عبدالنبي العكري
وهكذا استطاعت بلادنا بفضل حكمتها وبعد نظرها أن تختصر الزمن وتحقق في بضع سنوات ما لم تستطع أمم أكبر وأكثر عراقة أن تحققه وفي جميع الميادين. لقد حققت بلادنا مستويات متقدمة في التنمية الاقتصادية والتعليمية والبيئية والسياسية والصحية والبشرية، إلخ… وذلك في ظل تراجع التنمية عالمياً وفي ظل أزمة اقتصادية عالمية وأزمات سياسية.
لقد أصبحت بلادنا مفخرةً في مجال حقوق الإنسان تتطلع إليها جميع البلدان، حيث إن ذلك نابع من عقيدتنا الإسلامية السمحة وتقاليدنا العربية العريقة. وأضحت سجوننا خاليةً على عروشها، وأضحت شرطتنا ومخبرونا ومحققونا عاطلين عن العمل. بل إنه حتى محاكمنا شبه عاطلة إلا من النظر في بعض المشاحنات الزوجية!
ولقد حققنا فتوحات في مجال الديمقراطية فدخلنا ضمن نطاق أعرق الديمقراطيات، فنحن لم نكتف برسم دستور وقوانين عصرية وأقمنا مؤسسات الدولة الديمقراطية الراسخة، بل إننا كسرنا الحواجز ما بين كبار المسئولين والمواطنين وحتى المقيمين حيث مجالسنا مفتوحة في أي وقت حتى أصبحت مجالسنا مدارسنا للديمقراطية. وماذا تريدوننا أن نعمل بمن لا يستسيغ ديمقراطية المجالس المفتوحة؟ هل سنجبرهم على ذلك؟ لا بالطبع، فلهم الخيار بالعزلة أو الانعزال.
الدولة عندنا تقدّم ما لم تقدمه أية دولة في العالم، ونتحدّى أن تثبتوا العكس، فكل شيء «على نفقة الدولة»، منذ الولادة حتى الوفاة، فالإسكان والتعليم والتطبيب والتدريب كله على نفقه الدولة. ولقد وصلت البجاحة ببعضهم للمطالبة بزيادة الرواتب ومخصصات التقاعد. ألا يدركون أن التضخم عندنا صفر، وأن الدولة مرهقة بالأعباء؟ وكيف يطالبون بالتحقيق في الأراضي والعقود والمكافآت؟ ألم يقرأوا الآية القرآنية: «والله فضل بعضكم على بعض في الرزق» (النحل: 71)، فهذه حكمة ربانية، و «هذا من فضل ربي» (النمل: 40).
ويطول بنا المقام لو أردنا أن نستطرد في تعداد أفضال دولتنا البهية على رعاياها، وإن كان هناك بضعة أشخاص حاقدين ليبثوا بعض الأفكار المحبطة، مثل ان المواطنين تحولوا إلى «أقلية» في بلادهم وهم بالتالي يشعرون بخطر الذوبان وضياع الشخصية. ولكن هؤلاء في خدمتكم ويسهرون على أمنكم بينما أنتم مرتاحون!
لقد أضحينا بلا إرادة. فهناك من يتكلم باسمنا وينتقد البرلمان، مهما عمل من أجل مصلحة المواطنين، أنتم في نعمة لا تدركونها، أليس أفضل لكم أن يفكّر عنكم الآخرون ويخطط لكم الآخرون ويعمل بالنيابة عنكم؟ ولماذا وجع الرأس؟ ارتاحوا واستمتعوا.
انهم يقولون: لقد ضاقت بيوتنا بنا بعد أن أضحت ثلاثة أجيال تعيش في البيت الواحد بسبب عدم توفر بيوت الإسكان، وهذا مردود عليه أيضاً، ولماذا لا نعود إلى لمّ العائلة الكبيرة مثلما كنا من قبل؟ وبالتالي استرجاع العلاقات العائلية الحميمة، والرجوع لتقاليدنا العربية الأصيلة.
وهم يقولون: لقد استشرى الفساد في الدولة والمجتمع بحيث أضحينا نحن الدولة النفطية مدينين بالمليارات، بينما يدخل علينا من النفط مليارات فنستجدي من اخواننا الخليجيين المساعدات. أما نحن فنقول: وماذا في ذلك؟ الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي مدينةٌ أيضاً، والمديونية إحدى صفات الدول المتقدمة! إذاً نحن في نادي الدول المتقدمة إلى جانب إسبانيا وإيطاليا واليونان! و(شو فيها)؟ الخليجيون إخواننا وأحباؤنا والأقربون أولى بالمعروف. أما الفساد فهو من صفات الاقتصاد الرأسمالي الحر، فهل تريدوننا أن نتبع نهج الاقتصاد الاشتراكي الفاشل؟
تشكون من انتشار البطالة بين أبنائكم فيما تتدفق العمالة الأجنبية إلى البلاد، ومرة أخرى نقول لكم: البطالة ليست فقط عندنا، بل هي موجودة في كل البلدان الغربية، ونحن أحسن حالاً منها إذ لدينا الحكومة التي تمتص المواطنين دون حتى الحاجة إليكم. نحن لدينا نظام الضمان ضد البطالة الوحيد في الخليج فماذا تريدون زيادة؟
وتشكون من التجنيس بالهبل، و(شو فيها)؟ أليس ذلك مصدراً للتنوع والثراء من حيث الخبرات واللغات والعادات والثقافات؟ وهذه أيضاً من سمات المجتمع الكوزموبوليتي، أي المجتمع في ظل العولمة، ونحن سبقنا الآخرين في ضوء استشرافنا لمجتمع العولمة.
تكثرون من الشكوى من القمع ومصادرة الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان. إذاً اذهبوا إلى بورما أو الكونغو، وسترون بأعينكم ما هو القمع.
أنتم في نعمة لا تدركونها، أنتم في دلمون جنة الخلود، لكن الإنسان متعود على إنكار النعم. لكنكم في الأخير رعيتنا وكل راع مسئول عن رعيته.