بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
· جراح البعث دليل صدق مبادئه
· اغتيال صدام حدث نتباهى به
· نحن ضد الجنائية الدولية ولكن بأي فهم
كان حزب البعث يستطيع في ليلة واحدة أن يملأ جدران الشوارع بشعارات تطالب بسقوط نظام مايو، وكان لذلك أثره في تمهيد الطريق للانتفاضة.
ومن قبل كان البعث حاضراً في انقلاب 19 يوليو.. ومسيرة البعث في السودان عميقة الجراح وما زالت صورة حدث سقوط الطائرة التي كانت تقل محمد سليمان داؤود الخليفة غامضة، وتبعها كذلك حدث إعدام 29 ضابطاً في رمضان، وفوق كل هذا جرح سقوط بغداد العميق، وجرح آخر بإعدام صدام حسين في ليلة العيد.
لا تغيب هذه الجراح عن ذهن الأستاذ محمد عثمان أبو رأس وهو يتحدث عن رؤية البعث لقضايا الساحة السياسية، فهو يرى أن هذه الجراح كلها دليل على صدق منطلقات البعث.
ويرى أن مشاهد صمود البعث رغم محاولات اغتياله هنا، أو هناك هي حافز جديد لمواصلة النضال وبصلابة أكثر في دروبه الوعرة.
الجزء الأول من الحوار
كانت جراح البعث بعد سقوط بغداد أعمق من جراح الماركسية بعد سقوط جدار برلين وجراح الناصرية بعد النكسة لماذا؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : جراح الماركسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ربما قادت إلى مراجعة المفاهيم نفسها باعتبار أن التفتت والإنهيار لم يحدث بفعل خارجي مباشر وإنما بفعل التآكل الداخلي، وعن طريق رموز من نفس النظام، وهنا يجوز التشبيه بين قورباتشوف وآخر ملوك غرناطة. فيما يتعلق بالناصرية نشير إلى خطوط التمسك بحرب التحرير الشعبية كبديل للعمل الفوقي باعتبارها فعل حاسم في الصراع العربي الصهيوني، فقد صعدت أطروحاتها بعد الهزيمة التي كانت موجودة في الفكر العربي. أما في حالة العراق فإن الاحتلال لم يأت في يوم 9 إبريل بعد إسقاط تمثال الشهيد صدام حسين فقد كان الفعل الخارجي ممتداً منذ تفجر الثورة في عام 1968 وهناك خطان متواجهان المشروع النهضوي للثورة والمشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي.. الاحتلال يمثل سقوط مادي لأدوات المشروع النهضوي ولم يؤد إلى هزيمة البناء المعنوي والروحي والفكري للتجربة ومتطلباتها والدليل على ذلك أن المقاومة للاحتلال انطلقت منذ اليوم الأول مما يعني أن المقاومة كانت صفحة محسوبة.
لماذا تبدو جراح البعث أعمق من جراح الآخرين؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : الجراح؟ صحيح إننا فقدنا قاعدة محررة، لكن في المقابل هناك ثمن يدفعه العدو. ولا مقارنة بين قوة العدو المادية (العسكرية، الإقتصادية، الإعلامية، والتقنية) وقوة المقاومة. ولم يكن في الحسبان أن يتراجع العدوان الأمبريالي الصهيوني. كان الرفيق الأستاذ طارق عزيز يقول: (أن تتراجع أمريكا عن الغزو فتلك معجزة). وبوش قال: (حتى لو خرج صدام وأولاده لن نتراجع عن احتلال العراق). إذن لم يكن لدينا أوهام، ولهذا (ماتت الأشجار واقفة) والأهم من كل هذا أن مشروع أمركة المنطقة يتهاوى الآن بفعل المقاومة التي أعد لها البعث.
نحن نشعر بألم عميق لفقدان القاعدة المحررة، لكن هذه الجراح تؤكد صحة منطلقاتنا وتؤكد أيضاً أننا سنتجاوز مرحلة الاحتلال وننتصر.
