نافي بيلاي
مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان
هب الملايين إلى الشوارع على مدى الأعوام القليلة الماضية، في بلدان في جميع أنحاء العالم، شجعهم في ذلك ما يحدث في بقاع أخرى، يطالب بعضهم بحقوق مدنية وسياسية، ويطالب غيرهم بحقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية.
وليست هذه الموجة العارمة مجرد مسألة أناس يطالبون بحرية التعبير وحرية الافصاح عن أفكارهم وتوضيح ما يريدون. إنهم يطلبون بما هو أكثر من ذلك بكثير. فهم يطلبون وضع حد لحالة تقرر فيها الحكومات ببساطة ما هو الأفضل لسكانها حتى دون استشارتهم. ويطلبون حقهم في مشاركة تامة في القرارات والسياسات المهمة التي تمس حياتهم اليومية، على الأصعدة الدولية والوطنية والمحلية.
لقد أوضحت أعداد كبيرة من السكان في الكثير من البلدان أنهم قد سئموا معاملة قادتهم لهم بازدراء وتجاهلهم لاحتياجاتهم وطموحاتهم ومخاوفهم ورغباتهم. وهم يطلبون، في الواقع، ما كان حقاً مشروعاً لهم، منذ أكثر من 60 عاماً، بموجب القانون الدولي. يطلبون حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان – الذي يحتفل به كل عام في 10 ديسمبر/ كانون الأول – والتي تمت بلورتها فيما بعد في معاهدات دولية أخرى ملزمة.
لكل المواطنين الحق والفرصة في أن يشاركوا في إدارة الشئون العامة، سواءً بطريقة مباشرة أو من خلال ممثلين يُختارون بحرية. ولكل شخص الحق في التصويت والانتخاب، وفي الحصول على الخدمات العامة، وكذلك في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. هذه الحقوق هي من بين الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضمت إليه 167 دولة طرفاً، وقد أعيد تأكيدها بطرق كثيرة مماثلة في قوانين ووثائق أخرى.
من المفترض أن تسري هذه الحقوق على الجميع. ولا ينبغي استبعاد أي شخص من التمتع بأي حق منها لأن هذا الشخص أنثى أو ينتمي إلى أقلية أو يعتنق ديناً معيناً أو لأنه مثلي الميول الجنسية أو يعاني من إعاقة أو لديه معتقدات سياسية معينة، أو مهاجر أو ينتمي إلى جماعة عرقية أو إثنية معينة. وينبغي أن يكون لنا جميعاً صوت مسموع في مجتمعاتنا. وينبغي لنا أن نشارك مشاركة حرة ونشطة وهادفة في كل من الشئون الاقتصادية والسياسية.
وللأسف، لا يتوفر ذلك لأعداد كبيرة من الناس. وبدلاً من ذلك يجري تجاهلهم. والأنكى من ذلك انهم يتعرضون لاضطهاد دؤوب، ويتعرض من يحاولون مساعدتهم من أجل نيل حقوقهم – من المدافعين عن حقوق الإنسان – لأعمال التخويف والتهديد والاضطهاد أيضاً. وفي بعض الأحيان، يجري ذلك بطريقة أقل تعمداً وأشد خبثاً: فقد لا تتاح الفرصة لبعض الأفراد أو الجماعات مجرد الجهر بأفكارهم أو استخدام عقولهم ومواهبهم لتحقيق الإنجازات التي يستطيعون تحقيقها أو الانفلات من ربقة الفقر أو تبوّء منصب رفيع – بل أي منصب.
ولا يستطيع الملايين من الأشخاص حتى الحلم بآمال عريضة، فهم يحلمون فقط بأن يمر يومهم على خير، وبأن يبقوا على قيد الحياة حتى الغد. وقد يرجع ذلك إلى أنهم لم يحصلوا على التعليم أو الرعاية الصحية أو المأوى المناسب أو الغذاء الكافي أو أيٍّ من الحقوق والخدمات الأساسية التي تتيح لهم فرصة لبناء مستقبل أفضل.
وقد يرجع ذلك إلى أنهم يستبعدون خصيصاً من اغتنام الفرص بسبب قوانين أو ممارسات تمييزية. أو قد يرجع ذلك إلى أنهم وجدوا أنفسهم، دون جريرة من صنع أيديهم، عديمي الجنسية أو مواطنين لبلد لا وجود له، ومن ثم ليس لهم صوت فحسب، ولكن ليس لهم وجود رسمي أيضاً.
وقد يرجع ذلك ببساطة إلى أن قادتهم يركزون جل اهتمامهم على إحكام قبضتهم على السلطة والثروات إلى درجة عدم مبالاتهم بما يحدث لمن يتحكمون بهم في حياتهم. يعطون ما يكفي كي يلتزم الناس الهدوء ويتوقفوا عن الاحتجاج. وإذا تمسك الناس بالعناد ورفعوا أصواتهم بالاحتجاج، يعمد هؤلاء القادة إلى إلقائهم في غياهب السجون أو تعذيبهم أو إيجاد طرق أخرى لإلهائهم أو إسكاتهم أو التسبب في اختفائهم.
إلا أن الناس في الكثير من البلدان في العامين الماضيين تجاوزوا الحدود المفروضة عليهم وأوضحوا أن «حد الكفاف» لم يعد يكفي لهم. وقد جابهوا حكوماتهم مباشرة، في الكثير من البلدان ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بل وفي أنحاء أخرى من العالم أيضاً، بشأن قضايا تشمل كامل مجموعة الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الأساسية.
لقد ظللنا نرى في عدد من البلدان في الأشهر الأخيرة أفظع الأمثلة على الحقوق التي تداس بالأقدام. لقد تم تعذيب عدة آلاف من الرجال والنساء والأطفال حتى الموت، وتعرّضوا للاغتصاب والقصف بالقنابل والتفجيرات وإطلاق النار عليهم وإرغامهم على النزوح من ديارهم وحرمانهم من الغذاء والماء والكهرباء والرعاية الصحية من قِبَل حكوماتهم أو جماعات مسلحة، لا لشيء سوى تشبثها البيّن بالاحتفاظ بسلطتها. هذه هي الحكومات والجهات الفاعلة من غير الدول التي تواصل ارتكاب أعمال تتناقض تناقضاً كاملاً مع كل ما نحتفل به بمناسبة يوم حقوق الإنسان.
إنني اليوم أحيي كل من عانوا كثيراً من أجل الحصول على ما هو حق مشروع لهم، وكل من يقولون أيضاً بطريقتهم الخاصة في بلدان أخرى – سواءً كانوا في سانتياغو أو القاهرة، أو أثينا أو موسكو، أو نيويورك أو نيودلهي – لنا صوتٌ ولنا حقوقٌ، ونريد أن نشارك في الطريقة التي تدار بها مجتمعاتنا واقتصاداتنا… لأن هذا هو ما ينبغي.