بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(الحلقة الأولي)
– حزب البعث يقود المقاومة في العراق.. هذه المقاومة عززت من تنظيمات الحزب في كل الوطن العربي
– الحركة الشيوعية عبرت عن المعاصرة دون ان تهتم بالعمق التراثى والروحى والقيمى لشعبنا
– القاعدة لها وجود محدود في العراق… ولماذا تطارد امريكا حزب البعث؟
– شعار الاصالة والمعاصرة شكل حلاً حال دون الإنعزال عن العصر وسمح بالتفاعل الحي مع التراث
يسرنا ان يكون ضيف اخبار اليوم الاستاذ المفكر على الريح السنهوري امين حزب البعث القطرى وعضو القيادة القومية.. مناضل قديم عرف دروب النضال من اجل فكرة آمن بها وعمل بها.. فترة طويلة من الزمان.. محاور ذو افق قوى واسع وشخصية سودانية في طباعه وبساطته.. صريح وواضح في حديثه متواضع في تعامله.. نحاول ان نبحر معه في دروب السياسة ونتابع رحلة حياته الثرة.. موثقين لاحد الاحزاب العقائدية التى شكلت ارثاً من القيم والفكر في الساحة السياسية السودانية.
حزب البعث منافذه مغلقة بينما الاحزاب الاخرى متاحة وتواجده في الساحة الاعلامية عن طريق شعاراته علي الحوائط بينما يجهل الكثير من الناس كنهة الحزب وبرامجه.. ماهو التفسير لهذه الحالة؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : هناك عدة اسباب لهذه الظاهرة وانا اشكرك لانك تطرقت لهذا الموضوع لانه موضوع مهم. وهم يمثل اشكالية قائمة في السودان ومن اهم الاسباب أن حزب البعث نشأ في ظل (ديكتاتورية) نظام عبود فقد تأسست اول خلية لحزب البعث 1960 وبدأ نشاطه في القطاع الطلابي في الجامعات والثانويات.. وكان اعضاؤه يتعرضون للاعتقال مثل محمد سليمان محمد الخيلفة أول أمين سر للحزب وبدرالدين مدثر امين السر السابق رحمهما الله وغيرهما الذين اعتقلوا ابان ديكتاتورية نظام عبود. وللفصل من الدراسة كما فصل الشهيد محمد سليمان الخليفة واضطر للهجرة الى سوريا للدراسة هذا جانب.
ماهو الجانب الاخر؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : الجانب الاخر ان حزب البعث قد نشأ في السودان بعد قيام تنظيمين عقائديين هما حركة الاخوان المسلمين والحزب الشيوعى وكلا الطرفين كان يعتقدان ان حزب البعث يمكن ان يزاحمهم في ساحة الحركة الطلابية.. من جانب الاسلاميين كانوا يعتقدون ان حزب البعث بتعبيره عن (الاصالة والمعاصرة) يمكن ان يسحب البساط من تحت اقدامهم لانهم حصروا انفسهم في الجانب (الماضوى) من التاريخ العربى والاسلامى هذا التعبير الذى يجمع بين الاصالة والمعاصرة يشبع عند الانسان حاجته (للتمترس) وراء تراثه دون الانعزال عن العصر..
لذلك رأوا في البعث بديلا لهم.. بديل تاريخى وبديل ايدلوجى وبديل سياسي.. كذلك الحركة الشيوعية التى عبرت عن المعاصرة دون ان تهتم بالعمق التراثى والروحى والقيمى لشعبنا ، أى انها تجاوزت اصالة هذا الشعب ، كانت تري في البعث الذى يعبر عن المعاصرة مع التعبير عن عمقه الاصيل ايضا بديلاً تاريخيا وفكريا وسياسياً لذلك عمل التنظيمان الاسلامى والشيوعى علي محاصرة وخنق التيار القومى منذ نشوئه وناصبوه العداء الشديد.
من ناحية ثالثة : فان حزب البعث لم يكن حزب قبيلة او طائفة ولم يستظل بانتماء جهوى قبلى حتى يكون له قاعدة جماهيرية وانما اعتمد في كسب عضويته علي القناعة بفكر البعث.
ومرحلة مابعد ثورة اكتوبر 1964التى توفرت فيها اجواء للممارسة الديمقراطية كانت مرحلة صعود الناصرية ومرحلة المد الناصرى القوى في السودان وهذا المد قد تسلقته كافة الاحزاب السياسية ولو رجعت لبرامج حزب الامة والحزب الاتحادى وبشكل خاص الحزب الشيوعى في تلك الفترة ستجد ان برامجهم هى برامج ناصرية لذلك استطاعوا ان يحتووا الى حد ما المد الناصرى الذى كان ينبغى ان يصب في اتجاه البعث باعتبار (الفكر الواحد والخندق الواحد) او تمكنوا من تحييد هذا المد من خلال تسلقهم له. ومن خلال تبينهم لشعارات واهداف حركة الثورة العربية في والوحدة و الحرية والاشتراكية.
كذلك في مرحلة نميرى والانقاذ كان حزب البعث باعتباره حزباً متمسكا بالمبادئ ومستعدآ للنضال.. الاكثر تعرضا للقهر والتعذيب والعسف.. فقدم كواكب من الشهداء في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية. وعانى المناضلون من التشريد من الخدمة ومن عدم التوظف في دوائر الدولة…… لهذه الاسباب فقد تكالبت أوسع القوى علي محاصرة هذا الحزب جماهيريا والتعتيم على دوره النضالي وذهب البعض الى تشويه سمعته واختلاق افكار غير صحيحة عن تاريخه وتجربته واهدافه وعن نواياه،!! يضاف لذلك عوامل اخرى.