تقول إن البعث أعد العدة للمقاومة، ولكن المقاومة ظهرت بطابع إسلامي؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : الأرض التي تنطلق منها المقاومة تعرضت للاحتلال، وهذه الأرض تقاوم، بغض النظر عن عناوين المقاومة. كنّا نعيب على أنفسنا في بعض المراحل أننا لم نأخذ كل أبعاد الفكر القومي، في خطابناالسياسي اليومي حيث كان يجري التركيز مثلاً في بعض الفترات علي البعد الإجتماعي من الخطاب علي حساب البعد القومي أو الروحي أو الديمقراطي، وهكذا يتم في منعطفات أخري التركيز علي أحد أو بعض هذه الأبعاد أو بإغفال أحد تلك الأبعاد المتكاملة، وبصرف النظر عن التعتيم الذي يفرضه الإحتلال والإعلام المتأثر به أو التابع له علي المقاومة، فإن إجماع 23 فصيلاً مسلحاً منضوين تحت لواء الجبهة الوطنية للجهاد والتحرير علي قيادة الرفيق عزت الدوري تؤكد مكانة البعث في مقدمة المقاومة.
هل المقاومة فعل بعثي محض؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : أولاً النظام الذي يُملِك الشعب السلاح لا يخش شعبه، وكذلك لا يمكن اختزال دور شعب العراق في المقاومة البعثية. كان التوجه العام عند كل قيادات المقاومة هو الانخراط تحت كل الرايات. والمقاومة كما ترى تقوم بفعل احترافي. الآن أكبر فصيلين مقاومين هما جبهتي الجهاد والتغيير التي يقودها حارث الضاري، والجهاد والتحرير ويقودها الرفيق عزت إبراهيم. وهذا نتيجة لفعل الاستعداد للمقاومة، والتي هي فعل شعب وجد نفسه في مواجهة المحتل.
المقاومة بالصورة التي وصفت تمثل نقطة التقاء بينكم وبين الحكومة، فالحكومة السودانية الحالية هي الأخرى تعلن مقاومتها للمشروع الأمريكي، هل تتلاقون معها على هذا الهدف؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : نحن نتمنى أن تكون الحكومة صادقة في مواجهة التدخل الأجنبي، وهذا لا يلغي ما نبديه من ملاحظات تقدح في هذه المصداقية، مثلاً : التدخل الأجنبي موجود في اتفاقيات نيفاشا وأبوجا وفي محاولات الهجرة بالحلول إلى خارج الوطن، وهناك قوات أجنبية لحفظ الأمن في كثير من المناطق، بل هناك استجابة للتدخل وخضوع له.. نتمنى بالفعل أن يكون هنالك رفض للتدخل، وأول خطوة في هذا الاتجاه أن تلوذ بشعبك، أن تحترمه وتعطيه الحرية لا أن تزيد من القوانين المقيدة للحريات مثل قانونالأحزاب وقانون الصحافة وغيرها، أحد ممثلي الحزب الشيوعي في البرلمان يقول إن حديثهم داخل المجلس الوطني يتم انتزاعه من الصحف!. إذن نحن نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً.. وهذا نظام يخاف، ولا يختشي وينصاع لما يأتي من الخارج.
لكن التدخل الأجنبي في دارفور على سبيل المثال فرضته ظروف الصراع، وما يعلن الآن أن ذلك التدخل جاء من أجل حفظ السلام بالإقليم؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : أفهم أن الاقتتال الوطني يمكن أن يقود إلى لواذ للأجنبي، فهو إذن تدويل، أنا هنا أشير إلى النهج. فالحريص على مقاومة الأجنبي لا يخلق ظروف تدخله، لا يخلق الظروف لحمل السلاح كي يستقوى حامل السلاح بالأجنبي، لا يخلق الظروف المؤاتية لنمو المزيد من الحركات المسلحة لتملأ الفراغ بعد عجز النظام عن حل المعضلات. هذا النهج يقود إلى التفريط في الوحدة وفي الاستقلال.
