عبدالنبي العكري
أضحى للبحرينيين قصب السبق في المفارقات بعد أن كان لبنان متصدرها، وكما يقول الإخوة اللبنانيون في التعبير عن ذلك «صيف وشتا فوق سطح واحد»، أي وجود الشيء ونقيضه في ذات المعنى أو الموضوع أو المكان.
أضحى الوطنيون المنافحون عن استقلال البحرين وحريتها خونةً وغيرهم هم الوطنيون.
أضحى من يدافع عن حقوق الشعب وحقوق المقيمين أيضاً بكافة دياناتهم ومذاهبهم وطبقاتهم وانتماءاتهم وفئاتهم، يُشهِّر بسمعة البلاد ويسيء إلى نظامها، أما من يقوم بانتهاك هذه الحقوق بالقتل والتنكيل والتعذيب والإساءة فهو حارس أمن الوطن.
أضحى من يطالب بإنهاء التمييز بكل أشكاله الطائفي، والقبلي، والمذهبي، يحرّض على الكراهية والبغضاء بين مكونات المجتمع، أما الذي ينافح عن التمييز وممارساته، فهو داعية للوحدة الوطنية واللحمة الوطنية والتعايش.
إذا طالبت بالإنصاف قيل إنك تطمع في انتزاع مكتسبات الآخرين المشروعة التي تكرّست بعد عقود من القسر والإكراه.
إذا طالبت بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع قيل لك إنك تستخدم الأكثرية ضد الأقلية، ويعتبرون الشهداء الذين سقطوا في الشارع أو تحت سياط الجلادين، قتلى يتحمل أهلهم والمعارضة المارقة مسئوليتهم. أما القتلى الآخرون فهم شهداء.
الأطباء الذين أدّوا واجب المهنة بشرفٍ وضميرٍ ومهنيةٍ ودون تمييز، وخاطروا بأرواحهم إبان الأحداث وتحمّلوا الاعتداءات والإهانات، هم «خونة» لأنهم أنقذوا أرواح «الخونة».
المعلمون الذين تفانوا في تربية الأجيال بنكران ذات، هم خونة لأنهم زرعوا أفكار إصلاح التعليم وتصحيح الأوضاع الخاطئة في السلك التربوي والمطالبة بالتغيير وساهموا في ترقية عقول الناشئة.
الإعلاميون والكتّاب الذين حملوا أمانة الكلمة… هم أيضاً «خونة» لأنهم بثوا أفكار الحرية والكرامة وحفظ حقوق الشعب وكشفوا الزيف وممارسات الفساد.
المتسلقون تسنّموا مواقع القيادة والقرار، والمؤهلون أزيحوا في عملية تطهير بشعة، ترتّب عليها تردّي الخدمات الحكومية الطبية والتعليمية والبلدية وغيرها.
هل من حكيم يضع حدّاً لهذا الانفلات غير المعقول، والهذيان والهوس بالانتقام؟ ففي النهاية نحن شعبٌ واحدٌ قُدِّر له أن يعيش مع بعض في جزر ربط بينها الحب والتآلف لقرون، وليس من بر ممتد نذهب إليه… فهل نتحول إلى لاجئين أو متسوّلين لدى الآخرين ليرضى البعض؟ إيماني عميق أن هذا الشعب سيتغلب على المتكسبين من وراء الفرقة والفتنة والشقاق، وستعود اللحمة الوطنية والألفة إلى أبنائه، وستبقى أوال لكل أبنائها، وستنهض البحرين درة الخليج من كبوتها.