هى الموقف من تجارب البعث خارج السودان فالأحزاب التى تتكئ علي الغرب او الشرق اتخذت موقف سلبى تجاه حزب البعث لان حزب البعث التزم (بالاستقلالية) إلتزم الدفاع عن استقلالية الامة العربية. واستقلالية قرارها واستثمار ثرواتها ورفع شعار نفط العرب للعرب. وان ثروة العرب للعرب. ولان هذا الحزب كان يسعى لتوحيد هذه الامة. وبناء نظام تقدمى لذلك وجد محاربة من الكتل الدولية الطامعة في السيطرة او في ايجاد مواطئ قدم للنفوذ داخل الوطن العربى. واتفق الغرب والشرق علي محاصرة تجارب البعث واضعافه بالرغم من استعدادها للتعامل مع تجارب لا تنسجم في ممارستها مع القيم المعلنة شرقاً او غربا.. لان التجارب الاخرى بحكم تركيبتها القطرية لم تكن تتعارض مع المصالح الاساسية للكتل الدولية والاقليميه. ولا مع استراتيجياتها في المنطقة بينما البعث كان يتناقض معها تناقض جذرى. ويرفض هيمنة اية استراتيجية دولية علي هذه المنطقة. من هنا كان حزب البعث اول من حارب الاحلاف العسكرية. واول من حارب التبعية سواء للغرب او الشرق ودعا لاستقلالية هذه الامة. وتبنى فكرة ان هذه الامة امة اصيلة.. مرت بعهود من الإنحطاط ولكنها امة قابلة للتجدد قابلة للنهوض والانبعاث من جديد.. ليس بذات صيغة انبعاثها في عصورها القديمة قبل الاسلام سواء الحضارات العراقية او اليمنية والشامية والمصرية والسودانية.. الخ ولكن بما يتناسب مع ظروف هذا العصر.
أمة رسالة.. ماهى خصائص ومعالم هذه الامة المنبعثة من جديد؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : ان هذه الامة تذوقت طعم الرسالة اى انها ليست امة تعمل لذاتها وتنهض لذاتها وانما يقترن نهوضها برسالة انسانية لتحرير كل الانسانية للوقوف مع كل حركات التحرر.. مع العدل مع السلم في العالم.. انها امة ترفض الظلم لها ولغيرها وترفض العجرفة القومية والعجرفة العنصرية والعجرفة من اي نوع كان، وانها الامة التي حطمت الامبراطوريات التي تسلطت علي الأنسانية من قديم الزمان.
انها مؤهلة الان لتحرير العالم من سيطرة هذه الامبراطوريات وعندما انهار المعسكر الشيوعي وتفتت الاتحاد السوفيتى وتمكنت الولايات المتحدة قائدة الامبريالية العالمية من التربع علي عرش القطبية الاحادية وجهت عدائها بالدرجة الاولي للامة العربية.. ان عدائها للاسلام مقصود به في الدرجة الاولي الامة العربية. لأن العرب هم قلب الاسلام.. وهم الملاك الذي حمل الرسالة والقادر علي حملها من جديد اتساقأ مع تاريخ الرسالة وطبيعتها ولغتها ودورهم الاساسى فيها. وبحكم تراث هذه الامة التي عندما نهضت استطاعت ان تستوعب اقوام مختلفة انصهرت كلها في بوتقتها اي ان هذه الامة العربية لم تتكون من الاساس تكونا عنصريا. فهى ليست امة عرق او عنصر انما هي امة حضارة وثقافة ولغة.. والرابط بين ابنائها هو الحضارة والثقافة واللغة والتاريخ والمصير المشترك.. اى هى امة منفتحة وبالتالى امة قابلة للتمدد ولكن هذا ليس هدفها…. التمدد يأتى نتيجة لانها تحمل رسالة انسانية عادلة.
بكل تلك المقومات التى تحملها الامة العربية كيف هى مع نظرة الغرب لها.. علي ضوء الواقع القائم العالمى منها وخلق صراعات ضدها؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : ذاكرة الغرب بشرقه وغربه تختزن هذه المعلومات عن هذه الامة وعن دورها التاريخى ولذلك وجدت الامبريالية العالمية بعد انهيار المعسكر الشيوعى وتفتت الاتحاد السوفيتى. ان صراعها الاساسى ينبغى ان يوجه لهذه الامة. وصدرت افكار كثيرة (صراع الحضارات.. والاسلام هو العدو الخ) وانت تعلم ان الغرب لايميز بين الاسلام والعروبة.. وهذه حقيقة لان الاسلام والعروبة وجهان لعملة واحدة.. مترابطان عضويآ.. بينما نحن في بلادنا نجد ان بعض الشعوبيين يميزون بين الاسلام والعروبة يريدون ان يخلقوا تناقض مصطنع بين الاسلام والعروبة.. وهذه الدعوة البعثية لانها دعوة عميقة، لانها دعوة تسعى لتغيير جذرى في الواقع العربى نحن نستخدم مصطلح الانقلاب علي الواقع. ليس المقصود بالانقلاب علي الواقع كما يروج اعدائنا (بالانقلاب العسكرى) الانقلاب علي الواقع اى التغيير الجذرى للواقع.. نريد ان نغير واقعنا كعرب.. وان نغير واقعنا كافراد وكمواطنين. اى ان الانسان يجب ان ينقلب علي مفاهيم الواقع الفاسد الموروث من عهود الانحطاط.. وبالتالى ان تنقلب الأمة علي هذه المفاهيم وتحرر نفسها وتنبعث من جديد حتي تكون مؤهلة وجديرة بحمل رسالتها تجاه الانسانية.. هذه المفاهيم العميقة تجعل الفكر البعثى يصطدم بقوى متعددة.. يصطدم بالتخلف كواقع وبالقوة التى يفرزها واقع التخلف الموروث وتصطدم بالقوى الجديدة التي أستلبت ثقافيا من قبل الغرب سواء كان الغرب الرأسمالى او الشيوعي…. أستلبت ثقافياً بحيث انها صارت ترى النموذج والقدوة في تجارب الغرب الرأسمالي أو الشيوعى.. لقد اصطدمت الامة العربية في نضالها من أجل الوحدة والتحرر والتقدم كما اسلفت باستراتيجيات القوى العظمى الطامعة في المنطقة. واصطدمت الي جانب ذلك كله وفي المركز ببناء كيان صهيوني يفصل بين مشرق الوطن العربى ومغربه. كيان عنصرى عدوانى كان الهدف الاساس من اسناد الغرب له وتعزيزه هو ان يلعب دوراً معوقاً لوحدة ونهوض هذه الامة.