لكن هذا حدث في تجربة البعث، فقد قبلت الحكومة العراقية في عهد صدام حسين بفرق التفتيش الدولية؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : لابد من التفريق بين بعثات تفتيش في أماكن بعينها وبين تواجد قوات دولية على الأرض، كان العراق حريصاً على أن تكمل فرق التفتيش عملها في مدة محددة لتصدر قرارها من أجل دحض ذرائع الغزو. الآن تمثل التقارير النهائية لهذه الفرق إحدى عوامل فشل المشروع الأمريكي، لا بد من التفريق بين هذا وبين نشر قوات حفظ سلام لها المرجعية والرقابة في كل شيء، هذه القوات في جنوب كردفان هي الحاكم الفعلي، هنا احتلال من الـ GMC لبعض المناطق، وهي تدخل عبر مطار الخرطوم دون رصد، بل إنهم يريدون زيادة أعدادها، ومهما زادت أعداد هذه القوات فهي لن تحقق السلام الذي يتحدثون عنه، أكثر من هذا فإن الاتفاقيات نفسها تستدعي المزيد من القوات الأجنبية.
إذن ما رأي حزب البعث في اتفاقية سلام نيفاشا؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : رأينا فيها يتلخص في هذه المحاور.. أولاً.. هي لم تحقق السلام الشامل، إذ أنه وبعد توقيعها مباشرة اندلع القتال في دارفور.
ثانياً: نيفاشا لم تحقق التحول الديمقراطي ولم تلغ القوانين المقيدة للحريات وأضافت إليها قوانين أخرى لفرض نظام جمهوري رئاسي.
ثالثاً: لم تحقق السلام الاجتماعي ولم تؤمن الوحدة الوطنية ولم توقف الفساد بل أضافت إلى الفساد في الشمال فساداً آخر في الجنوب. أكثر من ذلك فتحت الطريق لتفتيت السودان وفق بند (حق تقرير المصير).
حق تقرير المصير تم الاتفاق عليه بين القوى السياسية في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية مما يعني أنكم جزء من هذا الاتفاق كفصيل معارض للنظام؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : علاقتنا بالتجمع الوطني الديمقراطي انقطعت منذ رحيله إلى الخارج واعتماده صيغة الكفاح المسلح. نحن ضد حق تقرير المصير لأنه يعطي الحق لجزء من أبناء السودان في معالجة مصير كل السودان ولن يقود إلا لإنفصال الجنوب.
ولكن هذه الاتفاقيات ببنودها هي الأمر الواقع الآن؟
الأمر الواقع كثير. الإنقاذ واقع، الفقر واقع، أنفلونزا الخنازير واقع.. لكن هذا هو رأينا..
دعنا نطل على بعض قضايا هذا الواقع.. تحديداً هل تؤيدون النظام في موقفه من محكمة الجنايات الدولية؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : يمكن أن يقال إننا مع الحكومة ضد الجنائية.. نعم نحن ضد الجنائية، ولكن بأي فهم وبأي كيفية؟.. نحن ضدها لأننا ضد التدخل الأجنبي وانتهاك السيادة وهذا موقف البعث.. موقف سابق لمجيء الإنقاذ نفسها.. نحن نرى أن التخلف من أسباب التبعية ولذلك ندعو إلى الوحدة والحرية والتحرر من أي تبعية.. في فترة الديمقراطية الثالثة.. كان أمين سر الحزب بدر الدين مدثر يقرر أن طلبات الالتقاء بالبعثات الدبلوماسية ينبغي أن تمر عبر وزارة الخارجية، ولأن هذه المحكمة لا تملك معياراً واحداً للموقف من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعندما تمتلك هذه المحكمة الجدرأة علي مسألة الولايات المتحدة الأمريكية علي جريمة غزو العراق وإحتلاله رغم أنف المجتمع الدولي – وعلي أرتكبته من جرائم في أبي غريب وغوانتناموا وأفغانستان وباكستان، وعندما تقوم هذه المحكمة علي تقديم أركان الكيان الصهيوني علي جرائمهم في فلسطين ولبنان يمكن أن ننظر في أمر الإنصياع لها.
بعد انهيار البعث والناصرية ماذا تبقى من القومية العربية؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : الفكر القومي قدره أن يكون في المقدمة لصد وهزيمة العولمة و الرأسمالية المتوحشة، وهذا ما تقوم به المقاومة الآن، فقد كانت تكلفة الاحتلال سبباً رئيسياً في الأزمة المالية العالمية، لقد خسروا 700 مليار دولار وأكثر، خلافاً لما تمنوا، خسروا دون أن يتقدم مشروعهم خطوة إلى الأمام وتأكد انتصار خيار المقاومة. وخارج إطار المشروع القومي لا سبيل للتصدي للمشروع الإمبريالي.
