هاني الفردان
قالت صحيفة محلية إنه «تم منح صلاحيات خاصة لأعداد من مواطني المحرق لوقف أعمال التدمير والتخريب المتصاعدة في المدينة. وقد أصدرت بطاقات هويات لهؤلاء المواطنين تخولهم توقيف المشتبهين إلى حين وصول الشرطة».
ويعني ذلك الخبر أن الجهاز الأمني عجز عن القيام بدوره الحقيقي في الحفاظ على أمن المناطق، وبالتالي باتت عودة «اللجان الشعبية» ضرورة ملحة للحفاظ على أمن واستقرار المناطق، وهو ما يعيد لنا المشهد قبل عامين عندما غاب رجال الأمن من الشوارع والطرقات وتركت الأمور بيد جماعات، لجان شعبية أو أهلية، أو «ميليشيات»، سمِّها ما شئت.
ويأتي هذا القرار مناقضاً لتأكيدات وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة يوم الخميس الماضي للكتل البرلمانية من أن «الأوضاع الأمنية تحت السيطرة، وأن الوزارة ماضية في إجراءاتها من أجل استتباب الأمن».
الغريب أنه بحسب الصحيفة فإن قرار تخويل جماعات شعبية ممارسة أدوار أمنية صادر ليس من وزير الداخلية بل من وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني جمعة الكعبي تحت مسمى «أصدقاء البلدية»، ولكن لهؤلاء صلاحيات ليست بلدية بل هي أمنية، ومنها «توقيف المشتبهين»، وهي مهمة من صلب مهمات رجال الأمن، وليس من حق أي أحد آخر القيام بها مهما كانت مهمته، وذلك حفاظاً على استقامة القانون وتطبيقه ضمن ما يعرف بـ «الضبطية القضائية» التي تمنح صلاحيات محددة وفقاً للقانون لجهات معروفة تنتمي لمؤسسات رسمية باتخاذ إجراءات يمكن أن يعتد بها أمام المحاكم، وعمليات التقاضي.
الغريب أيضاً أن وزير الداخلية (اعتذر أقصد) وزير البلديات خوَّل لنفسه بحسب الصحيفة المحلية تخويل جماعات شعبية بحماية «الحدائق العامة والشوارع وشبكات الصرف الصحي ومحطات الكهرباء الفرعية من عبث المخربين»، وهو ما يعد عدم ثقة من قبله بدور المؤسسات الأمنية في البلاد وقدرتها على القيام بالمهمات ذاتها التي أعطيت للجماعات الشعبية، وفقط في مدينة المحرق دون باقي المناطق المختلفة التي قد تكون أيضاً تعاني من الأمور ذاتها التي تعاني منها المحرق.
والسؤال، ما هو المنفذ القانوني الذي سمح لوزير البلديات بإعطاء وتخويل جماعات شعبية ممارسة أدوار أمنية في منطقة المحرق، وذلك من خلال «توقيف مشتبهين»؟ وما هي معايير الوزير الجديدة التي ستعمل عليها تلك الجماعات من خلال تقييمها بكون هذا الفرد أو ذاك «مشتبهاً به»؟ وكيف سيتم حفظ حق المواطن والمقيم من سوء معاملة هذه الجماعات، وعدم استغلالها لهذه الصلاحيات غير القانونية؟ وكيف سيعتد بإجراءاتها قانونياً؟ وخصوصاً أن إجراءات القبض يجب أن تكون بصيغة قانونية.
وزير البلديات حل الإشكال القانوني الذي تحدثنا عنه من قبل، عندما أكد أن هذه الإشكالية تم حلها من خلال التوافق مع الأجهزة الأمنية، بإصدار بطاقات هوية خاصة تخولهم صلاحية «توقيف مرتكبي أعمال التدمير والتخريب إلى حين وصول الشرطة»، والسؤال ما هو النص القانوني لهذا الإجراء؟ وهل يوجد في القانون البحريني مادة تنص على تخويل جهات شعبية ممارسة عمليات توقيف مشتبه بهم؟!
وإذا صح ذلك التخويل، فهل سنشهد مثلاً إعطاء الصلاحيات ذاتها إلى لجان شعبية أو «أصدقاء البلدية» لمواطنين في بني جمرة مثلاً والذين يتعرضون وبشكل يومي لهجمات ليس من «مخربين» (المخربون محسوبون على المعارضة) ولكن من «مجهولين» (المجهولون محسوبون على الموالين للسلطة) تهدد سلامتهم ومصالحهم، وتسليمهم للشرطة أيضاً، وممارسة إيقاف المشتبه بهم أيضا، هل سنشهد الصلاحيات ذاتها لأهل منطقة عالي وإسكانها الذين يعيشون ليلياً على وقع أصوات إطلاق النار الحي من قبل المجهولين.
هل سنشهد في الأيام المقبلة تعميم التجربة الناجحة لوزير الداخلية (أعتذر أقصد) وزير البلديات في تشكيل جماعات شعبية على مختلف المحافظات ليحلوا محل الأمن في ممارسة أدوارهم وضبط وإيقاف المشتبه بهم؟
لا نعلم حتى الآن كيف سيمارس «أصدقاء البلدية» عملية ضبط المشتبه بهم، وهل سيكون ذلك من خلال نقاط تفتيش أمنية؟ أو من خلال ملاحقات في الأزقة والطرقات؟ أو ربما سيحق لهم القيام بمداهمات ليلية للمنازل أيضاً وخصوصاً أنهم سيحملون بطاقات تصريح، وهو أمر جديد، لم يطبق بعد إذا ما علمنا أن من يقومون بالمداهمات حالياً مدنيون ملثمون بلا هويات أو بطاقات أو أي شيء آخر.
نترقب أن نشهد من جديد عودة اللجان الشعبية لمختلف المناطق، وتعميم وزير البلديات قراره على جميع المناطق، وغياب قوات الأمن عنها ليتسلم الأهالي مهمة حماية أنفسهم سواء من أعمال «المخربين» أو هجمات «المجهولين».