الكاتب د. بثينة شعبان
إذا كان هناك من تسمية لهذا العصر يتفق عليها الجميع فهي أنه «عصر الإعلام» حيث إن المعلومة، وسرعة وصولها، وطريقة عرضها، وأساليب التمويه فيها والتركيز على بعض تفاصيلها، أو إهمالها تماماً أو التوسع في عرضها وغير ذلك من مداخل ومخارج لهذا الأمر أصبحت ليست كما يريدنا العديد من وسائل الإعلام وممولوها أن نعتقد بسذاجة، أو طيبة قلب، أنها حرة تماماً أو بأنها صوت من لا صوت له بالمطلق، بل إنها كذلك ولكن حسب الحدث، وحسب الهدف من إيصال المعلومة المعنية أو عدمها، وحسب طرق معالجتها تلك المعلومة، أو جزء منها وفق (المواصفات) المطلوبة، أو تصنيع المعلومة وفق أحدث تقنيات الإخراج الدرامي المسرحي والسينمائي. وفي الوقت الذي أخذ الإعلام الالكتروني يتقدم الصفوف الإعلامية فإن الكفاءة الحرفية، والحنكة المهنية، والسرعة التقنية، وامتلاك مهارات الإقناع المبنية على مخرجات علوم النفس، والاجتماع، والعلاقات قد أضيفت هي أيضاً على صدقية الحدث، وصدقية نقله. وقد عكس نقل الأحداث الأخيرة في منطقتي الشرق الأوسط واليابان وعياً حثيثاً بأهمية الإعلام من قبل جميع الأطراف بحيث أصبح استغلالاً، بل تشذيباً، أو تضخيماً، أو تخفيفاً. ما يجري يرغم المشاهد الرافض للوصاية الإعلامية، على البحث عن روايات مختلفة من مصادر عديدة ومتنوعة الاتجاهات ومن ثمّ اتخاذ قراره الصعب: أين تكمن الحقيقة؟ وأي جانب منها؟ وما الهدف من إيصالها له بالطريقة التي تعرض بها؟ وتدخل حسابات شتى في نقل المعلومة اليوم، المحلية منها أو الدولية، لدى وسائل الإعلام «الحرة» منها و«الرسمية» على حد سواء، الممولة من قبل الحكومات أو القطاع الخاص أو حتى هيئات المجتمع المدني بحيث تتم صياغة الخبر، السياسي منه أو حتى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وفقاً لمواقف محددة، وتبعاً للمصالح والضغوط أيضاً، ولا ننسى برامج الحوارات والمقابلات التي تبدو أنها تقدم الآراء المتنوعة، والأنداد من السياسيين والشخصيات، وبأنها «حرة» بالمطلق أيضاً، ولكن هنا أيضاً السر يكمن في السؤال، وعن أي موضوع، وفي الجواب، والمجيب أيضاً. وقد كانت أخبار الكوارث المتلاحقة التي حلّت بالمدنيين اليابانيين، والتغطيات المختلفة تماماً من مصدر إعلامي إلى آخر للأحداث الدامية والأيام العصيبة التي تمرّ بها شعوبنا العربية في ليبيا و البحرين واليمن والتي بدأت بوادرها تزور المدن السورية، بعد أن شهدتها مدن الأردن، وفلسطين، والعراق، والكويت والسعودية ودول الشمال الإفريقي كلها أمثلة صارخة على ذلك. ففي الوقت الذي حاولت فيه السلطات اليابانية معالجة آثار كوارث طبيعية متلاحقة حلت بالمدنيين اليابانيين بطريقة لا سابق لها سعت بالخروج بالمعلومة دون إثارة الرعب بين الناس عبر تصريحاتها المدروسة، ولكنها تناست أن الباحث عن الحقيقة يمكنه أن يرى قنوات أخرى ليتعرف على تقارير وتفسيرات مغايرة، تكشف حجم المعاناة، والخطر المحدق بالأحياء والناجين من الزلازل المهددين بالإشعاع النووي.