ما هو أعلى سقف يمكن أن تحققه المقاومة؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : تحقيق الانتصار الكامل وتحرير العراق وكتابة شهادة الوفاة للمشروع الصهيوني.
هل من الممكن أن يعود البعث؟..
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : البعث لم يغب ولن يجتث، وإن كنت تقصد العودة للسلطة فهذا جزء من رؤية نشاهدها بمنطق اليقين بأن الاحتلال مهزوم بأيدي البعث وشرفاء العراق الذين سيكتبون تاريخ العراق من جديد، وعودتهم ليست للسلطة بل عودة إلى تجربة بمعطيات من التجربة نفسها وهو ثمن اضطررنا لدفعه بشكل رئيسي.. ستعود التجربة أكثر نضجاً مما كانت في كل المناحي، فهي تجربة إنسانية، والاحتلال هو ثمن تمحيص التجربة.
هل إستفاق البعثيين من صدمة إعدام صدام حسين؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : هناك بيت شعر يقوله البعثيون: لمّا سلكنا الدرب كنّا نعلم أن المشانق للعقيدة سلم.
الشهيد صدام كان مشروع شهيد منذ بواكير انتمائه للحزب وإن صدمنا في أننا فقدناه، وأي عزيز فقدنا؟ إلا أن استشهاده خلف لنا رصيداً يكاد يزن ما تركه في مسيرته النضالية طوال فترة حياته.. مشهد الصمود والبسالة وتلخيص كل القضية، والهتاف بحياة الأمة وفلسطين ونطق الشهادتين. هذا نموذج للتجربة يجعلك تتباهى بالحدث..
ولكنها صدمة، وقد تجد كثيرين لم يفيقوا منها بعد؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : ليست صدمة. فنحن (لا نهاب الموت المكشر).. وكما نغي مع بنوتة بت الملك: (ما دايرلك الميتة أم رماداً شح).. هذه مدعاة للفخر وليس صدمة، إذا كانت استفاقة فهي استفاقة ارتقاء بالنضال فلا تقبل بأقل من هذا الاستعداد للتضحية الذي مثله الشهيد.
الجزء الثاني من الحوار
· لا نضع الأفريقانية في مواجهة الانتماء القومي
· السلاح ليس وسيلة حل الصراعات الوطنية الداخلية
· لا مصلحة في تعميق الصراعات داخلياً أو مع دول الجوار
في الداخل كان لدى حزب البعث أيضاً جرح عميق، بل لديكم ثأر مع الإنقاذ بإعدام ضباط حركة رمضان.. ماذا تقول؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : أقول ليتهم تركوا لنا بعض الوثائق عن أبطال حركة رمضان، ولكننا لم نقل بالثأر للشهداء، بل القصاص لشهداء 28 رمضان، ونعني العدالة والمساءلة والمحاسبة. نظرتنا ليست ثأرية لأننا لا نعتبر القضية شخصية. ولن نتوقف عند مساءلة مسئولي النظام الراهن، كل من تسبب في اغتيال التعددية مسئول عن دم الشهداء.
أنت تشير هنا إلى السيد الصادق المهدي؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : يمكن أن تفهمها هكذا، فهذا ليس موضوع ثأر ومهما طال الزمن سنقدمهم للعدالة، وسنتصرف معهم كما تصرفنا مع ضباط مايو بعد الانتفاضة، سنقتص لشهداء رمضان ولن نثأر لهم.