القضية ليست قضية حدود في صراعنا مع الكيان الصهيونى.. بان ياخذ دولة في جزء من فلسطين وياخذ بقية الشعب دولة في الجزء الاخر ان هذا الكيان له هدف والقوى التى زرعته لها هدف في هذه المنطقة.. ومن بين اهدافها الحيلولة دون نهوض هذه الامة ، فتكالب مجموع هذه القوى كان من شأنه ان يضعف حركة الثورة العربية.
ويمكنك ملاحظة ان بعض الانظمة الرجعية تقبل باحتضان احزاب مثل الحزب الشيوعى وتنمى وتغذى الحركات الاسلامية. وان قوى مناهضة للاسلام مثل القوى الرأسمالية الغربية تتبنى حركات اسلامية معينة وتدرب كوادرها بما فيها كوادرها الامنية في الولايات المتحدة ولكنهم جميعاً يسعون لايجاد بدائل لفكر البعث ولتجربة البعث.. فاحتضان هذه الحركات والترويج لها الهدف منه هو محاصرة تجربة البعث. وعندنا الان تجربة حية في العراق.
لندلف الي الساحة العراقية ونستجلى حركة المقاومة التى هى في مواجهة مباشرة.. يومية فما هى قراءتكم لها من خلال تطورها اليومى..؟ ومن خلال تحليلكم السابق لمحاولات طمس معالم البعث العراقى هناك؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : في العراق.. لا اقول ان البعثيين ينفردون بالمقاومة ولكنهم اول من بادر بها في 9 ابريل2003 م وخططوا لها واعدوا لها عدتها ولذلك انطلقت من اليوم الاول للاحتلال باعتبارها الصفحة التالية فالصفحة الاولي كانت المواجهة شبه العسكرية لقوات الاحتلال وكان البعث وقادته يدركون انهم لا يستطيعون ان ينتصروا على الامبريالية العالمية ومن هم ورائها في حرب نظامية لذلك اعدوا الصفحة الثانية وهي الحرب الشعبية (حرب العصابات) مع ذلك نحن نعترف بان هناك قوى أخرى دخلت في هذا الميدان لأن كل العراقيين لهم مصلحة. وعليهم واجب وطني وقومي وديني في مواجهة الاحتلال. فكان من الطبيعي ان أية مجموعة عشرة أو عشرين او مائة أومائتين أن نكون لها تنظيماً وان تقاتل ونعتبرهم جميعاً في خندق واحد ولكن انت لا تسمع في اجهزة الإعلام العربي المتأمرك إلا ما ندر كلام عن مقاومة البعث للاحتلال داخل العراق! إنما الترويج جله لتنظيم القاعدة.. التي هي تنظيم دخل العراق بعد عام ونصف من الاحتلال.. وله وجود ولكن وجوده محدود.. وجود فني.. يمكن ان يكسب مجامبع في مناطق مختلفه ولكن ليس لديه عمق شعبي فضلا عن انه يلعب دوراً طائفيا وهذا يعني ان امريكا تحقق ثلاثة أهداف من خلال الترويج للقاعدة في العراق.. الهدف الاول التعتيم على المقاومة البعثية والتي هي الأساس في المقاومة في العراق.. الهدف الثاني خلق اصطراع طائفي لأن القاعدة تمثل التطرف في وسط السنة. وهي لا تستطيع ان تكسب في الوسط الشيعي. الهدف الثالث اضعاف المقاومة من خلال اشغال الشعب العراقي بالفتن والصراعات الطائفية.
حزب البعث مطارد في كل البلدان أو أغلب البلاد العربية.. ألا يكون هذا مبعث سؤال.. لماذا هذه الحرب ضد البعث بالذات؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : واذا نظرت إلى أية ساحة من ساحات الوطن العربي.. تلاحظ ان هناك ترخيصاً يعطي لمختلف الاحزاب السياسية المتطرفة. ولكن يحظر على حزب البعث العمل القانوني. فيما عدا قطرين هما (الأردن واليمن) حيث يسمح لحزب البعث بالعمل مع القيود القانونية في قانون الاحزاب وفي لبنان أخيراً وباسم غير اسمه. في موريتانيا حل الحزب ما لايقل عن عشرة مرات وفي كل مرة يضر لان يأخذ الترخيص باسم جديد و بمؤسسين جدد. فلماذا هذا التوافق في كل الوطن العربي على محاربة البعث. هناك مركز يسعى لاجتثاث البعث وله سياسة معلنة هو المركز الامبريالي الصهيوني الرجعي الذي طرح قانون وخط اجتثاث البعث، وليس حظره وايقاف نشاطه انما اجتثاث، واجتثاث يعني انتزاع من الجذور وكل الأنظمة الخاضعة للامبريالية تنفذ هذه السياسة.. وليس الأنظمة وحدها إنما هناك نخب وافراد وقوى نافذة في بعض الأحزاب لها ارتباطاتها بالامبريالية والصهيونية عدا عن دوافعها الذاتية كلها تسعى لمحاصرة البعث.. ومع ذلك ظل البعث صامد.. غير قابل للاجتثاث وغير قابل للمحاصرة ولكنه يشق طريقه يوماً بعد الآخر… يحاصرونا في الإعلام ننتشر وسط الطلبة.. الآن حزب البعث في السودان هو القوة الطلابية الأولى إذا استثنينا المؤتمر الوطني! فحزب البعث هو التنظيم الأول في جامعات السودان!