في الوقت الذي يتفهم فيه المرء حرص السلطات اليابانية على معالجة هذه الكارثة دون إثارة مزيد من الرعب والهلع بين المدنيين فإنه من غير المفهوم على الإطلاق لماذا تأخذ فضائيات عربية رسمية الدور النمطي الناكر لما يحدث تماماً لديها فيما تواصل نقل مجريات الحراك السياسي المطالب بالتغيير في بلدان عربية مجاورة، لا بل إن بعضها أخذ دور المساند لثورة الشعب في بلد عربي بعيد بينما تتجاهل ثورة شعب عربي مجاور. ويتحول العنف في بلدان عديدة إلى مظاهر حرب شاملة بين سلطات اعتادت نمط الحكم المطلق واستساغته وبين الجماهير المطالبة بالتغيير الآن التي لا سلاح لها سوى الهتاف وحسب. هذه الأحداث لا نراها على فضائيات وصفحات جرائد البلد المعني سوى بعبارات (عناصر شغب) و»مخربين «والخ.. من عبارات الهروب من الواقع، ولكن نراها بوضوح وبالتفصيل على شاشات وصحف أخرى، رسمية وخاصة، عربية أم أجنبية على حد سواء، سجلت هي الأخرى لأسبابها الخاصة الحدث، فيما أهملت هي الأخرى أحداثاً مماثلة في بلدها، أو في بلدان عربية أخرى. وهنا يبدو أن مفهوم حرية الإعلام فُهم من قبل الجميع أن تكون وسيلة الإعلام «حرة» بأن «لا تنقل» الحدث أو «تنقله»، فهي حرة بذلك، وبأن «لا تسجل كل تفاصيله» أو «تنقل بعض تفاصيله» فهي حرة! وأن «تتوسع» في نقل الأخبار بتمعن وبدقة أو تعرض «موجزاً مقتضباً» عنه وحسب، فهي حرة.
وتتناقض الروايات بين نشرات الأخبار في الفضائيات الناطقة بالعربية إلى حد التشويش المقلق بين الثوار والسلطة بحيث لا تعلم بالضبط من يسيطر على أي مدينة أو أي حيّ، ولكن الدم العربي يسيل من الطرفين، وكل هذه الدبابات والطائرات والهليكوبترات والمدرعات وعناصر الأمن والجيوش المعبأة للقتال التي أريد لها أن تكون «درع الوطن» تستخدم اليوم لقمع الأخ الأعزل والشقيق المسالم دون هوادة لمجرد أنه يريد حرية التعبير، وحق المشاركة في الحكم، وحق حصته من ثروة البلد! ولا نعلم على الإطلاق حجم الخسائر بين المدنيين الأبرياء، ولا حجم حاجتهم إلى المساعدة الطبية، ولا نعرف مصير القتلى، والجرحى، ووضع المشافي، والدواء، ولا نعرف الوضع الغذائي، والتمويني في أي من هذه المدن العربية ولكننا نستطيع أن نقدر حجم الدمار والمعاناة في بعضها عند مقارنتها بحجم الدمار والمعاناة في غزة والعراق ولبنان، وهي الأخرى تشهد حراكها الشعبي الهاتف سلمياً أيضاً بالمطالب. وهكذا وعلى الأغلب يتم تجاهل حاجات ومعاناة المدنيين الضرورية من قبل فضائيات، وحتى فيسبوكات، وصحف عربية، ودولية، عريقة، وطارئة، على حد سواء، كل لأسبابه ودوافعه الخاصة، وبين كلّ هذا وذاك الغرب الذي نعرفه، بمصالحه الدائرة حول إسرائيل وأمنها، وبازدواجيته التي لا يخجل منها، يسعى لاستثمار دماء العرب هذه المرة أيضاً، وخاصة أنها تسيل على «يد بعضهم البعض»، ودوره الآن المحرض أحياناً، والناصح أحياناً، والمموّل أحياناً، واللاعب الفعّال دوماً، في العلن عندما يريد ويتمكن، كما كان الوضع في العراق وفلسطين ولبنان وفي ليبيا اليوم، وفي الخفاء هنا وهناك لإجهاض الثورة هنا، وتأجيجها هناك! وليس هذا مفاجئاً على الإطلاق فالغرب له مصالح كبرى في الوطن العربي لم يكن منها يوماً نشر الديمقراطية، ولا دعم الحرية في ربوعنا إلاَّ إذا كانت تنسجم مع «أمن إسرائيل» وإلاَّ فإن مصيرها سيكون مثل مصير الديمقراطية الفلسطينية!
