مهمة البعث المرحلية: اعادة الربط بين النضال والثقافة
حِزْبُ البَعْثِ العَرَبي الاشْتِرَاكي
القيادة القومية
مكتب الثقافة والإعلام القومي
أُمةٌ عرَبِيةٌ وَاحِدَة ذاتُ رِسالَةٍ خَالِدَة
وحدة حرية اشتراكية
يسر شبكتنا بعد موافقة الحزب ان تنشر افتتاحية مجلة (الثورة العربية) المجلة النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، والتي توقفت منذ الغزو، ولذلك فان عودتها للصدور هي خطوة على طريق اكمال مهمات الحزب النضالية وفي مقدمتها مهمة التوعية العقائدية. ان المجلة تقع في 102 صفحة وتضم مقالات فكرية وستراتيجية مهمة تركز على ترقية الوعي الفكري والستراتيجي، والافتتاحية تحدد مسار تطور النضال الفكري داخل البعث والذي يشهد كما يتضح من المجلة انه يتجه نحو تعميق الاصالة البعثية وغلق الثغرات في الوعي القومي والعقائدي
عناوين المقالات الاخرى الفكرية والستراتيجية المهمة
· الرفيق د. قاسم سلاّم الأمين العام المساعد للحزب: كيف يقرأ البعثيون مسيرة ثورتهم ثورة السابع عشر- الثلاثين من تموز
· من تراث الحزب: أحمد ميشيل عفلق: ذكرى الرسول العربي 5 نيسان 1943
· من معاني رسالة الأمين العام للحزب الرفيق المناضل عزة ابراهيم الى المقاتل المجاهد م.م.ن.ت البياتي
· رسالة المعتز بالله خادم الجهاد والمجاهدين القائد الأعلى للجهاد والتحرير والخلاص الوطني عزة إبراهيم إلى المقاتل المجاهد (م.م.ن.ت) ألبياتي
· نص رسالة المقاتل المجاهد (م. م. ن. ت) الى شيخ المجاهدين عزة ابراهيم الدوري القائد الأعلى للجهاد والتحرير والخلاص الوطني
· احتلال العراق… لماذا؟
· ملالي طهران بين سندان المعارضة ومطرقة الغرب
· البعث والفرصة التأريخية
· قراءة متجددة في بعض سمات العقيدة البعثية أولا: الثورية
· السرية هي أساس العمل… هي سر نجاح التنظيم
· ملف العدد: صلاح المختار: لغم تقويم تجربة حكم الحزب (1-2) (2-2)؛
افتتاحية مجلة الثورة العربية
مهمة البعث المرحلية: اعادة الربط بين النضال والثقافة
الثقافة في البعث هي السمة القاعدية في التربية البعثية الصحيحة والاصلية لانها توفر للبعثي شرط القدرة على رؤية الواقع العربي بنظرة عميقة تكتشف تفاصيل الواقع الفاسد وتمكنه من تمييز عناصر الفساد فيه من اجل ان يغيره، اذ كيف يمكن الثورة على واقع فاسد من دون ثائر صالح ومؤهل تأهيلا عاليا عقائديا وتربويا وثقافيا؟ نعم القدرة النضالية والمتمثلة بالشجاعة والاستعداد للتضحية هي احد اهم اركان تأهيل المناضل البعثي ولكن الشجاعة وحدها لاتكفي لان مكملها هو نور العقيدة، والذي به يستطيع المناضل ان يرى ابعد واعمق مما يراه لو كان بلا نور العقيدة. وحينما نتحدث عن نور العقيدة فاننا لانقصد الثقافة البسيطة للبعثي التي اكتسبها من الحزب بل المقصود هو توفر القدرة لدى البعثي على تحليل الواقع تحليلا عميقا وشاملا يستند الى العقيدة البعثية من جهة، وعلى ستراتيجيات الحزب المرحلية والتاريخية من جهة ثانية، وعلى تقاليد الحزب التنظيمية من جهة ثالثة. وبتوفر هذه الشروط الثلاثة يصبح البعثي قائدا ميدانيا ليس في المجال القتالي فقط بل في المجال الفكري والعقائدي.