بعد هذه المرافعة التي شملت حزب البعث في مسيرته وفكره لابد أن نطرح السؤال بكل وضوح وصراحة… وهو: هل معني ذلك ان حزب البعث بكل هذه القوة حتى يحاربه الغرب وتحاربه الدول وتفرد له المخططات من اجل اجتثاثه؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : أقوى ما في البعث هو فكره.. فكر البعث يخاطب الفطرة السليمة عند الإنسان.. الفكر الذي يوحد الشخصية العربية.. فأنت حينما تكون بعثيا فانك لا تعاني من أن انتمائك هذا سوف يجعلك تخسر دنياك أو تخسر آخرتك.. لان حزب البعث هو حزب الايمان البعث مع الإيمان ضد الإلحاد وفي نفس الوقت لا يغفل عن الواقع… ينطلق من تراثه ومن قيمه الروحية ولكنه منفتح على الواقع المعاصر فهو حزب المعاصرة وحزب التحرر وحزب الاشتراكية. فهو الحزب الذي يوازن بين الدنيا والآخرة. يجد فيه الإنسان العربي ضالته ولكن لايجد هذ التوزن أو هذا الفكر الذي يوحد شخصيته في أي فكر آخر.. إضافة لذلك فحزب البعث قد شخص الواقع العربي تشخيص دقيق وعميق وانطلق من هذا الواقع.. لكنه لم يستسلم له… فهم الواقع وانطلق منه لتغييره. هناك قوى تفهمت الواقع العربي ولكنها عملت على تكريس هذا الواقع. هي مجرد تعبير عن الواقع القائم الآن ،الواقع الفاسد ، وليست حركة انقلابية على هذا الواقع.. وهناك قوى ليس لها جذور في هذا الواقع.. لم تدرس هذا الواقع ولم تستوعب هذا الواقع.. ولم تغوص في الجذور أنما تطفو في السطح.. ففكر البعث هو اقوى ما في البعث وتجارب البعث قد اثبتت مصداقية البعثيين.. لأن البعث يفعل ما يقول وإذا عاهد صدق وإذا وعد وفا… وهذه تجربتنا الاخيرة في العراق خير دليل على ذلك. فحزب البعث في العراق كان حزب يحكم واحدة من اغني الدول العربية ومع ذلك عندما وضع على المحك ان يختار بين المبادئ وبين السلطة اختار المبادئ.. ان يكون اميناً لمصالح الجماهير أو ان يبقي على كراسي السلطة يتمتع بخيرات العرق اختار ان يلتزم بقضايا الشعب ومصالحه.
البعث كان يعرف في العراق انه لا يستطيع ان ينتصر على امريكا في الحرب النظامية ولكن تعاهد البعثيون على ان يستشهدوا أو ان ينتصروا وانهم سوف يقاوموا حتى النصر وقدموا الدليل على ذلك ابتدءا من الامين العام للحزب القائد الشهيد صدام حسين والى اليوم.. لقد استشهد في العراق اكثر من 120 ألف من كوادر البعث العربي الأشتراكي ولايزال البعثيون متمسكون بمبادئهم.. وبدون تحسر على فقدان السلطة.. لان السلطة في نظر البعثيين هي وسيلة لاغاية ، هي وسيلة لتحقيق أهداف الامة العربية. وان المقاومة تعني تجديد قوى الشعب وتجديد حركة البعث وان الثمن لذلك هو تقديم التضحيات. حزب البعث لم يعِد اعضائه ولم يعِد الامة العربية بان طريقه هو الطريق السهل بل كان مؤسسه المرحوم احمد ميشيل عفلق بؤكد دائمآ بان طريقنا هو طريق شاق ملئ بالتضحيات وانه ينبغي علينا أن نقدم تضحيات عظيمة في سبيل تحقيق أهداف الأمة العظيمة. فالاهداف السهلة لا تحتاج إلى تضحيات كبيرة لآنها تتحقق بسهولة ولكن الأهداف العظيمة، توحيد هذه الامة وتحريرها والنهوض بها في مواجهة كل القوى التي ذكرتها في تناقضها وتعارضها مع هذه الأهداف يتطلب تضحيات كبيرة بالنفس وبالمال وبكل شئ. فهذه التجارب الكبيرة والعظيمة. مواجهة الامبريالية والصهيونية.
والقوى التي يفرزها واقع التجزئة والتخلف والتبعية في بلادنا هي التي تجعل البعث يواجه قوى واسعة جداً.