الغرب يتدخل في هذا الوضع أو ذاك أو يترفع عنه ولكن الحراك هذه المرة له أسبابه الداخلية المتراكمة، وفي كل الأحوال فهو يبحث عن مداخل للتدخل لتحقيق مصالحه وحسب، حتى إذا دخلت بعض البلدان العربية في حروب أهلية ترى الغرب ينتظر على جانب الحدث ليتدخل في الوقت المناسب، وبالشكل المناسب لمصالحه من أجل استيعاب الفريق المنتصر وحسب، وأي مشاهد للقنوات الغربية، حتى الدولية الناطقة منها بالعربية أو بلغاتهم, يرى أن الغرب لا يعير دماءنا ولا حرية شعوبنا أي اهتمام بل إنه منشغل بالكارثة اليابانية التي ينقلها مباشرة منذ أيام دون انقطاع، وبالرياضة، وعروض الأزياء وإلخ. والهدف الأساسي بالطبع هو أن تبقى الولايات المتحدة المسيطرة على الجغرافيا العربية الإستراتيجية وأن تبقى محميتها «إسرائيل» في مأمن من ديمقراطية العرب، وحريتهم، وتوحيد كلمتهم التي سعى الغرب طوال القرن الماضي لتمزيقها، ودعم أنظمتها بأحدث أجهزة قمع الجماهير والسيطرة عليها عبر الإعلام وغيره. والخوف كل الخوف أن يدفعوا العرب وجيرانهم اليوم إلى التورط بحرب ضروس أو أن يدفعوا بلداناً عربية متجاورة إلى التورط بحروب مماثلة لتلك بين العراق والكويت أو بين العراق وإيران.
وها نحن بعد أكثر من شهرين من الحراك الشعبي المطالب بالحرية الفردية، وبالمشاركة السياسية، وبالتخلص من أنماط الحكم الاحتكارية تتأكد وقائع أن هذا هو عصر التغيير العربي، خاصة الأطر السياسية التي طال جمودها داخل قوالب أصبحت لا تلبي حاجة الجماهير وطموحاتها، وعلى الحكومات العربية جميعها الصلاح والإصلاح، الصلاح في تعاملها مع الجماهير عبر ضمان الحريات الفردية، وإصلاح علاقتها بشعوبها عبر تبني أنماط حكومية تتيح المشاركة الشعبية التعددية، وحسناً فعلت بعضها بالبدء في أخذ المبادرة بالإصلاح السياسي، والتخلي عن العديد من صلاحيات الحاكم لمؤسسات الشعب المنتخبة، لأن استعادة الجماهير العربية لكلمتها في التعبير عن طموحاتها، وفي إدارة ثرواتها هي في مصلحة الجميع.
تخطّ شعوبنا العربية اليوم مستقبل أنظمتها السياسية بأيديها ومن الواضح أنها تسعى إلى نظام سياسي جديد للوضع العربي يتسم بالتعددية، وحرية الرأي، وسلطة القانون, وهذا النظام مجرب عالمياً بأنه الشكل الأكثر استقراراً للحكم، والأكثر تلبية لطموحات الجماهير في حرية التعبير.
ومع اقتراب الذكرى المئوية لأبشع حدثين وأكثرهما شؤماً وشراً في تاريخنا الحديث، ألا وهما سايكس بيكو ووعد بلفور، يجب علينا جميعاً ألا نسمح مرة أخرى بأن نُخدَع من قبل غربٍ أعلن عداءه لنا، نحن العرب، عبر إعلانه المتكرر الدائم عن تحالفه الاستراتيجي مع إسرائيل وتسليحه لها، ودعمه وتمويله للاستيطان وشنه الحروب بعد الحروب علينا، والعدوان بعد الآخر وبلا رحمة على شعوبنا التي راح الملايين من العرب ضحية وحشيتهم من الجزائر إلى العراق، ومن المغرب وليبيا إلى فلسطين ولبنان، واليوم يعود متربصاً للتدخل في بلداننا خدمة لأهدافه المعروفة: نهب ثرواتنا، واغتصاب فلسطين، ودعم الأنظمة القمعية.