من هنا فان الرابطة بين الوعي والشجاعة تشكل مفتاح اكتمال متطلبات بروز البعثي الطليعي الحقيقي، فلا الشجاعة وحدها كافية للبعثي حتى وان جعلته قادرا على مواصلة القتال ضد الاحتلال والاعداء، ولا نور العقيدة وحده كاف اذا كان ناقصا او غامضا اومشوشا حتى لو مكن البعثي من الدفاع عن هويته. ان السؤال الضروري طرحه الان هو : هل ثقافتنا الحزبية ووعينا العقائدي كافيان لاسناد عملنا الجهادي الحالي؟ الجواب هو كلا فمن المؤسف القول بان مراحل النضال من اجل بناء وترسيخ انموذج النهضة القومية العربية في العراق الذي بناه الحزب قد فرض انماطا من الصراعات المعقدة والمتعددة ومع اطراف متعددة داخلية وخارجية اخلت بتوازن عملية التربية الحزبية وجعلت ما تفرضه ضرورات النضال وتحقيق النصر في تلك الصراعات، وهو الاستعداد القتالي، ارجح من ضرورات التربية العقائدية، لذلك ترا جع دور المثقف في الحزب لصالح دور المناضل الصلب بل ان المناضل الواحد بالذات كان يواجه مشكلة انه لا يستطيع التوفيق بين ضرورات النضال وبين ضرورات تطوير الوعي العقائدي نتيجة انغماسه التام في الدفاع عن الوطن والثورة.
وهذه الظاهرة اضعفت هوية البعثي العقائدية لانه لم يعد يراجع العقيدة ويحاول المحافظة على دورها بصفتها عقل الحزب وبوصلته ومقرر مسيرته العامة بما في ذلك تحديد اهداف النضال المسلح والسلمي. وربما يوضح هذه المسالة طرح الاسئلة التالية : هل يفهم كل البعثي الان معنى الترابط الجدلي بين العروبة والاسلام؟ وهل يستطيع كل بعثي الان خوض جدل مع غير البعثيين حول العقائد المختلفة دينية او دنيوية واختلافاتها مستندا على وجهة نظر عقائدية بعثية؟ وهل يستطيع كل بعثي توضيح معنى قومية التنظيم وضرورته؟ وهل يستطيع البعثي الان توضيح معنى اشتراكيتا ومميزاتها وخصوصيتها واين تختلف او تتفق مع الاشكال الاخرى من الاشتراكية؟… الخ، باختصار هل يستطيع البعثي ان يشرح ما هي مميزات البعث عن غيره من الاحزاب؟ هذه الاسئلة وغيرها كثير تحدد الاجابات عليها مدى سلامة الوعي العقائدي لدى رفاقنا ونقاط الضعف فيه والعلاقة التوازنية المطلوبة بين النضال والعقيدة.
وبما ان العقيدة هي المصدر الاساسي لوعي المناضل العام والمقرر لصلابة مواقفه، من خلال ايمانه بعقيدة واستعداه للموت من اجلها، فان ضعف الوعي العقائدي يشكل بداية ضعف الموقف العام بما في ذلك الموقف النضالي او الجهادي.
امثلة على نتائج ضعف الوعي:
ولكي لا نجعل الموضوع غامضا من الضروري تناول امثلة على التأثير السلبي لضعف الوعي العقائدي على دور المناضل وتوفير حصانات تضمن بقاءه في اطار الحزب وعدم الخروج عليه سواء بوعيه وقراره او بدونه :
1- تتسم كتابات الكثير من الرفاق او كلامهم عند النقاش داخل وخارج الحزب بالعمومية وتكرار بديهيات معروفة وعدم التعمق في الخطوط العامة التي (درخوها) – اي حفظوها على ظهر قلب – لدرجة ان البعض يتهرب من النقاش ما ان يدخل منعطفا معقدا يفرض عليه الاجابة على اسئلة اجوبتها في الواقع سهلة لكنه تكاسل ولم يتعمق فيها بحجة ضرورات النضال واكتفى بالخطوط العامة التي تعلمها في الدو رات الحزبية او قرأها في الكتب والنشرات الحزبية. ان العجز عن خوض نقاشات او جدل معمق يعطي انطباعا بفقر الفكر البعثي او ان البعث ليست لديه ستراتيجية واضحة تحدد نضاله او عمله، وهكذا يحصل عدم توازن في صورة البعثي فهو يتقن القتال ويمتلك الشجاعة الفائقة لكنه يفتقر للثقافة العميقة! والى جانب هذه الظاهرة السلبية فان البعثي حينما يكون غير قادر على شرح وتفسيرعقيدته يظلمها امام الشعب لان الاخير يفترض ان النقص في العقيدة وليس في الحزبي.