(الحلقة الثانية)
– تجربة البعث في العراق لم تسقط ولكن لهذه التجربة صفحات
– نحن ضد المحكمة الجنائية الدولية.. منذ ان طالبت بتسليم مواطنين سودانيين. نأمل في محكمة دولية عادلة تستطيع ان تحاكم بوش وبلير وقادة الكيان الصهيوني
الحدث المؤلم كان سقوط بغداد بأيدي المحتل.. فهل هذا يعني سقوط للبعث.. وهزيمة لفكره الحاكم؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : في عام 2003م اجرت معي صحيفة حوارا وقلت فيه ان بغداد لم تسقط وان العراق لم يستسلم فبغداد قد احتلت ولكنها لم تسقط. كان يمكن لبغداد أن تسقط لو ان قيادة العراق قد استسلمت للعدو.. قيادة العراق لم تستسلم والحرب لاتزال دائرة.. هذا الكلام قلته قبل 6 سنوات ولا تزال الحرب دائرة… في حينها قال بوش الصغير أن الحرب قد انتهت وبعد أربعة أشهر تراجع عن كلامه وقال لم اقصد ان الحرب قد إنتهت انما قصدت أن العمليات الرئيسة في الحرب قد إنتهت.. فالحرب لا تزال مستمرة في العراق.. الحرب لم تنته في 23 يوما أو شهر كما روج الامريكيون. الحرب مستمرة لست سنوات ودخلت في السنة السابعة.. الآن بغداد تقاوم والعراق يقاوم.. العراق لم يسقط فقد سقط الذين استسلموا دون حرب للعدو الامبريالي الصهيوني أما الذين.. يقاتلون ويقاومون فهم الصامدون وهم الواقفون على أقدامهم. الآن استشهد القائد صدام حسين وحل محله القائد عزت إبراهيم الدوري.. ولازال يقاتل ويقاوم من داخل العراق. تجربة البعث لم تسقط ولكن لهذه التجربة صفحات.. التجربة لم تبدأ باستلام الحزب للسلطة في العراق تجربة البعث بدأت في العراق منذ تكوين اول خلية للبعث في العراق ولاتزال التجربة مستمرة ولكن ضمن صفحة أخرى.. قبل 9 أبريل 2003م كانت تجربة البعث هي قيادته للسلطة الوطنية والقومية التقدمية في العراق..
الآن حزب البعث يقود المقاومة في العراق.. هذه المقاومة عززت من تنظيمات الحزب في كل الوطن العربي. لقد توقع الاعداء ان حزب البعث سينتهي باحتلال العراق وبضرب البعثيين ولكن البعثيين قد استمدوا القوة والعزيمة والاصرار للمضي قدماً في طريق النضال من ثبات ومقاومة و بسالة ورجولة رفاقهم في العراق. فضلاً عن ذلك أن تجربة البعث التي تستند الى هذا الفكر العميق.. فكر تحرير الامة و توحيدها والنهوض بها.. هذه الفكرة لم ولن تسقط اطلاقا مهما فعل الاعداء حتى لو تمكنوا من قتل كل البعثيين الموجودين الآن في الوطن العربي فسينبت جيل جديد من البعثيين يتبني ذات الفكرة ويناضل من أجلها لأن هذه الفكرة تعبر عن حاجة حيوية وضرورية للامة العربية. الأمة العربية لابد أن تتوحد.. ليس لان قوميات متعددة لا يجمع بينها جامع قد توحدت في الاتحاد الأوربي أو تسعى للتوحد في أمريكا اللاتينية ولكن لان لهذه الأمة دور وعمق حضاري ورسالة ينبغي أن تحملها الي الإنسانية. لذلك الحاجة إلى فكر البعث هي حاجة عميقة وهي ضرورة ملحة بالنسبة لأمتنا في هذا العصر. فتجربة البعث لن تسقط على الأطلاق مهما تكالب عليها الاعداء.
عملية احتلال بغداد هل حدثت نتيجة لعدم تكافؤ في القوة ام تقصير ما حدث أم خيانه عظمي.. ما هو تحليلكم لهذا السقوط المفاجيء؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : الاحتلال كان نتيجة طبيعية لعدم تكافؤ القوى. هذه القوى التي استحضرت وتجمعت وحشدت لاحتلال العراق هي القوى التي كانت ترسانتها نتاج جهد استمر عقود من الزمن منذ الحرب العالمية الثانية في مواجهة المعسكر الامبريالي للمعسكر الشيوعي. وهذه القوى توجهت للعراق بعد حصار دام ثلاثة عشر عاما منعت فيه العراق حتى من أقلام الرصاص. واعتمد العراق على موارده الذاتية المحدودة. وهذه القوى توجهت للعراق بعد أن قام مجلس الامن بتجريد العراق من سلاحه. وهذا يرتب على مجلس الامن مسؤلية أخلاقية.. أن تجرد بلدا من سلاحه فعليك أن تحميه ولكن مجلس الامن تخلى عن هذه المسؤولية الأخلاقية.. صحيح انه لم يوافق على غزو واحتلال العراق فقد تم الغزو والاحتلال خارج نطاق الشرعية الدولية. ولكنه لم يمنع ذلك. ولم يقف إلى جانب البلد المعتدي عليه ولم يقدم على رفع الحصار عنه قبل العدوان. مجلس الامن هو الذي كبل العراق بالقيود ووقف يشاهده يتعرض للعدوان.. وهذه ازمة اخلاقية عميقة يعاني منها الغرب اليوم. وسوف يعاني منهاعلى مدى قرون من الزمن.. فلذلك ان تسيطر امريكا من خلال حرب نظامية تمتلك فيها كل هذه القوة الرهيبة كان امر طبيعي ولكن حزب البعث وشعب العراق كان لهما حساب آخر.. فان أمريكا يمكنها ان تنتصر في الحرب النظامية.. يمكنها أن تسيطر على الأرض ، ولكن لا يمكنها السيطرة على ارادة شعب العراق.. ارادته في المقاومة وفي التحرير وفي التقدم. كان حزب البعث لا يراهن فقط بل يؤمن ايمان عميق بقدرة شعب العراق من خلال المقاومة الشعبية على هزيمة المشروع الامبريالي الصهيوني العدواني. وقد اثبت تطور الاحداث صحة هذا الإيمان وهذا اليقين. الآن امريكا هي التي تقر بأنها أخطأت وبانها قدمت خسائر ضخمة جداً في العراق أدت لهزة مالية تجاوزت الولايات المتحدة إلى كل العالم.