تشرين 22/3/2011
في الوقت الذي يتفهم فيه المرء حرص السلطات اليابانية على معالجة هذه الكارثة دون إثارة مزيد من الرعب والهلع بين المدنيين فإنه من غير المفهوم على الإطلاق لماذا تأخذ فضائيات عربية رسمية الدور النمطي الناكر لما يحدث تماماً لديها فيما تواصل نقل مجريات الحراك السياسي المطالب بالتغيير في بلدان عربية مجاورة، لا بل إن بعضها أخذ دور المساند لثورة الشعب في بلد عربي بعيد بينما تتجاهل ثورة شعب عربي مجاور. ويتحول العنف في بلدان عديدة إلى مظاهر حرب شاملة بين سلطات اعتادت نمط الحكم المطلق واستساغته وبين الجماهير المطالبة بالتغيير الآن التي لا سلاح لها سوى الهتاف وحسب. هذه الأحداث لا نراها على فضائيات وصفحات جرائد البلد المعني سوى بعبارات (عناصر شغب) و»مخربين «والخ.. من عبارات الهروب من الواقع، ولكن نراها بوضوح وبالتفصيل على شاشات وصحف أخرى، رسمية وخاصة، عربية أم أجنبية على حد سواء، سجلت هي الأخرى لأسبابها الخاصة الحدث، فيما أهملت هي الأخرى أحداثاً مماثلة في بلدها، أو في بلدان عربية أخرى. وهنا يبدو أن مفهوم حرية الإعلام فُهم من قبل الجميع أن تكون وسيلة الإعلام «حرة» بأن «لا تنقل» الحدث أو «تنقله»، فهي حرة بذلك، وبأن «لا تسجل كل تفاصيله» أو «تنقل بعض تفاصيله» فهي حرة! وأن «تتوسع» في نقل الأخبار بتمعن وبدقة أو تعرض «موجزاً مقتضباً» عنه وحسب، فهي حرة.
وتتناقض الروايات بين نشرات الأخبار في الفضائيات الناطقة بالعربية إلى حد التشويش المقلق بين الثوار والسلطة بحيث لا تعلم بالضبط من يسيطر على أي مدينة أو أي حيّ، ولكن الدم العربي يسيل من الطرفين، وكل هذه الدبابات والطائرات والهليكوبترات والمدرعات وعناصر الأمن والجيوش المعبأة للقتال التي أريد لها أن تكون «درع الوطن» تستخدم اليوم لقمع الأخ الأعزل والشقيق المسالم دون هوادة لمجرد أنه يريد حرية التعبير، وحق المشاركة في الحكم، وحق حصته من ثروة البلد! ولا نعلم على الإطلاق حجم الخسائر بين المدنيين الأبرياء، ولا حجم حاجتهم إلى المساعدة الطبية، ولا نعرف مصير القتلى، والجرحى، ووضع المشافي، والدواء، ولا نعرف الوضع الغذائي، والتمويني في أي من هذه المدن العربية ولكننا نستطيع أن نقدر حجم الدمار والمعاناة في بعضها عند مقارنتها بحجم الدمار والمعاناة في غزة والعراق ولبنان، وهي الأخرى تشهد حراكها الشعبي الهاتف سلمياً أيضاً بالمطالب. وهكذا وعلى الأغلب يتم تجاهل حاجات ومعاناة المدنيين الضرورية من قبل فضائيات، وحتى فيسبوكات، وصحف عربية، ودولية، عريقة، وطارئة، على حد سواء، كل لأسبابه ودوافعه الخاصة، وبين كلّ هذا وذاك الغرب الذي نعرفه، بمصالحه الدائرة حول إسرائيل وأمنها، وبازدواجيته التي لا يخجل منها، يسعى لاستثمار دماء العرب هذه المرة أيضاً، وخاصة أنها تسيل على «يد بعضهم البعض»، ودوره الآن المحرض أحياناً، والناصح أحياناً، والمموّل أحياناً، واللاعب الفعّال دوماً، في العلن عندما يريد ويتمكن، كما كان الوضع في العراق وفلسطين ولبنان وفي ليبيا اليوم، وفي الخفاء هنا وهناك لإجهاض الثورة هنا، وتأجيجها هناك! وليس هذا مفاجئاً على الإطلاق فالغرب له مصالح كبرى في الوطن العربي لم يكن منها يوماً نشر الديمقراطية، ولا دعم الحرية في ربوعنا إلاَّ إذا كانت تنسجم مع «أمن إسرائيل» وإلاَّ فإن مصيرها سيكون مثل مصير الديمقراطية الفلسطينية!
