جميل المحاري
الاتجاه الرسمي نحو إلغاء مجلس بلدي العاصمة والاستعاضة عنه بأمانة عامّة من عشرة أعضاء يعينون من قبل جلالة الملك، لا يمكن إلا ربطه بسلسلة محاربة المؤسسات والجمعيات الأهلية والمنتخبة، والتي كان لها دور مهم وموقف من الأحداث التي جرت على الساحة البحرينية.
لقد بدأ هذا المسلسل بحل جمعية الممرضين البحرينية واعتقال قياداتها وحل مجلس إدارتها وتعيين مجلس إدارة من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، كما تم حل جمعية المعلمين البحرينية واعتقال رئيسها ونائب الرئيس، وتم بعد ذلك حل مجلس إدارة جمعية الأطباء البحرينية وتزوير انتخاباتها بشكل متعمد من خلال مخالفة النظام الأساسي للجمعية والسماح للأطباء الأجانب بالتصويت في انتخابات مجلس الإدارة وذلك ما كان يخالف النظام الأساسي، كما حوربت جمعية المحامين البحرينية وتم حل مجلس إدارتها وتعيين مجلس إدارة آخر.
وفي الإطار نفسه تمّ فصل خمسة أعضاء بلديين منتخبين، كما تمّ خلق بديل للاتحاد العام لعمال البحرين.
لقد تفاجأت السلطة من موقف السواد الأعظم من مؤسسات المجتمع المدني خلال فترة الأحداث وانحيازها الكامل للمطالب الشعبية المشروعة، ما أحرجها ليس على المستوى الداخلي فقط وإنما أمام جميع دول العالم، فغالباً ما ينظر العالم المتحضر إلى مؤسسات المجتمع المدني على أنها الرديف ولمؤسسات الدولة الرسمية والأكثر تمثيلاً لفئات الشعب المختلفة، حيث أن هذه المؤسسات إنما خرجت عبر الإرادة الشعبية الحرة وهي بالتالي تمثل هذه الإرادة.
ولذلك فإن الإجراءات الانتقامية التي مورست ضد هذه المؤسسات عبر تفتيتها ومحاربتها وإيجاد بدائل لها لم تنتهِ لحد الآن، وكل ذلك لهدف واحد محدد هو تحويل جميع المؤسسات الأهلية إلى جمعيات موالية.
التوجه نحو حل مجلس بلدي العاصمة يأتي على خلفية مقترح نيابي قدمته كتلة المستقلين النيابة تضمن تعديل قانون البلديات بإلغاء المجلس البلدي في العاصمة واستبداله بأمانة عامة منتخبة من قبل مؤسسات المجتمع المدني، من أجل إبعاد العاصمة عن التجاذبات السياسية، ويرجع النواب المستقلون سبب المقترح إلى أن «العاصمة يجب أن تكون بمنأى عن أجندات الجمعيات السياسية وخاصة أن التجربة أثبتت أن بعض المجالس البلدية انحرفت عن مسارها الطبيعي الذي أنشئت من أجله وهو تقديم الخدمات العامة للمواطنين، وأصبحت للأسف الشديد تعمل في السياسة».
وليس من المستبعد أن يكون هذا المقترح جاء بإيعاز من الحكومة، كما كان فصل الأعضاء البلديين الخمسة قد جاء أيضاً بإيعاز من الحكومة كما صرح أحد الأعضاء البلديين بمجلس المحرق البلدي، ولذلك نرى أن وزير شئون البلديات والزراعة جمعة الكعبي يعلن دعمه للمقترح النيابي دون تحفظ ويصفه بالمقترح «الجيد لما تتمتع به العاصمة كمركز مالي وتجاري بأمسّ الحاجة إلى مجلس خبراء متنوع، وأن طبيعة العاصمة تختلف عن بقية المحافظات».
لا أحد ينكر خصوصية محافظة العاصمة عن باقي المحافظات ولكن ذلك لا يبرر إلغاء المجلس البلدي؛ ما ينتهك نصاً دستورياً ويلغي حق المواطنين في محافظة العاصمة من اختيار ممثليهم البلديين؛ فإذا ما أريدَ التطوير في العمل فإن ذلك يمكن من خلال إعطاء المحافظ المزيد من الصلاحيات والواجبات، كما يمكن للمحافَظة والتي هي جزء أساسي من المؤسسات الرسمية أن تلعب دوراً أكبر وأهم من مجرد القيام بنشاطات وفعاليات اجتماعية وترفيهية صرفة.