هزيمة المشروع الامبريالي؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : نعم.. المشروع الامبريالي الصهيوني يعاني الآن من الهزيمة وليس العراق وشعب العراق ولا المقاومة. شعب العراق قدم تضحيات كبيرة.. قرابة المليوني شهيد، اكثر من خمسة ملايين مهجر داخل وخارج العراق. تشريد من الخدمة وتحطيم للبني التحتية وللزراعة والصناعة وكل شيء في العراق.. واثارة فتن طائفية وجهوية.. إلخ قدم العراق تضحيات كبيرة ولكنه يمضي في الطريق الصحيح فهو مع كل ذلك لم ينهزم ولم يتراجع ولم يستسلم.
آخر لقاء مع صدام حسين؟
كنت في فترة الحرب في العراق فما هي اللحظات الاخيرة التي التقيت بها بالرئيس صدام واين كانت بالضبط؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : آخر مرة التقيت فيها بالرئيس الشهيد صدام حسين كانت مع بدء العدوان وبعد بداية العدوان تغيرت المواقع.. وكان الجميع منشغلون. بمواجهة العدوان فلم نلتق بعد ذلك لقاءاً مباشرا ولكن كنا نتبادل الرسائل فكان قسم من القيادة يجتمع معالرفيق الشهيد طه ياسين رمضان وكان هو قناة الاتصال بيننا وبين القائد الشهيد صدام حسين.
الآن بعد رحيل صدام كيف تتم اجتماعات القيادة القومية للبعث؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : القيادة القومية تجتمع بشكل دوري وتصدر بيانات عن هذه الاجتماعات.
داخل العراق ام خارج العراق؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : خارج العراق فالقيادة القومية ليس لها مقر واحد وخاصة في الظروف الراهنة.. فهي تجتمع اجتماعات منتظمة باختلاف اماكن الاجتماعات ومواقيتها ومستمرة في قيادة الحزب.
من الذي أختار الدوري قائداً للمقاومة؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : قائد المقاومة.. هذا موقعه الطبيعي بعد أسر القائد الشهيد باعتباره نائب امين سر قطر العراق وباعتباره النائب الأول للرئيس فكان شيء طبيعي يحل محله في قيادة الحزب والمقاومة اما اختياره كأمين عام لحزب البعث العربي الاشتراكي فقد تم من قبل القيادة القومية التي إنتخبته بالإجماع اميناً عاماً للحزب.
أسباب معارضة البعث
عرف حزب البعث طيلة مسيرته في الساحة السودانية بالمعارضة وفي الايام الاخيرة تلاحظ مهادنتة الحزب للحكم.. فما هي الاستراتيجية التي دعت لهذا الموقف..؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : لا ليست هناك مهادنة.. لازلنا نحن الحزب الوحيد المعارض والذي يطالب بالتغيير ونحن نعتقد أنه لا يمكن ان يجري تحول ديمقراطي إلا بتسليم السلطة للشعب وبقيام حكومة انتقالية سواء من القوى السياسية أو من شخصيات تتفق عليها القوى السياسية لإدارة البلد في الفترة الانتقالية وللأشراف على الانتخابات، وحتى يكون هناك تحول ديمقراطي لابد أن تكون هناك انتخابات حرة نزيهة متكافئة.
نحن ضد المحكمة الجنائية الدولية
كان لكم رأي معاض للمحكمة الجنائية الدولية؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : هذا رأي آخر.. لنا رأي في المحكمة و في تواجد القوات الاجنبية في السودان. نحن ضد المحكمة الجنائية الدولية وذلك منذ ان طالبت في البداية بتسليم مواطنين سودانيين وقبل ان توجه اتهاماتها للبشير.. القضية بالنسبة لحزب البعث لا تتعلق برأس الدولة وانما تتعلق بالمباديء لاننا نعتقد أن هذه المحكمة الجنائية الدولية محكمة غير عادلة محكمة موجهة لبلدان العالم الثالث فقط أي البلدان المستضعفة.. بينما نحن كحزب بعث لنا مصلحة في قيام محكمة دولية تلتزم بمعايير قانونية يتساوي أمامها الجميع.. إذا قامت مثل هذه المحكمة فنحن أول من يؤيدها. محكمة تستطيع أن تحاكم بوش وبلير وقادة الكيان الصهيوني عما ارتكبوه من جرائم وفي ذات الوقت تحاكم القوى المتسلطة في دول العالم الثالث فسوف نكون نحن أول من يؤيدها.. ولكن محكمة تعتمد معايير مزدوجة وتعتمد اسس سياسية أي أن تحال لها الملفات من مجلس الامن بينما هذه الدول الدائمة العضوية في المجلس ترفض الإلتزام والخضوع لهذه المحكمة. فهذه المحكمة الهدف منها هو ممارسة ضغوط على البلدان المستضعفة لتحقيق مآرب وأهداف امبريالية صهيونية. لذلك اعلنا رفضنا القاطع للامتثال أو الخضوع أو المشاركة في المحكمة الجنائية الدولية وطالبنا كل دول وبلدان العالم الثالث الإنسحاب من هذه المحكمة إذا كان هذا الموقف يتوافق مع موقف النظام فهذا لايغير شيئا من موقفنا تجاهه. لاننا نختلف معه في قضايا كثيرة.
