حسن المدحوب
أتساءل باستغراب، هل نزل أكرم وأرحم الرسل برسالتين سماويتين؟ واحدة تدعو إلى الرحمة وأخرى تدعو إلى القتل وتفجير الأبرياء والأطفال في بيوت الله؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، وهو قطعاً ليس كذلك، فما بال البعض يقتل الناس في المساجد باسم الإسلام؟ وما بال آخرين يهللون ويكبرون ويحمدون الله كلما تناثرت أشلاء أطفال أو ترملت نساء أو حرمت صغيرات من أبيها؟
أي دين ذلك المنزل من السماء الذي يعد قاتل النفس البريئة بالغداء أو العشاء مع رسول الله ومعانقة الحور العين؟ أليست كل الأديان السماوية تدعو إلى التسامح والرحمة والرأفة بكل البشر؟ أهو الدين نفسه الذي أرسله الرحمن على رسوله محمدٍ (ص) ليكون رحمة للعالمين؟ أم هو دينٌ آخر لا يؤمن بإنسانية البشر ولا برحمة الخالق؟
أي دين ذلك الذي يتقرّب به صاحبه بنحر الرؤوس وأكل الأكباد وحرق الناس أحياء وتفجير المصلين الأبرياء الآمنين في مساجد الله؟ وأي دين ذلك الذي يحث مريديه على التسلل بلباس النساء لتفجير الناس وتقطيعهم إرَباً وهم في محاريب الصلاة بين راكع وساجد، وقائم وقاعد؟
أي دين ذلك الذي يحلّل قتل الأبرياء الآمنين في بيوتهم ومساجدهم التي يذكر فيها اسم الله بكرة وعشية؟ وأي دين ذلك الذي يتعبد به صاحبه بالشماتة على طفل تناثرت طفولته دماً في محراب الصلاة؟
كثيرة هي العبارات التي تلقى في الهواء على شاكلة «اقتلوهم… دمهم حلال»، ولا يعلم قائلها أو كاتبها أي إثم وجناية يرتكبها في حق الدين والإنسانية، ولا يدري من سيتلقفها ومن سيعمل بها ومن سيحمل حزاماً ناسفاً يقتل الأبرياء بسببها.
ربما نحن لا نحتاج للتوغل في كنه الأديان كثيراً لمعرفة أن الأزمة ليست دينيةً، بل هي أزمة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فأي قلب يحمله إنسان يمكنه أن يتحمل مشهداً لكبدٍ يُلاك أو لرأسٍ يُنحر أو لرضيعٍ تقطّع أوصاله وتكسر إضلاعه وسط قهقهات وضحكات لا تتوقف.
إذا كان ما نعيشه اليوم هو فتنة، فهي قطعاً ليست فتنة مذهبية أو دينية أو سياسية، بل هي فتنة إنسانية وقيمية وأخلاقية، بكل ما تحمله الكلمات من معنى أو توصيف. هي فتنة ضمائر ماتت، وقلوب تحجرت، وآدمية تحيونت.
أيتصور إنسانٌ أن قتل النفس المحترمة التي حرّم الله قتلها، ونحر الرضعان والأطفال والنساء والرجال الأبرياء فيه رضا للرب؟ لا أظن مثل هذه الأفعال ترضي رباً ومعبوداً إلا إذا كان إبليس الذي خرج من رحمة الله!
قليلاً من الإنسانية يا بشر، قليلاً من الرحمة بأنفسكم قبل غيركم، هذه الدماء التي تسفك عبثاً سيساءل عليها سافكها، إن لم يكن في الدنيا، فأمام محكمة العدل الإلهي. فما ذنب طفلٍ ذهب للصلاة في بيت الله حتى يتحوّل إلى أشلاء؟ وما ذنب الأبرياء، أياً كانوا وعلى أي دين ومذهب وملة وعقيدة أن يُفجَّروا في المساجد أو في الطرقات والشوارع والأسواق؟