفذون الجرائم الإرهابية وأولئك الذين يحرضون على الارهاب". ويعرف النظام الشخص "الإرهابي" بأنه أي بحريني يشتبه في أنه منشق أو يدعو بنشاط لإصلاحات حقيقية. في الواقع، التوصية رقم 6 تحظر "الاعتصامات والمسيرات والتجمعات في العاصمة المنامة".
ولا يبدو أن النظام قلق من حقيقة أن إلغاء المواطنة ينتهك المعايير القانونية الدولية والدستور البحريني.
وتشير رؤية حركة الاحتجاج كلها من خلال منظور الأمن، كما توحي التوصيات، إلى أن النظام عازم على تصعيد حملته ضد حركة الاحتجاج وحرية التعبير والتجمع السلمي، وفقاً لمركز البحرين لحقوق الإنسان.
ففي إطار التوصية رقم 7، يمكن أن يتم حكم البلاد قريباً بموجب قانون الأحكام العرفية أو "السلامة الوطنية"، كما يدعوها النظام مجازاً.
لقد وضعت توصيات البلاد على مسار تصادمي طائفي، ووجهت ضربة قوية للمعارضة السلمية والحقوق المدنية، وأثارت تساؤلات خطيرة في واشنطن حول التزام آل خليفة بإصلاح حقيقي.
وفي انتقاد مباشر للسفير الأمريكي توماس كرايسكي، تطالب التوصية رقم 11 "بأن لا يتدخل جميع السفراء إلى البحرين في الشؤون الداخلية للمملكة".
ودعا بعض البرلمانيين السنة المتشددين، بدعم من الديوان الملكي، أن يقوم النظام بطرد السفير كرايسكي من البحرين، مدعين أنه أجرى اجتماعات مع المعارضين الشيعة المؤيدين للديمقراطية. وقام آخرون بتهديد سلامته الشخصية.
ولا يزال البعض الآخر، بدعم ضمني للنظام، يأملون في أن يتم نقل السفير من البحرين، مما يشبه إلى حد كبير ما حدث للضابط السياسي لودوفيك هود في مايو 2011.
ففي ذلك الوقت، وفقا لمدونة "الدين والسياسة في البحرين"، طالب النشطاء السنة الموالون للنظام بإزالة هود لأنهم يدعون انه قدم "كعك الدونت" للمتظاهرين الذين تجمعوا أمام السفارة الأمريكية" احتجاجا على دعم الولايات المتحدة لآل خليفة.
والآن، يناضل الناشطون السنة الموالون للنظام، بشكل محموم، ضد دعم سفير الولايات المتحدة بشكل علني لحقوق الإنسان والإصلاح الحقيقي في البحرين. وتقلص التوصية الأنشطة الدبلوماسية في البلاد وتستهدف السفير كرايسكي بشكل مباشر.
وفقا لـ "بحرين ميرور"، فقد دعا البعض إلى منعه من الظهور على وسائل الاعلام الرسمية والصحف الموالية للنظام، حتى لو كان الموضوع الذي يناقشه هو طهي الطعام، وهو أحد هوايات السفير!.
والموضوع الأساسي الذي يحرك تلك التوصيات هو العداء للشيعة ومعاداة الإصلاح يعتبر استعراض صارخ للإستبداد، التي ينوي النظام الحفاظ عليها بأي ثمن، بما في ذلك تمزيق المجتمع إرباً.
يعكس إعتماد هذه التوصيات عصبية النظام بشأن تزايد الطبيعة غير المستقرة لحكمهم والمطالب التي لا يمكن منعها من أجل العدالة والكرامة والمساواة.
فوفقاً لتسجيل صوتي تسرب مؤخرا، نقل عن ولي العهد الأمير سلمان قوله إن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار.. والسياسة التي نتبعها لا يمكنها أن تستمر أيضاً.. فالناس قد تعبوا.. والأوضاع قد تتفاقم في أي لحظة.. فهناك مخاطر أكبر تهدد مجتمعنا.. والمستقبل أصبح أكثر خطورة.
يجب أن تعمل واشنطن وعواصم غربية أخرى بجد ليحرروا الملك ورئيس الوزراء من فكرة أن "التركيز على الأمن" هو الجواب لكل المشاكل الداخلية في البحرين. فالانخراط مع الجمهور حول مستقبل البحرين، بما في ذلك الأغلبية الشيعية وحركة الشباب الموالية للديمقراطية، هو السبيل الوحيد لإعادة البلاد من حافة الهاوية.
ويجب على واشنطن أن توضح للنظام أن الهجمات الإعلامية والتهديدات ضد السفير كرايسكي يجب أن تتوقف. فتصعيد لهيب الكراهية ضد السفارة الامريكية للحفاظ على الحكم الديكتاتوري للنظام هي لعبة خطرة، لا يجب على آل خليفة توريط أنفسهم فيها.
وكخطوة أولى وفورية، ينبغي أن يقوم الملك حمد بإغلاق أفواه المتهورين. في غضون ذلك، يتعين على الولايات المتحدة الشروع في مناقشات جادة حول كيف ومتى ستقوم بنقل الأسطول الخامس من البحرين إلى بلد مجاور أو إلى الأفق البعيد.
*إميل نخلة، المسؤول الكبير السابق وفي جهاز المخابرات السابق، والأستاذ الباحث في جامعة ولاية "نيو مكسيكو"، ومؤلف كتاب “A Necessary Engagement: Reinventing America’s Relations with the Muslim World and Bahrain: Political Development in a Modernizing Society”. **الآراء الواردة في هذه الإفتتاحية تعبر عن وجهات نظر كاتبها
واشنطن – آي بي إس (إميل نخلة)
06/08/2013 م