الصراع على برامج؟
رغم توافق موقفكم من المحكمة الجنائية إلا أن لكم اختلافات في جانب آخر.. في بعض القضايا.؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : نختلف مع النظام في جدية التزامه بمتطلبات التحول نحوالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وغيرها من القضايا فنحن ليس لدينا مشكلة ذاتية او شخصية مع شخص أو نظام او حزب بعينه. فقضيتنا قضية موضوعية نحن نتصارع على برامج.. وفي بعض الأحيان وفي بعض المواقف تكون بعض اطراف المعارضة أبعد مسافة مننا من النظام نفسه. مثلآ فان الاطراف التي ترتمي في احضان اسرائيل هذه أسوأ حالاً.. والشقة بيننا وبينها أوسع من الشقة بيننا وبين النظام.
فالقضية قضية موضوعية نحن لا ننظر للامور من منظار ثأري أو منظار عداء متأصل تجاه فئة ما ولكن نحاكم كل قوى وفق برامجها وممارستها.
هل عرضتم رسالتكم تلك على الحكومة؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : نحن لا نعرض رسالة ونحن نخاطب شعبنا فإن كنت تعني الموقف من الجنائية فنحن نخاطب الشعب..
أنتم عرضتم اشياء محددة أو شروط محدودة؟
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : هذه الشروط طرحناها في ندواتنا مرات كثيرة منذ عام 2005م وفي لقاءاتنا بالقوى السياسية وفي اجتماعات تنسيق مع القوى السياسية طرحنا هذه الأجندة واخيراً في اجتماع رؤساء الأحزاب السياسية طرحنا هذه المطالب..
وهل وجدت إستجابة؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : الغريب في الامر ان دكتور نافع قال انهم يرفضون تكوين حكومة قومية..
لماذا؟ قال : لانها ستؤدي على تفكيك الأنقاذ وهذا من طبيعة الاشياء.. بالطبع فان الحكومة القومية ستؤدي إلى تفكيك نظام الانقاذ. فالاصرار على بقاء الانقاذ بوضعها الراهن هذا يعني الرفض للتحول الديمقراطي! فإذا اردت تحولا ديمقراطيا فلابد من تعددية وتداول سلمي للسلطة وعلينا ان نسمي الأشياء بمسمياتها فطبيعة التحول الديمقراطي هي الغاء الانقاذ.. والاحتكام للشعب ورأي الشعب وعلىالمؤتمر الوطني ان ينزل في منافسة حرة مثل بقية الاحزاب.
لننتقل إلى جانب آخر وهي فترة إعتقالكم في مراحل سابقة ماذا بقي منها في الذاكرة من مواقف؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : انا قضيت فترة اعتقالي في الأبيض 71 -1975 م
لماذا في الأبيض؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : لاني كنت في الابيض.. وحمدت الله ان اعتقلت في الأبيض.. لأنني التقيت وقابلت ودخلت في صداقات مع رفقة طيبة جداً من المعتقلين ومع المساجين ومع النزلاء.
بماذا خرجت من هذه التجربة؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : الاعتقال يصلب ارادة المناضلين ويقوي عزيمتهم وليس كما تتصور بعض الانظمة ان الاعتقال يمكن ان يضعف المناضلين.. صحيح أنه يحرمهم من التواصل مع حزبهم ومع شعبهم وهذا هو هدف الأنظمة.. ابعاد المناضلين او القادة السياسيين وعزلهم عن التأثير على جماهير الشعب لفترة معينة ولكن المعتقلات هي مدرسة للمناضلين وفرصة لبناء كادر عقائدي.. وللرفاق إينما مروا بهذه التجربة ان يستفيدوا منها في تحويل المعتقل إلى مدرسة لتربية وبناء الكادر الحزبي.. وهي ايضا فترة راحة واستجمام للمناضلين.
من هم من رفاق المعتقل.. هل تذكرهم الآن؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : أتذكر المرحوم إسماعيل عبدالله مالك – عثمان ادريس ابورأس – ومحمد الضو عمران – كمال الضو – بشير سعيد – المرحوم عبدالله شبور – المرحوم أحمد بلدو…
ما هي التهمة التي كنت تواجهها عند الاعتقال؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : في فترة ما قبل نميري.. كانت اثارة الامن العام و أذكر ان القاضي الذي قدمت امامه أكثر من مرة هو محمد علي المرضي ،حزب امه، وكان دائماً يفرض علينا غرامات. وبعد نميري كانت التهمة هي معاداة النظام والعمل على اسقاطه.. في فترة الانقاذ لم يجر اعتقالي لانني قضيت سنة بعد الانقاذ ثم خرجت إلى العراق عام 1990م وعدت عام 2003م مع وجود هذا الهامش من الديمقراطية. فلم ادخل في ما دخل فيه رفاقي، ابو راس ومحمد ضياء الدين وخالد خلف الله وعلى حمدان وغيرهم من الرفاق.