2- هناك رفاق يتضايقون جدا من الموقف العربي العام من غزو العراق لدرجة ان بعضهم يتأفف قائلا (ماذا فعل العرب لنا كي نتمسك بقومية النضال؟) ان هذا التأفف يعكس قبل كل شيء ضعفا في الوعي العقائدي للبعثي، لعدة اسباب منها ما يلي :
أ – ان من أتخذ من العرب موقفا سلبيا من غزو العرا ق، سواء كان شخصا او جماعة في الحكم او خارجه، لا يمثل الامة بل هي مواقف فردية او جزئية لنظام حكم، تعكس واقع الامة الفاسد والمتخلف والذي ثرنا عليه، فاذا قبلنا بمنطق ان الامة ليست معنا استناد الى مواقف افراد او كتل او انظمة نكون قد تخلينا عن واحدة من اهم منطلقاتنا العقائدية وهي اننا نحن البعثيون المسئولون عن تحرير الامة وليس هذا النوع من الناس، ولذلك فان وجود مواقف كهذه امر متوقع وطبيعي ولابد من التعامل معه بروح قومية وليس قطرية. بل لنفترض بان الامة كلها لم تسندنا فهل هذا الوضع غريب؟ كلا فحينما قلنا في بداية نضالنا نحن طليعة الامة وان بعث الامة ونشر الوعي فيها هو واجبنا كنا نقر بوجو خلل في دور ومواقف ووعي الناس، حيث كانت اللامبالاة موقف الكثيرين، لذلك فان واجبنا القومي والحزبي هو التمسك بهويتنا القومية وابقاءها اعلى مرتبة واكثر تأثيرا من انتماءنا القطري. هنا تظهر حقيقة ان التأفف ليس جزء من التربية البعثية ولا من العقيدة البعثية بل هو جزء من ثقافة مجتمع ثرنا على فساده واخترنا النضال من اجل اعادة تشكيله وفقا للعقيدة القومية – الاشتراكية للحزب.
ب – ان قول المتأفف هذا لا يعكس الواقع ولا يمثل حقيقة الموقف العام للشعب العربي، فلئن كانت انظمة عربية والكثير من الاشخاص والاحزاب والكتل تتبنى مواقف سلبية وخاطئة ففي مقابل ذلك هناك الكثير من الناس والساسة والاحزاب تتخذ موقفا ايجابيا من العراق ومن مقاومته، حتى لو كان الدعم دون المستوى المطلوب. لذلك لا يجوز التعميم بالقول ان الموقف العربي سلبي بالكامل.
ج – ان التأفف يعكس فقرا في الثقافة البعثية يجعل هذا المناضل البعثي غير قادر على فهم طبيعة الصراع حتى وان فهم ان الاحتلال اكبر الموبقات، لان الاحتلال لم يأتي بدافع واحد بل هو متعدد الدوافع ومعقد الاهداف، بل هو تعمد جعل فهم سبب غزوه للعراق معقدا وصعبا من اجل تسهيل الغزو بالعثور على من لا يفهم كل اهداف العدو الكامنة وراء الاحتلال. لذلك فان وجود الوعي العقائدي والثقافة الحزبية العميقة ضمانتان اساسيتان لجعل المناضل اوسع فهما للاحتلال واهدافه الستراتيجية وخططه الاستخبارية القائمة على التضليل والخداع والارباك. حينما تقول العقيدة ان الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية واطراف عربية واقليمية اخرى ضد الوحدة العربية وضد الهوية العربية وضد التقدم العربي فانها حددت سلفا درجة عداء الاخرين لنا ونبهتنا الى ان الاعداء يخططون بصورة معقدة وذكية من اجل شق صفوفنا، عند محاولة تحديد الاهداف الحقيقية للعدو، ومنعنا من فهم اهدافه المخفية.
في هذه الملاحظة نواجه ضعفا في الوعي العقائدي للبعثي المتأفف يتركز على سوء او ضعف فهمه للطبيعة القومية لحزبنا، وانه ليس حزبا قطريا لان الحزب القطري حالما يولد يضع نفسه في قفص حديدي، بل فولاذي، يمنعه من العمل من اجل وحدة الامة العربية كما اثبتت تجارب الاحزاب القطرية العربية في العقود الثمانية الماضية. واذا صار التأفف ظاهرة لدينا فعلينا ان نقلق على مستقبل الحزب وهويته حتى بعد انتصارنا على الاحتلال و طرده لان المتأفف متأثر بثقافة قطرية وليس قومية وتلك خطوة حتمية تبعده عن الحزب ان عاجلا او اجلا اذا واصل التمسك بالفكرة القطرية.
