سوسن دهنيم
ليس من الضروري أن تكون منصتاً جيداً لكي تستمع إلى ألم الآخرين حين يفوق ألمهم الاحتمال البشري. وحين تتعالى أصوات آهاتهم فإن مجرد محاولتك عدم الاستماع ستكون كمحاولة تجنب بيت فقير دخول الأمطار إليه في فصل الشتاء.
في الربيع العربي ارتفعت أصوات آلام الشعوب، فسمعتها الدول العربية والغربية، والأهم أن آلامها تمخضت في بعض حالات عن نتائج شبه مرضية، على رغم أن بعض الدول مازالت تقاوم وتناضل من دون أن يلتفت إلى ألمها إلا من أراد أن يتلفت إليه، أو من التفت صدفة وعلى حين غرة من انغماسه في ذاته أو مصالحه.
الصورة والكلمة كانتا كفيلتين بإزالة الصمم عن آذان كثيرٍ من الدول الكبرى وكثير من المسئولين في مختلف المناصب، ولكنها كانت أحياناً غير قادرة على اختراق حواجز ضمائر بعضهم ممن أراد أن يكبلها بالحديد؛ كي لا تستمع إلى ألم أحدهم.
في الربيع العربي التفت كثيرون إلى آلام بعضهم، تارةً عبر مشاركة المضربين عن الطعام خلف قضبان السلطات للتضامن معهم وإعلان الاحتجاج على استمرار السلطة في تجاهل مطالبهم، وتارةً عبر خلق فعالياتٍ تضامنيةٍ مع المتضررين من المعتقلين والجرحى والمفصولين والمنفيين والملاحقين كالاعتصامات والمسيرات السلمية والحملات الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتارةً عبر نشر صورهم في «بوسترات» وعلى «تي شيرتات»، وكثيرٍ من وسائل التضامن الأخرى التي لو وصلت إلى هؤلاء المتضررين سيشعرون بأهميتهم وأن غيرهم لم يَنْسَهُم ولم يَنْسَ ألمهم.
في الإنصات لألم الآخرين نوعٌ من تحقيق الإنسانية أيضاً، وإثبات الهوية، فعندما يشعر المرء أنه واحدٌ ضمن جماعةٍ يقع عليه ما يقع عليها من ظلمٍ وألم، تتعزز لديه روح الانتماء لهذه الجماعة التي تشكل جزءاً من هويته، يشعر بأن واجب الدفاع عن هذه الجماعة في وقت الخطر، واجبٌ مقدسٌ أحياناً يمليه عليه انتماؤه الإنساني، أو الديني، أو الوطني أو المهني. وكلّما كان هذا الألم متعلقاً بالدين كانت شراسة الدفاع عنه أكبر وأوسع نطاقاً، كما يصفها أمين معلوف في كتابه «الهويات القاتلة» .
إن الإنصات إلى ألم الآخرين لا يكون فقط عبر الاستماع إليه وطيّ الصفحة دون أن يحرك المستمع ساكناً، بل يكون عبر التضامن والتحرك للتقليل من هذا الألم وإزالة أسبابه، أو لمزيد من الدقة: لمحاولة إزالة أسبابه؛ لأن المرء أحياناً يقف عاجزاً عن إزالة أسباب الألم حين يكون متعلقاً بالقوانين أو السلطات أو الأنظمة الحاكمة.
ومضة:
من يريد أن يستمع إلى ألم الآخرين اليوم، فليذهب إلى الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، حيث يعتصم بعض المنتمين للقطاع الطبي في البحرين وأهاليهم والمتعاطفين مع قضية الطاقم الطبي المعتقل ليستمع إلى آلام الطاقم الطبي المضرب عن الطعام من خلال أعين زملائهم وذويهم والتعرف على معاناتهم التي ينقلها أطباء وممرضون يعرفون ما قد يؤدي إليه الإضراب عن الطعام لأيام متواصلة.