لا شك ان الدين ضرورة في الحياة كونه يمثل جانبا أخلاقيا وجانبا عباديا ويوضح مدى إيمان الإنسان بالله، وارتباطه بخالقه، بالإضافة الى جوانب أخرى تتعلق بتعاملات الإنسان في الحياة المهنية والتجارية، مع وجود ضوابط وموانع، وبما يندرج في عالم الحلال والحرام والمتاح وغير المتاح أو المباح.
وتتمخض عن الدين كرسالة سماوية لكل الناس وليس لطائفة معينة أو امة من دون أخرى نظرة شاملة، وفتاوى واجتهادات للحياة العلمية والعملية والرؤية للمستقبل وغيرها.. فهل الدين هو العامل الذي حسم التنافس في الانتخابات الاخيرة بجولتيها؟ أم ان المال هو الذي حسمها؟
هذان السؤالان يدخلان في صميم العملية الانتخابية، وهما جوهرا حوار حول مكامن ما جرى من مضامين الالتزام بالعملية الديمقراطية، وهما في الوقت ذاته محور تساؤلات حول الطبخة النهائية بفوز هذا المترشح، أو تقارب العدد بين متنافسين، أو خسارة كبيرة يمكن تحملها، وماهي الأسباب التي ادت الى الخسارة؟ فيما حصل بعض المترشحين على لسعات قاتلة لا تحتمل اشبه بـ "لسعات العقارب"، وخاصة أنها جاءت من حليف الامس السلفي، وفجأة انقلبت المعادلة، فاصبح حميم الأمس لدود اليوم!
هذان السؤالان يرددهما عدد كبير من المواطنين، نسمعهما أينما نحط ونرحل (المذهب؟ أم المال؟) هو الذي حسم العملية الانتخابية؟ وهما في الوقت ذاته محورا أحاديث هذه الأيام، وستبقى لأيام قادمة نسمعها في البيت، وفي العمل، ونشاهدها في المقاهي، لدرجة ان الناس تلعب (الدومينو)، وتدخن السيجارة، وتحتسي الشاي لكن ألسنتهم تتذوق حلاوة فوز هذا المترشح أو ذاك، وآخرون يلعنون اللحظة التي ذهبوا فيها الى مركز الاقتراع، ويقولون "أضعنا وقتنا.. ويا ليتنا بقينا في البيت أو المقهى، هذا كان افضل لنا".. وآخرون يرددون "حصل ما حصل.. والله يعيننا على أربع سنوات قادمة".
ويبدو لي أن من يتحدث حول ضياع وقته بهذه اللهجة مخطئ لكونه يصور عملية الذهاب الى مراكز الاقتراع، والإدلاء بصوته، تأخذ منه ساعات بينما هي في الحقيقة من السكن الى المركز.. وتدخل وتصوت ولا تتعدى ربع ساعة، واذا صادف أن حصلت مشكلة، فلن تمكث أكثر من نصف ساعة.
كما نرى هذا الجدل على شاشات أجهزة الموبايل، والرسائل الإلكترونية، وعلى المواقع وغيرها.. حقيقة ان الانتخابات النيابية والبلدية التي جرت على جولتين خلال العشرة الأيام الماضية، نجد فيها خليطا عجيبا من المترشحين، سواء من الجمعيات السياسية الدينية والليبرالية أو من المصنفين على الخط المستقل، وبغض النظر عن هذا الخليط وتلوناته، فإن (المذهب والمال) من دون شك قد لعبا معا دورا كبيرا في حسم النتائج.
وعلى ضوء المذهب أو المال أو الاثنين معا نجد من المترشحين من فاز ونجح وزغرد، وحمل على الاكتاف، ومنهم من ذبح الجمال، ومنهم من ترنح بدون رجعة، ومنهم من طعن من الحليف، ومنهم من جرح، لكنه خرج من اللعبة بشرف، ومنهم من يتطلع الى العودة بخطة مغايرة وأفضل لانتخابات 2014 وكأن الهزيمة لم تكن قد حصلت.
بالإضافة الى أن من المترشحين من نجح بفعل الارتباط بتيار ديني معين، ومنهم من سقط بفعل المذهب، ومنهم من سقط لاختلاف فكره الأيديولوجي (ليبرالي ديمقراطي) مع المتنافس (سلفي أو طائفي) كما حصل في سابعة وثامنة مدينة حمد وثالثة المحرق.
في هكذا خليط أو ما يطلق عليه (كوكتيل سياسي)، تداخل الدين بالمال، فتبادلا الأدوار، لذا جاءت النتيجة بفوز قائمة من دون منازع للوفاق بـ (18 مقعدا) وتراجعت قوائم أخرى كالأصالة والمنبر الإسلامي الى 3 و2 من المقاعد فقط، وظهرت على السطح قائمة المستقلين بعدد 17 مقعدا.
ومنهم من سقط في الانتخابات بفعل التعصب الديني ولم يعد المواطنون راغبون في هكذا عقليات سلفية، ومنهم من فاز بفعل المال، ومعروف ماذا يفعل المال في النفوس.
وفي النهاية نقول: هذا ما أسفرت عنه الانتخابات النيابية في 23 و30 اكتوبر بحلوها ومرها، ومهما حصل فستبقى تجربة لها ميزانها في التوجه الإصلاحي والمسار الديمقراطي الذي حرصت مملكة البحرين على الولوج فيه منذ عام .,2002 فمبروك للذين وصلوا الى القبة البرلمانية. وحظ أوفر في 2014 لمن لم يحالفهم الحظ.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.