3- هناك نوع من التأفف تجاه موضوع اخر، فثمة من يقول بان من يحمل البندقية له القرار النهائي وليس لمن يصدر الاوامر لحامل البندقية ولكنه لا يقاتل! ان هذا الطرح على قلة من يطرحونه بخجل خطير وغريب على الحزب وتقاليده التنظيمية والثورية ويشير الى وجود ضعف في التربية الحزبية، خصوصا ضعف في فهم واستيعاب معنى الحزب الجماهيري والنظام الداخلي وتقاليد الحزب التنظيمية. ان هذه المسألة وان بدت تنظيمية وانضباطية الا انها هي الاخرى تتعلق بعقيدة الحزب بالاضافة للتنظيم. لنناقش نتائج هذا الطرح اذا تم تبنيه فعلا ولم يكن نزوة عاطفية طارئة. ان النتائج التالية تظهر عند قبول هذا المنطق التأففي :
أ – بالرغم من ان الدافع لهذا القول هو جهادي هدفه هو تقوية ظاهرة الجهاد والنضال واعطاء من يحمل البندقية الدور الاول الا انه قول يؤدي الى العكس تماما، فحين يكون المنفذ – المقاتل هو المقرر بتمرده على من يصدر الامر بالجهاد والقتال، فانه يتحول من جزء من ثورة مسلحة عامة وشاملة وقوية الى فرد متمرد منعزل في محلته او جماعته الصغيرة فقط. فالثورة والحزب محكومتان بتنظيم عام وكبير تقوده قيادة مركزية وتحركهما اوامر من هذه القيادة، لذلك فان تاثير الثورة والحزب على الاحتلال قوي وحاسم حينما يكون العمل عاما وشاملا، اما حين يصبح من ينفذ هو نفسه من يقود ويصدر الاوامر فانه ينعزل عمن فوقه ويتحول رغما عنه الى مجرد بضعة انفار معزولين ويمكن تصفيتهم من قبل العدو بسهولة.
ب – كما ان هذا النمط من التفكير يضعف الاطار العام للنضال لانه يجرد القيادة المركزية من اجزاء من قوتها المنتشرة في القطر او يضعفها فتحصل فراغات قوة يسارع العدو الى ملئها ويفرض سيطرته على منطقة معينة، وهكذا تحصل ثغرة تشجع العدو على البحث عن ثغرات اخرى ينفد منها.
ج – ان الثورة المسلحة والعمل الحزبي يقومان على عدة قواعد ثابتة، ومنها قاعدة وجود قيادة مركزية تقود الحزب مركزيا او تقود الثورة المسلحة، وفي هذه القاعدة هناك تدرج في المستويات القيادية وضع اصلا لضمان تحقيق القوة والنصر عبر حشد منظم ومركزي للقوى الضخمة عسكريا وجماهيريا. لذلك فان الانضباط الحزبي والانضباط العسكري هما احدى اهم ضمانات الانتصار للحزب والثورة والجيوش المقاتلة، وبدون الانضباط تندحر الثورة ويتلاشى الحزب كقوة رئيسية. ان تنفيذ اوامر الاعلى امر ملزم وليس اختياري باي حال من الاحوال.
وهنا ننتقل الى قاعدة ملزمة ثانية في الحزب والثورة وهي قاعدة تنفيذ امر الاعلى مهما كان راينا فيه ومهما كان دوره المناط به، فهناك اولا قيادة مركزية هي التي تقرر من يقود او ان ذلك تم سابقا بالانتخاب كما في حالة الحزب، وفي الحالتين فان من يأمر يمثل الحزب او الثورة وتنفيذ اوامره واجب ولا مفر منه، وكل عدم التزام يعد تمردا واضحا. وهناك ثانيا عملية تحديد المسئوليات والواجبات من قبل القيادة المركزية وفي هذه الحالة فان القيادة لاتكلف كل عضو بالقتال لاسباب عملية صرفة منها عدم الحاجة لكل الاعضاء الذين يعدون بالالاف بينما الحاجة لعدد اقل، كما ان حالة لمناضلين مثل السن والحالة الصحية والوضع الاجتماعي والشهرة او عدمها… الخ، تقوم بتحديد من يجب ان يقاتل ومن يجب ان يقوم بدور اخر من الاعضاء والكادر وهو تنفيذ واجبات اخرى غير قتالية، واخيرا وليس اخرا فان القيادة، وهي تعرف معلومات تفصيلية عن طبيعة المعارك والدور المخابراتي فيها لا تكشف لكل كادر دور الكوادر الاخرى خصوصا من لديه واجبات غير قتالية قد تكون اخطر من الواجبات القتالية، لذلك فان الاعتراض على من يصدر الاوامر ولا يقاتل موقف خاطئ وغير انضباطي ويتجاهل – او ربما يجهل – طبيعة التنظيم سواء كان عسكريا او حزبيا.