المشاركة في الانتخابات
نعود مرة أخرى إلى دنيا السياسة ونسأل هل سيشارك حزب البعث في الانتخابات القادمة؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : نعم سوف ندخل الانتخابات.. قد ندخلها من باب المشاركة وقد ندخلها من باب المقاطعة.. لأن مقاطعة الانتخابات هي معركة انتخابية أيضاً وهي مشاركة ونحن مع بقية القوى السياسية طرحنا عددا من الشروط أهمها توفير مناخ الديمقراطية.. الغاء القوانين المقيدة للحريات فتح أجهزة الإعلام بشكل معقول وعادل لكل الاحزاب السياسية. إعادة الممتلكات.. وهذا الوضع لا يسمح للقوى السياسية أن تصارعه بشكل عادل في الفترة المتبقية على مواعيد إجراء الإنتخابات. وعلى المؤتمر الوطني ان يفتح المجال أمام كل القوى السياسية لمخاطبة الرأي العام السوداني.
هل ستدخلون الإنتخابات لو قررتم في شكل منفرد أم ضمن تحالفات مع قوى أخرى؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : الفكرة مطروحة وسط القوى السياسية (التحالفات لخوض الإنتخابات) ولكن ولربما سمعت أن السيد الصادق المهدي رفض هذه الفكرة وان عناصر نافذة في الحزب الاتحادي رفضت هذه الفكرة.. والحركة الشعبية ايضاً ترفض هذه الفكرة فلاتزال فكرة تحتاج إلى مناقشة وليس بالضرورة أن تتوحد القائمة في كل المستويات ولكن يفترض ان توحد القوى السياسية مواقفها.. والاهم من ذلك التوحد حول برنامج لانه كما ذكرت سابقاَ فنحن ليست لدينا قضايا شخصية ضد شخص أوحزب فخلافاتنا مع القوى السياسية تنطلق من إختلاف البرامج السياسية فإذا كانت بعض القوى السياسية غير حريصة على التمسك بالثوابت الوطنية.. استقلال البلاد وسيادته ووحدته.. وغير حريصه على احترام سمعة السودان مثل بعض القادة الذين يذهبون إلى اسرائيل هؤلاء يسيئون لسمعة البلد.. كيف تتحالف مع هذا النمط من القادة ضد حزب آخر.. فالقضية ليست أن كل من يعارض هذا النظام هو معي أو في خندقي. لا.. هناك من يعارض هذا النظام لحساب أجندة خارجية.. لا يعارضه من اجل التعبير عن الارادة الوطنية وارادة الشعب إنما يعارضه لممارسة ضغوط تخدم قوى أجنبية.. وهناك من يعارض هذا النظام بشكل مخلص من أجل قضية الشعب وهؤلاء الذين يعارضون لمصلحة هذا الشعب يمكننا ان نلتقي معهم ونتحالف معهم. ولكننا لن نتحالف مع الذين يخرجون على الثوابت الوطنية والقومية ويضعون أيديهم في ايدي الامبريالية..
(الحلقة الثالثة)
– اللجوء لمحكمة لاهاى لفض النزاع بأبيى احد مؤشرات الأزمة الوطنية الشاملة بالبلاد
– نحن نناضل ونعمل من أجل السودان الواحد والحدود القائمة بين أنحاء السودان إدارية وليست سياسية
– المسألة الخطيرة : هناك إصرار على ترسيم الحدود بين الأقاليم وحتى داخل الاقاليم
– في الابيض كان الياس فحام الشامي المسيحي يفوز في الانتخابات البلدية
ويتواصل حديثنا في الصالون الأنيق للاستاذ علي الريح بمنزله في الخرطوم وسط.. والحديث مع الأستاذ السنهوري حديث ذو شجون يحلق في أفق السياسة وكواليس المخططات العالمية بهدوء.. دون انفعال.. وبكلمات هادئة دون تشنج.. يقدم تحليلاته الواثقة ولا يخلط الأوراق بين الواقع القائم.. وما ينبغي أن يكون فالى الجزء الثالث من هذا اللقاء الممتع والمثير
الحدث الأهم في هذه الأيام.. هو قرار محكمة التحكيم الدولية وقراراتها الأخيرة.. فبأي منظار ينظر البعث لهذا الحدث؟!
الأستاذ علي الريح الشيخ السنهوري : أن اللجوء لمحكمة لاهاي واحد من مؤشرات الازمة الوطنية الشاملة في البلاد حيث انه يعبر عن عجز القوى السياسية السودانية عن حل مشاكل الحكم في البلد ويفتح الطريق أمام التدويل وهو جزء من اشكالية المراهنة على الاجنبي ودور الاجنبي في حل مشاكل السودان.. ويرجع ذلك إلى عدم وجود اطار يجمع كافة القوى السياسية السودانية الحاكمة والمعارضة للتوافق حول ايجاد مخرج من الازمة العامة.. لأن انفراد حزب واحد بالسلطة مع وجود شريك هو الحركة الشعبية بموجب اتفاق نيفاشا لا يغير من طبيعة يونيو 1989م كثيراً، وبما أن اتفاقية نيفاشا قد نصت على التحول الديمقراطي في البلاد وعلى انشاء سلطة انتقالية ولكنها حصرت هذه السلطة في طرفي الاتفاق بينما درجنا في السودان على قيام سلطة انتقالية من القوى السياسية كافة أوسلطة تتوافق عليها القوى السياسية لقيادة البلد في المرحلة الانتقالية وأحداث التحول الديمقراطي، بكل مقتضياته.. من اطلاق للحريات العامة. تأمين للحقوق.. حل المشاكل التي تشكل عقبات إمام اجراء الانتخابات ديمقراطية ومتكافئة وأيضاً.. إعادة هيكلة جهاز الدولة بحيث يتسم بالحيدة والقومية.. وبالتالي تتوفر فرص متساوية لكل القوى السياسية في الانتخابات.