عبدالنبي العكري
ترتب على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/ أيلول 2013 والذي شدّد فيه على التزام أميركا بالديمقراطية في العالمين الإسلامي والعربي؛ وعلى قلق أميركا من التوترات الطائفية في العراق والبحرين وسورية… أثار موجةً من الاستياء لا سابق لها، ومماحكات لا طائل منها، بدلاً من التمعن في أبعاد كلمة من حليف ناصح، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلها حتى ولو اختلفنا معها.
لسنا هنا في وارد إثبات وجود التمييز والامتيازات الطائفية والقبلية والسياسية، والذي ابتدعه الإنجليز بموجب مبدأ «فرق تسد»، لكن أمل البحرينيين في دولة الاستقلال وهو الخيار الذي صوّتوا لصالحه في استفتاء الأمم المتحدة في مارس/ آذار 1970 هو الانتقال من دولة التمييز والامتيازات إلى دولة المواطنة المتساوية الديمقراطية. لكن الكثيرين باتوا اليوم للأسف، يترحّمون على التمييز والامتيازات في ظل الحماية البريطانية لأن الإنجليز كانوا يحاولون على الأقل الحد من الشطط، بحيث أضحى التمييز عقيدة واستراتيجية وسياسة ممنهجة لا داعي لإثباتها لأننا نعيشها ونكتوي بنيرانها. بل الأخطر سياسة تمزيق صفوف الشعب الواحد طائفياً ومناطقياً وسياسياً، بينما يتطلع شعب البحرين بشيعته وسنته، بعربه وعجمه، ومن مختلف الانتماءات والأصول، إلى مملكة دستورية ديمقراطية. وهو طموحٌ يعود إلى فترة العشرينيات، ثم حركة المجلس في الثلاثينيات، ثم حركة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات، ثم انتفاضتي مارس 1965 و1972، ثم حركة العريضة في التسعينيات من القرن الماضي، وأخيراً لاحت بوادر الأمل مع العهد الجديد في الاستفتاء على الميثاق في 14 فبراير/ شباط 2001. ولكن ظهر ثبات الأوضاع على ما هي عليه، من حيث رسوخ التمييز والامتيازات، حيث لم يطل الأمر لأكثر من سنة واحدة ليصدر الدستور الجديد في فبراير 2002، وتستأنف السياسة نفسها، ولنا في التقرير الغني عن التعريف خير دليل.
في الحراك السياسي الأخير، وفي أجواء الربيع العربي، بشّرت أحداث 14 فبراير 2011، بحركة جماهيرية وطنية ضاغطة من أجل التغيير والانتقال من سياسة التمييز والامتيازات إلى نظام المواطنة المتساوية، ولكن بدلاً من المراجعة الشجاعة، تم إشهار أخطر الأسلحة وهو الاستنفار الطائفي، والذي ترتب عليه شق الشعب إلى شقين، وانجر بعض المتمصلحين سعياً وراء الغنائم، والأكثرية بسبب التعصب والتجهيل، إلى الفخ المنصوب، وتحوّلوا إلى معاداة شركائهم في الوطن.
الآن وبعد أن استطالت الأزمة، وجاءت كلمة من الصديق والحليف الاستراتيجي، وبغضّ النظر عن دوافعها، فإن المتمصلحين من نظام التمييز والامتيازات، استنفروا جميع طاقاتهم البلاغية، وخيالهم المريض، بحيث أضحينا نسمع عن تهديدات ضد أميركا بتعويض التحالف معها وطرد وجودها العسكري، وسحب الاستثمارات منها، وكأن أميركا دولة مثل الصومال أو جيبوتي. هؤلاء لا يهمهم أن يستمر الوضع على أنقاض وطن، وأن يُحكم الناس بالإكراه، وأن تسفك دماء أبناء وطنهم، أو يستبدلوا بأبناء شعوب أخرى ليحقّقوا الأغلبية المذهبية الموهومة. على ماذا يعوّل هؤلاء في حربهم الشعواء؟ ألا يدركون أن اقتصاد البلاد يتراجع، وماذا تنفعنا جرعات المساعدات الخليجية بينما سمعة البلاد الطيبة تتراجع؟ ألا يدركون أننا نعيش في عالم متداخل يسود فيه الاعتماد المتبادل بين الدول، بما في ذلك أعظم القوى، والبحرين في مقدمة البلدان التي تعمل للاندماج الاقتصادي عالمياً، كما أنه لا مكان في هذا العالم للأنظمة الاستبدادية فالديمقراطية تكتسح العالم، وحقوق الإنسان دولية المرجعية، والتعلل بالسيادة لعدم الوفاء بالالتزامات الدولية لحقوق الإنسان أصبح أمراً مرفوضاً على المستوى الدولي، ولم يعد مقبولاً في هذا العصر، الانفراد بالشعوب واضطهادها وخرق الاتفاقات الدولية باسم السيادة الوطنية.
إن البحرين بحاجة إلى موقف شجاع، وذلك بمواجهة الواقع المؤلم، وإسكات أصوات الناعقين والمزايدين والمتمصلحين، وتطبيع الأوضاع كما حدث في العام 2001، ومن ثم الدخول في مفاوضات جدية مع قوى الشعب، للخروج بحل جذري توافقي لإصلاح شامل للنظام، وإلا فإن قوى التطرف ستقوى في المعسكرين، معسكر النظام ومعسكر المعارضة، وعندها لا يفيد الندم.