جميل المحاري
من يريد أن يحلل المشكلة الحاصلة في البحرين بشكل عميق، سيرى أن هناك شقين أساسيين في هذه المعضلة، شق واضح للعيان يسيطر على المشهد العام، وهو الشق السياسي والحقوقي بما يتضمنه من مطالب دستورية يكون فيها الشعب البحريني بجميع أطيافه هو مصدر السلطات، وما يستتبع ذلك من تغييرات في كيفية تشكيل السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وصلاحية كل منها.
وشق آخر مخفي نادراً ما يتم الحديث عنه، وهو الشق الاقتصادي، والذي يختزله البعض في زيادة الرواتب أو الدعم الحكومي للمواطنين، وفي بعض الأحيان التقاسم العادل للثروة ومكافحة الفساد المالي والإداري.
يظن البعض أن مجرد زيادة رواتب المواطنين في القطاع العام بنسبة 15 في المئة وزيادة الدعم الذي تقدمه الحكومة لجميع المواطنين بمبلغ لا يتعدى الـ 150 ديناراً في الشهر للشرائح الفقيرة في المجتمع، يمكن أن يحلّ مشكلة تدني المستوى المعيشي لدى المواطنين، ويخلق حالةً من الرضا العام لديهم، متناسين تماماً مسألة الاستئثار التام من قبل البعض القليل بمقدرات الدولة، وما تبع ذلك من الاستيلاء على أهم ثروة وطنية لدى جميع الأمم وهي الأراضي، بحيث أصبح 95 في المئة من أراضي البحرين ملكاً خاصاً ولم يبق للدولة غير 5 في المئة يجب أن تغطّي متطلبات الأجيال المقبلة من سكن ومدارس ومستشفيات، ولن نتحدّث عن السواحل والحدائق والملاعب.
ما هو واضحٌ للعيان أن المستوى المعيشي للشعب البحريني وبطائفتيه الكريمتين، أصبح يسير من سيئ إلى أسوأ، وبعكس تطوّر المجتمعات المتقدمة منها أو حتى النامية، بحيث أصبحت الفوارق الطبقية تشتد سنةً عن سنة، ويصبح الأغنياء أكثر ثراءً، والفقراء أكثر فقراً، مع تلاشي الطبقة المتوسطة شيئاً فشيئاًً.
في سبعينات وثمانينات وحتى أوائل تسعينات القرن الماضي، أي قبل 20 إلى 40 سنة مضت، كان المدرس والطبيب والمهندس وأصحاب الأعمال الحرة الصغيرة والموظفون، يعدون من فئة الطبقة المتوسطة، أي الأفراد الذين يتمكنون من خلال دخلهم الخاص أن يبنوا لهم منزلاً، ويشترون سيارةً، ويوفّرون مبلغاً في حساباتهم البنكية للمستقبل، فهل باستطاعة أيٍّ منهم أن يقوم بذلك في الوقت الراهن؟
تشير آخر الأرقام وحسب إحصائيات وزارة العمل التي نشرت أمس في الصحف المحلية، إلى أن 6 في المئة من مجموع البحرينيين العاملين في القطاع الخاص يتقاضون راتباً أقل من 200 دينار في الشهر، فيما تصل نسبة من يتقاضون أقل من 300 دينار 16 في المئة، ونسبة من يتقاضى أقل من 400 دينار 53 في المئة، ما يعني أن أكثر من نصف المواطنين البحرينيين العاملين في القطاع الخاص (44 ألفاً و571 مواطناً) تقل أجورهم عن الحد الأدنى للفقر الذي حدّده مركز البحرين للدراسات والبحوث في العام 2005 بـ 345 ديناراً في الشهر.
يؤكد علماء الاجتماع أن الطبقة الوسطى هي الأساس في استقرار المجتمعات المختلفة، فكلما اتسعت هذه الطبقة كان المجتمع أكثر استقراراً، في حين كلما اتسعت الطبقة الفقيرة كان المجتمع أكثر تقبلاً للهزات والحركات الثورية. ولذلك يمكن القول إنه حتى وإن حقّقت المعارضة في البحرين مكاسب سياسية وحقوقية على المدى القصير، فإن ذلك لن يمنع حدوث هزّاتٍ سياسيةً في المستقبل القريب، تكون أكثر عنفاً وحجماً إن لم يستتبع الإصلاحات السياسية، إصلاحات اقتصادية حقيقية.