السودان بعد نيفاشا وبترتيبات دولية انطلق نحو القرن الأفريقي، هل يجد حزب البعث العربي الاشتراكي (أكل عيش) في هذا المناخ الأفريقي؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : واقع الأمر أن حزبنا لا يجد تناقضاً، هوية الوطن تتمثل في كوننا عرب وأفارقة، نحن لا نضع الأفريقانية في مواجهة الانتماء القومي، والمشاكل التي تقع في تشاد أو القرن الأفريقي تنعكس على السودان وبالتالي علينا العمل على حلها وترسيخ الاستقرار والتعاون بين هذه البلدان وتعزيز نهضة الشعوب في مواجهة الهيمنة الإمبريالية، لأن محاولتها للنفاذ إلى المنطقة تأتي غالباً من التناقضات بين هذه الأقطار. ليس لدينا مصلحة في تعميق الصراعات داخلياً أو مع دول الجوار، بل علينا أن ندفع بعلاقاتنا معها نحو التكامل وأن ننأى بأنفسنا عن التدخل في شئونهم الداخلية.
أقصد أن هذا المشروع أمريكي، وأن الصراع بين هذه الأقطار كان موجوداً قبل استفحال التدخل، ومثال ذلك أزمة دارفور؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : لدينا مشروعنا استقرار المنطقة ينبغي بناءه على التوافق والتكامل، بهذه الكيفية نكون أمنا ظهرنا لجيراننا، ينبغي أن نناقش قضية إيواء الحركات المسلحة بوضوح، ينبغي ألا يكون السلاح هو وسيلة حل الصراعات الوطنية الداخلية.
أسمح لي هنا أن أعود بك إلى تجربة المقاومة، والمقاومة في العراق تستخدم السلاح و تستهدف عناصر وطنية.
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : مثل من؟
هل تواجه المقاومة أحمد الجلبي على سبيل المثال في قاعات الحوار والمفاوضات؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : الجلبي هذا ليس عضواً وطنياً فلم يأت إلى العراق بتغيير داخلي، جاء على ظهر دبابة أمريكية ويحمل جنسية أجنبية، وربما أكثر..
ما هي رؤيتكم لإحلال السلام في دارفور؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : يرتبط حل قضية دارفور بإحلال السلام في كل القطر، الأزمة الوطنية في السودان هي النظام الراهن.. ولا مخرج من مشاكل البلاد، بما فيها أزمة دارفور إلا بتكوين إدارة انتقالية، إزالة القوانين المقيدة للحريات وإدارة التنافس السلمي على السلطة بشفافية عبر صناديق الاقتراع.. حينما وقعوا على أبوجا قالوا إن هذه الاتفاقية هي المخرج النهائي وإنها غير قابلة للتعديل، ولم نر هذه الاتفاقية قد حققت السلام على العكس تراجعت مكانة الفصيل الذي وقع عليها.
هناك أكثر من أربعة أحزاب باسم البعث.. لماذا الإنشطارات وأنتم دعاة الوحدة؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : عندي تحفّظ على هذا السؤال. هناك جهة انسلخت من بعدها العروبي وسموا أنفسهم بالبعث السوداني و(ديل ما في الحساب)،مجموعة أخرى فصلت من الحزب والتحقت بتنظيم آخر ولكن التجاني مصطفى (البعث منظمة السودان) قام بفصلهم.
عفواً هل الخلافات سياسية أم فكرية أم ماذا؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : بل هو خلاف يتعلق بالقدرة على تحمل تبعات النضال.. لم يتحملوا تبعات النضال فغادرونا.
ما هي مرجعية البعث الآن؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : مرجعية مبادئ الحزب ونظامه الداخلي.. لم تكن مرجعيتنا جغرافية بل المبادئ.
أنتم معنيون بالخارج أكثر من الداخل.. ما رأيك.؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : ما هي القضايا الداخلية، التي لم نهتم بها؟
أنتم ترون أن بغداد هي مركز الكون.
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : بل ليست لديك حيثيات تشير إلى أن حزبنا أهمل قضية سودانية واحدة ثوابتنا الوطنية هي السيادة والاستقلال و الوحدة والوطنية والديمقراطية والتنمية ونحن ضد منطلق الانعزال.. لا يمكن القول إن ما يحدث في تشاد لا يهمنا لأن ما يحدث هناك يؤثر علينا نزوحاً واستقراراً.. ولا يمكن القول إن الأزمة المالية العالمية لا علاقة لنا بها لأن من واجبنا حماية اقتصادنا الوطني، نحن ننظر إلى الخارج بمعيار المصلحة الوطنية لأن البعث هو التوازن، التوازن هو السمة الغالبة لحركة البعث، فهم الناظم للعلاقة بين الخاص والعام بين الروحي والمادي بين الداخلي والخارجي وبين الوطني والإنساني بين الديمقراطية والتنمية، وبين الوحدة الوطنية الإستغلال.. الخ.