ان هذه الملاحظات تجعل من يقول انني اقاتل ولكن من يصدر لي الاوامر لا يقاتل ولذلك من حقي ان لا اطيعه عبارة عن متمرد يتمتع بقدر واضح جدا من السذاجة والافتقار للخبرة النضالية، وقبل هذا وذاك، انه ضعيف عقائديا لانه لم يفهم الحزب بصورة صحيحة من حيث صيغ العمل، خصوصا صيغة (نفذ ثم ناقش) التي تعد من اهم قواعد العمل الحزبي والعسكري خصوصا في اثناء الازمات الكبرى ومنها الحروب.
4- هناك مسألة اخرى خطيرة جدا وهي وجود من لا يربط جدليا بين التكتيك والستراتيجية، مما يجعله ينساق وراء التكتيك بطريقة تبعده عن الستراتيجية، وهو وضع اذا استمر يبعده عن الحزب وعقيدته وطبيعته التحررية. كيف ذلك؟ ان مصاعب النضال المسلح ضد الاحتلال والمعاناة الفريدة لمناضلي الحزب بكافة اشكالها، خصوصا التعرض للموت والاسر والتعذيب والحرمان المادي والاضطرار للابتعاد عن الاسرة… الخ، اذا قترنت بضعف الوعي العقائدي والستراتيجي فانها ربما تؤدي الى تبني موقف تساومي تحت غطاء التكتيك. وتبرز خطورة هذا الموقف حينما يصبح كل شيء مباحا من اجل الانتصار في حرب التحرير دون وجود قواعد ضبط ضامنة لعدم الوقوع في فخ العدو الذي يتكتك هو الاخر من اجل الاستفادة من قدراتنا لتحقيق هدفه هو. ان تحرير التكتيك من الخضوع للستراتيجية يتناقض مع منطلقين من قواعد العمل الحزبي المنطلق الاول هو المنطلق العقائدي الذي يحدد حركتنا ويضع للتكتيك حدودا صارمة لاجل منعه من جرنا للخروج على العقيدة، مثل تقديم تنازلات للعدو تتعلق بمواقفنا المبداية الثابتة من اجل خروج الاحتلال، فاذا خرج الاحتلال بعد التنازل فاننا لن نعود بعثيين لذلك لابد من الانتباه دائما لنور العقيدة.
اما المنطلق الثاني فهو المنطلق الستراتيجي الذي يفرض بديهية ان التكتيك اذا لم يخضع لستراتيجة واضحة يصبح بابا لدخول بيت العدو والعمل في خدمته. ان خروج الاحتلال ليس هدفا بحد ذاته بل هو وسيلة تخدم هدف عودة السيادة خصوصا السيادة الاقتصادية، فاذا خرج الاحتلال وقد حصل على مكاسب، منها مثلا عدم اخذ حقوقنا في التعويضات، فاننا نخسر الحرب حتى لو كسبنا الجولة الاولى منها وهي اجبار الاحتلال على الخروج. كما ان التكتكة مع قوى معينة من اجل التعجيل بالنصر مشروطة بوجود وضوح كامل وتفاصيل كاملة تضمن نجاحنا نحن في الاستفادة من التكتكة وليس استخدامنا من قبل الطرف الاخر لتحقيق اهدافه. ولاجل تحقيق الفائدة من التكتكة من الضروري ان نفهم ما يريده الطرف الاخر وحجمه ومصادر قوته ومن يقف وراءه وهل هو جاد في تعامله معنا ام انه يريد استخدام قوتنا ونفوذنا وامكانياتنا لخدمة هدفه هو. ان هذه الضرورات هي التي تضمن تحقيق هدفنا الستراتيجي عن طريق قوتنا الذاتية بالاضافة للاستفادة من كل طرف نستطيع الاستفادة منه وليس العكس.
في ظروف الضغط الشديد والمعاناة الاستثنائية ربما يقع البعض في فخ استسهال الاطراف الاخرى وتجاهل او جهل حقيقة قوتها الذاتية او قوة من يدعمها، وعدم القيام بحسابات دقيقة جدا تمنعها من الاستفادة منا وتحقيق اهدافها هي وليس اهدافنا وعندها نقع في فخ ربما يكون قاتلا.
