عبدالنبي العكري
الإسفاف له معان كثيرة، منها الإكثار من الشيء من دون لزوم، والابتذال في القول أو عمل شيء ما بتجاوز ما هو مألوف بالقول أو العمل. والإسفاف مذموم ومعاب فاعله.
ويرتبط الإسفاف بالسفه في علاقات تبادلية، فالإسفاف يقود إلى السفه أو الانحطاط، والسفه بدوره يقود إلى الإسفاف. في الحياة العامة وخصوصاً في عالم السياسة والإعلام، كثيرٌ من مظاهر الإسفاف وكثيرٌ من السفهاء، فكلاهما -أي عالمي السياسة والإعلام- يغري بالإسفاف، وأحياناً بالسفاهة. فالسياسة دون قواعد أخلاقية، والصحافة دون نوازع أخلاقية، تغريان أبطالهما بالسفاهة. ويشكل التنافس الحاد في السياسة دافعاً للإسفاف والسفاهة أيضاً، حيث ترى أحياناً سياسيين وفي حمأة المنافسة يتطاولون على منافسيهم بل ويخوضون في خصوصياتهم والتربص بهم. وفي الإعلام فإن دوافع السبق الصحافي، والخبطة الصحافية، وإرضاء الأسياد، قد تقود إلى الإسفاف في تناول موضوع ما، والسفاهة في تناول قضية معينة.
أما في بلد العجائب، فقد تبني لـ «أليس» أن للإسفاف دوافع أخرى، وللسفاهة تجليات أخرى. فعلى امتداد أكثر من سنتين وجدنا العجب العجاب من سياسيين يُفترض بهم أن يسهموا في إصلاح أمور البلاد والعباد، وإذا بهم ينفخون في رماد الفتنة الطائفية، والخلافات السياسية، ويحرّضون الدولة على الانتقام والقمع والتمييز والتهميش ضد أبناء وطنهم، وقد اختصروا الوطن في أحياء وزواريب ضيّقة، وأسبغوا القدسية والخلود على بعض أولياء النعمة، ودمغوا بالخيانة من يختلف معهم في الرأي والموقف السياسي، بل خوّنوا القطاع الأكبر من الشعب. هؤلاء السياسيون بدل أن يعملوا لتكريس تقاليد راقية في العمل السياسي التنافسي الذي يستهدف مصلحة الوطن وتعزيز المؤسسات، وتطوير الدستور والقوانين، فإنهم لا يتورّعون عن إرجاع البلاد إلى حالة ما قبل الدولة والدستور والقانون، من تعاضديات قبلية ومذهبية ومناطقية، الغلبة فيها للأقوى، وتشطير الشعب وتمزيقه، وتدمير الهوية الوطنية الجامعة.
وهناك من الصحافيين من احترفوا الكذب والتلفيق والتهييج، وترداد خطاب الكراهية والحقد والافتراء، وتراهم يكرّرون ذات العبارات الكريهة كل يوم بأسلوب ممجوج. هؤلاء عديمو الموهبة ولذلك لا إبداع لديهم، وهم يغرفون من دون توقف من بئر الكراهية. ولديهم قوالب معروفة، يكرّرون شتم أبناء وطنهم والمعارضة الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني، لأنها ترفض الذلّ والهوان والتمييز، وتطالب بالكرامة والعدالة والحرية.
لم يحلم هؤلاء من منقوصي الموهبة يوماً، بـ «العز» والنغنغة والربادة التي هم فيها، فيعزّ عليهم تغيّر الأوضاع وإعطاء صاحب كل حق حقه، لأنهم في هذه الحال لن يجدوا ما يكتبون عنه ويعودوا إلى أحجامهم الطبيعية.
نقول لهؤلاء: إن شعب البحرين قد اكتسب مناعةً ضد تحريضكم، ولم يعد يصدّق أباطيلكم وادعاءاتكم، وستجدون أنفسكم على قارعة الطريق، والأمور بخواتمها.