هذا التوازن في الرؤية عند البعثيين هل يقودك إلى تصديق مجيء الانتخابات؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : الانتخابات مطلوبة من جانب النظام لأنه يبحث عن الشرعية من خلالها وهو يسعى إلى الاكتساء بالشرعية عبرها، ويريد منها رقماً يتجاوز الآخرين.. نحن نرى أن الانتخابات وسيلة لغاية، ولن تتحقق الغاية ما لم تتوفر لهذه الوسيلة جملة شروط أهمها الحريات العامة، تكافؤ الفرص وليس مصلحة المؤتمر الوطني في الشمال والحركة في الجنوب.. نحن لا نستطيع إقامة ندوة أو الإطلالة عبر فضائية بالمساواة مع الآخرين. فكيف نخاطب شعبنا؟
إذن أنت لا تصدق ما يقال عن قيام الانتخابات في فبراير القادم؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : ليس تصديقاً أو تكذيبا، بل متى وكيف تكون الانتخابات حرة ونزيهة ومتاحة أيضا.
كيف ستدخلون الانتخابات، ما هي وسائلكم؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : تجربتنا تقول إن الانتقال من سلطة استبدادية إلى التعددية لا يمكن أن يتم إلا بطاقم لا علاقة له بالنظام السابق، ولا بد من سلطة انتقالية أو حكومة تكنوقراط تدير البلاد قبل إجراء الانتخابات، وبعد إزالة كل القوانين المقيدة للحريات بالإضافة إلي ضرورة إسترداد ما تمت مصادرته من ممتلكات حزبنا.
هناك دعوة من الحركة الشعبية لاجتماع في جوبا، وأعتقد أن جندها الأول يناقش هذا الأمر، هل وصلتكم هذه الدعوة؟ وما هو وضع العلاقة بينكم وبين الحركة الشعبية؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : ضمن الاجتماع العام للأحزاب نعم، ونحن جاهزون للمشاركة وتلبية الدعوة. الدكتور نافع علي نافع، أعلن مؤخراً أن تشكيل حكومة قومية هو مقترح مرفوض من جانبهم، بالإضافة إلى ذلك فإن الحركة الشعبية شريك في السلطة. الحركة يمكن أن تكسب المصداقية إذا أوقفت التهديد بانفصال الجنوب عبر صيغة الاستفتاء وحق تقرير المصير، وإذا فضت الشراكة.. إن خيار أبناء شعبنا ليس الانفصال، وليس ما يقرره المؤتمر الوطني هو ما يعبر عن خيارات الشمال.. الحركة عليها مغادرة مقعد الشراكة لتبقى جزءً من حلف معارض حقيقي، وعند ذلك لن يصمد النظام سويعات. موقفنا من الحركة الشعبية يحدده موقفها من النظام وبرنامجها لاسيما فيما يتعلق بوحدة السودان وإستقلاله عن كل وصاية أجنبية
هل يمكن للحركة أن تتخلى عن المكاسب التي حققتها باتفاقية السلام؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : النظر إلى الاتفاقية بمفهوم المكاسب يعني أن هناك طرفاً خاسرا، لكن الاتفاقيات حين تبرم ينبغي أن توفر استحقاقات، لأن المكاسب عرضة للمغامرة، الضمانة الأساسية للحركة هي شعب السودان والقوى الديمقراطية، وليس قوى التصعيد التي أبرمت معها الاتفاقية. فهم يتحدثون دائماً عن أن المؤتمر الوطني لم يلتزم بالاتفاقية.
هل لديك معلومات عن حادثة القبض على صدام؟ كيف قبض عليه ولم يقبض على الدوري، مع أن المفترض أن يكون صدام هو الأعلى تأميناً.؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : هناك أخطاء حدثت. سمعت أن هناك مُقربين وشوا به. هناك خلل ما لا أستطيع أن أحدده.