الغرب يتدخل في هذا الوضع أو ذاك أو يترفع عنه ولكن الحراك هذه المرة له أسبابه الداخلية المتراكمة، وفي كل الأحوال فهو يبحث عن مداخل للتدخل لتحقيق مصالحه وحسب، حتى إذا دخلت بعض البلدان العربية في حروب أهلية ترى الغرب ينتظر على جانب الحدث ليتدخل في الوقت المناسب، وبالشكل المناسب لمصالحه من أجل استيعاب الفريق المنتصر وحسب، وأي مشاهد للقنوات الغربية، حتى الدولية الناطقة منها بالعربية أو بلغاتهم, يرى أن الغرب لا يعير دماءنا ولا حرية شعوبنا أي اهتمام بل إنه منشغل بالكارثة اليابانية التي ينقلها مباشرة منذ أيام دون انقطاع، وبالرياضة، وعروض الأزياء وإلخ. والهدف الأساسي بالطبع هو أن تبقى الولايات المتحدة المسيطرة على الجغرافيا العربية الإستراتيجية وأن تبقى محميتها «إسرائيل» في مأمن من ديمقراطية العرب، وحريتهم، وتوحيد كلمتهم التي سعى الغرب طوال القرن الماضي لتمزيقها، ودعم أنظمتها بأحدث أجهزة قمع الجماهير والسيطرة عليها عبر الإعلام وغيره. والخوف كل الخوف أن يدفعوا العرب وجيرانهم اليوم إلى التورط بحرب ضروس أو أن يدفعوا بلداناً عربية متجاورة إلى التورط بحروب مماثلة لتلك بين العراق والكويت أو بين العراق وإيران.
وها نحن بعد أكثر من شهرين من الحراك الشعبي المطالب بالحرية الفردية، وبالمشاركة السياسية، وبالتخلص من أنماط الحكم الاحتكارية تتأكد وقائع أن هذا هو عصر التغيير العربي، خاصة الأطر السياسية التي طال جمودها داخل قوالب أصبحت لا تلبي حاجة الجماهير وطموحاتها، وعلى الحكومات العربية جميعها الصلاح والإصلاح، الصلاح في تعاملها مع الجماهير عبر ضمان الحريات الفردية، وإصلاح علاقتها بشعوبها عبر تبني أنماط حكومية تتيح المشاركة الشعبية التعددية، وحسناً فعلت بعضها بالبدء في أخذ المبادرة بالإصلاح السياسي، والتخلي عن العديد من صلاحيات الحاكم لمؤسسات الشعب المنتخبة، لأن استعادة الجماهير العربية لكلمتها في التعبير عن طموحاتها، وفي إدارة ثرواتها هي في مصلحة الجميع.
تخطّ شعوبنا العربية اليوم مستقبل أنظمتها السياسية بأيديها ومن الواضح أنها تسعى إلى نظام سياسي جديد للوضع العربي يتسم بالتعددية، وحرية الرأي، وسلطة القانون, وهذا النظام مجرب عالمياً بأنه الشكل الأكثر استقراراً للحكم، والأكثر تلبية لطموحات الجماهير في حرية التعبير.
ومع اقتراب الذكرى المئوية لأبشع حدثين وأكثرهما شؤماً وشراً في تاريخنا الحديث، ألا وهما سايكس بيكو ووعد بلفور، يجب علينا جميعاً ألا نسمح مرة أخرى بأن نُخدَع من قبل غربٍ أعلن عداءه لنا، نحن العرب، عبر إعلانه المتكرر الدائم عن تحالفه الاستراتيجي مع إسرائيل وتسليحه لها، ودعمه وتمويله للاستيطان وشنه الحروب بعد الحروب علينا، والعدوان بعد الآخر وبلا رحمة على شعوبنا التي راح الملايين من العرب ضحية وحشيتهم من الجزائر إلى العراق، ومن المغرب وليبيا إلى فلسطين ولبنان، واليوم يعود متربصاً للتدخل في بلداننا خدمة لأهدافه المعروفة: نهب ثرواتنا، واغتصاب فلسطين، ودعم الأنظمة القمعية.
تشرين 22/3/2011
د. بثينة شعبان