سهيلة آل صفر
لم أتمكن من إيجاد الأسباب الرئيسية من وراء هذا العداء المبيت للأطباء! هذه المهنة ذات القدسية الخاصة، وعلى المساعدين من ملائكة الرحمة، وهذا الإصرار على زجّهم في السجون!
هؤلاء الذين كانوا يوماً الحلم الذي تحقّق وأصبح من يداوينا منا وفينا.
وصدر الحكم القاسي بالسجن ولبعضهم لعدة سنوات! صدر الحكم على القلوب الرحيمة التي تشفي المرضى، وتؤدي أنبل الخدمات الإنسانية، على رغم تصريح العديد من الجهات الحقوقية التي أقرت بضرورة الإفراج عنهم وتبرئتهم، ومنها «منظمة أطباء لأجل حقوق الانسان» الدولية، و «منظمة العفو الدولية»، إضافة الى تعاطف توصيات بسيوني، باعتبار ما قاموا به هو حقهم في حرية التجمع والتعبير عن الرأي كمواطنين. وقد تكون الوصمة أنهم مارسوا الاحتجاجات أثناء فترات العمل وفي المستشفى، ما يتعارض مع قدسية المكان وتجاوز الخطوط الحمراء التي اتخذت ضدهم ذريعةً فيما بعد، واتهامهم بإشاعة الفوضى بين سيل من الاتهامات ضدهم. ولكن ما حدث هو أن محكمة الاستئناف العليا قامت بتبرئة الأطباء والطاقم الطبي من تهمة حيازة الأسلحة واحتلال مجمع السلمانية الطبي. وفي المقابل أكّدت «منظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان» أنه لم يثبت على الأطباء أنهم مارسوا أي نوع ٍمن العنف، ولم نسمع نحن أو نقرأ في أيٍّ من بلدان الربيع العربي أنهم قد سجنوا طبيباً واحداً، أو المساس بأيٍّ من أفراد الطواقم الطبية.
إن الأطباء لم يتوقعوا يوماً بأن يكون ثمن حرية التعبير باهظاً. هؤلاء المدلّلون والذين يحبهم مرضاهم للرحمة والحنان الذي يملأ قلوبهم، ولمساعدتهم في تخفيف معاناتهم والشفاء من أمراضهم… أين هم مرضى هؤلاء الأطباء؟
إن مما حزّ في نفسي حقيقة، هو موقف جمعية الأطباء اللاإنساني من زملائهم في المهنة، والوقوف ضدهم بدل الوقوف إلى جانبهم في محنتهم، ولم يتورعوا عن القيام بفصلهم تعسفياً من الجمعية أيضاً، على رغم أن دور الجمعية الأساسي هو الدفاع عنهم وحمايتهم مهنياً، وعمل ما بوسعها في هذا السبيل، وخصوصاً أنهم لم يرتكبوا أي خطأ طبي مهني يصرّح بفصلهم، وفصلهم في هذه الحالة مخالفٌ تماماً لكل قوانين ممارسة المهن الطبية.
وكما تكون حياة المرضى مسئولية الأطباء، يجب أن تكون هنالك بالمقابل حماية خاصة للأطباء، والجمعية أول من يُسأل عن ذلك. وقد سبق أن طالبت المنظمات الدولية بالإفراج عنهم وتبرئتهم، نظراً للدور الإنساني والمشرف لهم في إنقاذ حياة البشر.
والسؤال: ما هو السر وراء تنفيذ هذه العقوبات الصارمة؟ هل هو الغضب؟ أم هناك أسباب أخرى يصعب تحليلها وشرحها؟ أم انهم كانوا على درايةٍ أكثر من غيرهم بحقوقهم السياسية، وقدّموا ما حدث بالتفصيل وأولاً بأول للعالم؟
إن هؤلاء الأطباء هم ذخرٌ للبلاد نظراً للتخصصات النادرة في دولنا النامية، وعلينا المحافظة عليهم وحمايتهم ومعاملتهم بما يستحقون من تكريم. وأنا والكثيرون غيري، يرون أن سجنهم كل تلك السنوات لا يحقق العدالة، وعلينا مراجعة تلك الأحكام القاسية، وسنكون نحن أول الخاسرين لأننا لم نعرف الحفاظ على أبنائنا وكوادرنا، وبدل أن نعطيهم حقهم من التقدير رميناهم في غياهب السجون.