اذن لابد من اخضاع كل خطوة من خطواتنا لمعيارين معيار العقيدة ومعيار الستراتيجية قبل الشروع في التعامل مع الظواهر السياسية والافراد والكتل والقوى الاخرى. تحكّم العقيدة بخطواتنا وقراراتنا يحمينا من المساومات حول القضايا الكبرى، اما تحكم الستراتيجية في التكتيك فانه يحمينا من احتمال التحول الى انتهازيين تتلاعب بهم الامواج والعواطف.
ان الاكتفاء بهذه الامثلة والملاحظات يقودنا الى نتيجة مهمة جدا وهي ان هناك نقص في التربية الحزبية وفي الثقافة الحزبية ولابد من معالجته لانه نقص يجعل الحزبي معرضا لارتكاب الاخطاء وربما للانحراف والتمرد في ظرف الثورة والنضال من اجل التحرير.
كيف يعالج هذا النقص؟
الجواب هو يجب التركيز على انعاش الثقافة الحزبية بالاعتماد على الاصولية البعثية والتي تعني، اول ما تعني، العودة لفكرنا الاصيل وقراءته بتمعن والتمسك به والغوص في تفاصيله من اجل ان نكون بعثيين حقيقيين اسما ومحتوى، ومجلة (الثورة العربية) التي تعود للصدور الان بعد انقطاعها منذ الاحتلال، بصفتها مجلة عقائدية في المقام الاول، تتولى مهمة تسليط الاضواء على الفكر البعثي والمنطلقا النظرية للحزب خصوصا تلك التي وضعها القائد المؤسس المفكر الكبير الاستاذ احمد ميشيل عفلق.، ونقد واسقاط ما طرأ على الحزب من تشويهات فكرية بشكل خاص غريبة عليه.
ان التركيز على اعادة تأهيل البعثي ثقافيا في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة من تاريخ امتنا ضروري لان البعث في العراق يخوض حرب تحرير العراق من الاحتلال وتقوم البندقية بدور حاسم فيها، لذلك لابد من اسناد البندقية بنور الثقافة والوعي، وجعل حركاتها الاساسية وخياراتها القتالية محكومة بعقيدة البعث وليس بضرورات انية طارئة مهما كانت مهمة.
ان ما يجعلنا نهتم بهذا الامر الان هو حقيقة ان معركتنا الان في العراق مع الاحتلال هي معركة وجود متصلة ب، ومكملة ل، معركة الوجود العربي التي ابتدأت بغزو فلسطين، وغيرها من الاراضي العربية، وهذه الطبيعة لمعركتنا تفرض علينا ان نرتقي بوعينا العام – الحزبي والوطني والقومي – ليكون سلاحنا الجبار في مواجهة القوى المعادية المتعددة والكثيرة والتي تلاقت او تحالفت من اجل القضاء على القومية العربية والهوية العربية خصوصا في العراق البوابة الشرقية للوطن العربي.
لقد كان البعث تاريخيا يوصف بانه حزب المثقفين الثوريين وهذه التسمية كانت صحيحة ودقيقة منذ الاربعينيات وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، حيث ان الحزب كان يضم بين صفوفه خيرة مثقفي الامة العربية واكثرهم عمقا وشهرة، وكان الحزب خلية نحل ثقافية نشطة ومنتجة بالاضافة لكونه حزب نضال وتضحيات كبيرة، من هنا فان التحدي الاكبر الذي يواجهنا كبعثيين هو ليس قوة الاحتلال بل تحدي اكمال سمات الشخصية البعثية بتنمية الثقافة العقائدية وايصالها لمرتبة النور الذي يضيء لنا دروب النضال.
وهذه المهة لا يمكن انجازها بنجاح الا بتجاوب كوادر وقواعد الحزب معنا ومشاركتهم الفاعلة في تنمية فكر وعقيدة الحزب عبر هذه المجلة بتناول القضايا الفكرية والستراتيجية والتنظيمية – وليس السياسية – التي بني الحزب عليها اصلا عند تأسيسه، واذا حققنا ذلك نكون قد بدأنا مسيرة اعادة الحزب الى تنمية احدى اهم سماته التأسيسية وهي انه حزب المثقفين الثوريين العرب الاكثر اقتدارا والاصح فهما لمجريات ما نواجهه من تحديات ولما يجري حولنا.
أسرة التحرير
العدد 1 مطلع آب (اوغسطس) 2010