هاني الفردان
نشرت صحف محلية على لسان وزارة العمل بأن نسبة البطالة انخفضت إلى 3.6 في المئة، مشيرة أن نظام التأمين ضد التعطل استطاع الإبقاء على نسب البطالة في الحدود الآمنة رغم الأزمة الاقتصادية الحالية.
عند هذا الرقم نقف قليلاً لنتأمل فيه، مع ملاحظة أن الوزارة لم تنفِ صحة الرقم، إذ إن للمنطق والعقل مكاناً كبيراً جداً للتأمل.
في كل العالم وعلى مدى الأحداث الكبرى التي شهدها، فإن أي أزمة في أي مكان سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية، سيكون لها تداعيات كبرى على الاقتصاد، ما ينعكس بشكل كبير على حركة سوق العمل في أي بلد، ومن ثم التوظيف والتسريح.
في كل الأزمات التي شهدها العالم لم نشهد دولة تعاني من أزمة حادة خرجت وقالت بأن نسبة البطالة لديها انخفضت، فالعقل والمنطق يؤكدان على أن العلاقة بين الأزمات والبطالة علاقة طردية ومتوازية، فكلما تفاقمت الأزمات، كلما ارتفعت نسبة البطالة، لأسباب منطقية عقلائية لا يمكن تجاوزها، فالأزمات تحدّ من أنشطة الاقتصاد والسوق، وبالتالي تقف معه عجلة التوظيف إن لم يواكب ذلك موجة تسريحات لتقليص النفقات.
منظمة العمل العربية أكدت أن أعداد العاطلين عن العمل في الوطن العربي خلال العام 2011 اقترب من 15 مليون شخص ومن المتوقع أن تؤدي الظروف السياسية التي يشهدها الوطن العربي حالياً إلى زيادة عدد العاطلين بأكثر من 5 ملايين شخص آخرين ليتجاوز حجم البطالة حاجز العشرين مليون عاطل لأول مرة في العام الجاري.
إلا أن للبحرين كلمة تخالف ذلك، وخصوصاً أنها سجلت بحسب الأرقام الرسمية الحالة الوحيدة على مدى التاريخ، في كونها البلد الوحيد في العالم الذي عصفت به أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية على مدى عام كامل، وشهد موجة تسريحات سياسية كبيرة أصبحت حديث العالم، وركود اقتصادي، ومع ذلك نسبة البطالة فيها انخفضت لأدنى المستويات!
قبل عامين كانت وفي ظل الهدوء النسبي ونمو الاقتصاد والتنمية كانت البحرين تفتخر بأنها وضعت حداً لنسبة البطالة بحيث حصرتها وفق أرقام وزارة العمل عند نسبة 4 في المئة، وهي ما وصفتها بالنسبة الأقل من المعدل العالمي، ولم نشهد نسبة 3.6 في المئة إلا في شهر سبتمبر/ أيلول 2010.
ألا تستحق البحرين أن تكون حالة ليست نادرة بل ظاهرة غريبة، ومعجزة اقتصادية وسياسية يجب أن تدرس وتدرس لمعرفة كيف استطاع هذا البلد الصغير محدود الموارد أن يقلب المعادلة المسلمة بها، ويستفيد مما يعاني منه من أزمات عصفت به طوال العام الماضي (2011) وحتى الآن لخفض نسبة البطالة إلى هذا المستوى المتدني.
العالم دق ناقوس الخطر في الوطن العربي نتيجة ارتفاع معدلات البطالة، وبالخصوص في صفوف الشباب، إلا البحرين فشبح البطالة بعيد جداً عنها، فهي الدولة الوحيدة في الكون التي وظفت أزمتها السياسية والاقتصادية في خفض نسب البطالة، وبذلك تكون صاحبة الحق في إثبات فشل نظرية علاقة الأزمات بمعدلات البطالة، فبدلاً من أن تكون علاقة طردية، تمكنت البحرين من جعلها علاقة عكسية بحيث أصبح ازدياد الأزمات يؤدي إلى تدني نسب البطالة؟