هل في الآمر خيانة؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : عليّ الإشارة أولاً إلى أن هناك خسارة وقعت، الوشاية هي خيانة، الرئيس صدام كان يظهر على شاشات التلفزيون قبل الحادثة.. ولم يقبض عليه داخل حفرة.
لماذا أعتمد الحزب على كاريزما الرجل الواحد؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : الكاريزما ليست صناعة، فهو في مسيرته كلها، وفي اعتقاله ومحاكمته واغتياله قدم النموذج، مشهد صدام هو كما قال الرفيق القائد المؤسس بأنه هبة الله للبعث وهبة البعث للأمة.. ابن البعث.. كاريزما صدام جسدت مبادئ البعث وكان هو البعث يمشي على الأرض.
هل كان صدام ديكتاتوريا؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : قلت لك في البداية إن السلطة التي تسلم السلاح لشعبها لا تخشاه.. حدثني عن ديكتاتور واحد على وجه البسيطة سلم شعبه سلاحاً.. السلطات تسحب جيب الذخيرة وإبر الدبابات من قواتها.. وما هي المعايير لوصف الرئيس صدام بالديكتاتورية؟.. هناك تهم من كثرة تكرارها يأخذها الناس كمسلمات، مثلاً علي كيماوي.. دمغوه بهذا الاسم حتى لا يقال إن حلبجة ضربها الإيرانيون وهكذا قيل عن البعث إن ملحد ودموي وإن صدام ديكتاتور.. الإعلام عندهم يدق على كذب صريح.. مثل أكاذيب بوش عن أسلحة الدمار الشامل وعلاقة البعث بالقاعدة.. هذه دعاية الأعداء..
أين وسائل دعايتكم أنتم، على الأقل في الانتخابات المتوقعة؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : لو عملنا (بمنطق الحمام الزاجل) فنحن قادرون على الوصول إلى شعبنا. لقد صادر النظام ممتلكاتنا وسعى لأن يجردنا من كل قنوات الاتصال بالجمهور وكوادرنا من حملة الدكتوراه والماجستير (حايمين) في الشارع، وبعضهم يعمل (طُلبة) بسبب حرب أجهزة النظام علي توظيفهم –أي لحرمانهم من التوظيف، ولكننا مناضلون نعرف أن الطريق شاق وطويل وكلنا ثقة وعزيمة علي الوصول إلي نهايته..
هل أنتم يساريون؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : التوصيف باليسار صعب الآن، تعبيرات كثيرة في الاشتراكية غابت عن قاموس الشيوعيين وصارت من الماضي المراد التخلص منه..
هل أنتم حزب يساري؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : نحن حزب يساري يؤمن بالبعد الطبقي في الصراع، وضد اقتصاد السوق والخصخصة وضد التدخل الأجنبي والوصاية، ونناضل من أجل الديمقراطية.
أخيراً.. ما رأيك في التمدد الإيراني بعد سقوط بغداد؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : النفخ في الدور الإيراني والتناغم الإمبريالي الصهيوني وإن بدا وكأنما هناك تقاطعاً فهو محسوب، والمقصود منه استخدام إيران كفزاعة لاستدامة تواجد الاحتلال في بلدان المنطقة.. فبعد الخطر الشيوعي جاءت الفزاعة الإيرانية، و المؤكد أن لإيران مشروعها التوسعي وأطماعها هذه ليست جديدة، وبقدر ما ساعدت إيران قوي الإحتلال فإنها كذلك سعت لتوظيف الإحتلال لخدمة مشروعها التوسي، ولقد تكشفت المطامع والمخططات الإيرانية ودورها المساعد للإحتلال ومحاولتها لزرع الفتنة الطائيفية والجهوية في العراق، لذلك لا يثاورنا أدني شك بأن وعي العراقيون بحقيقة الموقف الإيراني سيجعل ضربات المقاومة لا تفرق بين عملاء إيران وقوات الإحتلال بإعتبارها وجهان لعملة واحدة.
هل يتفاوض البعث مع الاحتلال؟
الأستاذ عثمان إدريس أبو رأس : نعم، لتنظيم خروج الاحتلال، ولكن لا نتفاوض مع عملاء الاحتلال.
صحيفة الأخبار السودانية بتاريخ 2/6/2009 م