افتتاحية طليعة لبنان الواحد لشهر ايار 2014:
الذكرى 66 لاغتصاب فلسطين:
المقاومة مشروع عربي بإمتياز
قرن من الزمن يفصل ما بين اطلاق حكماء صهيون لبروتوكولاتهم، واعلان الحركة الصهيونية التأسيس الرسمي لكيانها على أرض فلسطين في 15أيار 1948
هذا اليوم، يعتبره العدوالصهيوني"يوم استقلال وطني" ومنه ينطلق لتحديد التأريخ االزمني لعمره الكياني.وهذا ما كان يتجسد واقعاً مادياً لولا الاحتضان الاستعماري الذي يستقر اليوم في الحضن الاميركي، ولولا الوهن والتفكك العربيين اللذين كانا سائدين آنذاك، ومعه ضعف الامكانات العسكرية وانعدام المركزية في التقرير والتوجيه والتخطيط والتنفيذ.
هذا الكيان الغاصب الذي أضفيت على وجوده"شرعية دولية" في لحظة تشكل معالم نظام دولي أعقب الحرب العالمية الثانية، برز وجوده في سياق تراكم معطيات المحطات السياسية التي عبرها قطار المشروع الصهيوني والتي كان وعد بلفور واحدةً منها.
وانه من خلال مقاربة سلوك بريطانيا في انتدابها على فلسطين، يتبين ان الهدف لم يكن تهيئة أرضية سياسية لتمكين فلسطين من نيل استقلالها أسوة بأقطار عربية أخرى وضعت تحت الانتداب وان كان على قاعدة تقسيمات (سايكس- بيكو) بل كان الهدف تهيئة الارضية السياسية والمناخات الدولية لانبثاق دولة صهيونية استناداً الى مقولة ان فلسطين هي أرض بلا شعب واليهود هم شعب بلا أرض، ولذا يجب ان يحصل التزاوج بين اليهود وارض فلسطين، واسقاط اسمها التاريخي، واستبداله بأرض "اسرائيل" باعتبارها أرضا موعودة سنداً للرواية التلمودية والتوراتية.
هذه النظرة الى حقيقة الوجود الشعبي على أرض فلسطين ليست حديثة العهد بل تعود الى مرحلة الحملات الصليبية التي كان روادها ينظرون الى فلسطين ليست باعتبارها ارضاً يقطنها شعب تمتد جذوره الى بداية تشكل هويته الوطنية في اطار الانتماء لامته، بل هي مجرد أرض حج ديني، وبالتالي لا هوية وطنية فلسطنية لها.
هذه النظرة الاستعمارية لفلسطين وشعبه، تستحضر اليوم من خلال المشاريع والخطط التي يتم وضعها لفرض التهويد عليها ضمن منظومة الصهينة السياسية.
وعلى أساس هذه النظرة ركزت الحركة الصهيونية على اعتبار ان فلسطين كانت أرضاً محتلة، وانها عندما أنشأت كيانه، فإنما بذلك انجزت عملية"تحرير" هذه الارض، وبالتالي فإن مفهوم الدولة المستقلة ينطبق عليه، ولا ينطبق على الفلسطنيين الذين لا حق شرعياً لهم بدولة مستقلة، ومن بقي او تواجد على هذه الارض انما يندرج تحت مسمى الرعايا الاجانب الذين يحب ان يخضعوا في حلهم وترحالهم لقوانين الدولية الصهيونية.ولهذا فإن العدو الصهيوني يركز على مسألتين : اغراق فلسطين بالمهاجرين اليهود واغراق ارضها بالمستوطنات لاحداث تغيير بنيوي في الديمغرافيا والجغرافي، والثانية تهجير الفلسطنيين خارج الحدود عبر نظام" الترنسفير"الترحيل الجماعي ونظام "الابارتيد"الذي كان يعتمده النظام العنصري في جنوب افريقيا ضد السكان الاصليين.
هذا المخطط الصهيوني الذي بدأت خطواته التنفيذية لاكثر من قرن ونصف ما يزال ينفذ وفق الاستراتيجية الصهيونية المرسومة، فيما يضيع الفلسطنيون كأطر سياسية ومعهم سائر العرب "كنظم رسمية" في متاهات وحبائل الخبث الصهيوني الذي يمرحل خطواته ويراكم نتائجها وصولاً الى القضم والهضم الكاملين لكل أرض فلسطين ومعها الحقوق التاريخية لشعبها الاصلي.
ويبقى السؤال، لماذا وصل الامر الى هذا المستوى؟ ان الجواب واضح وبسيط، هو ان فلسطين بما هي قضية وطنية لشعب اغتصبت ارضه ومهدد بإسقاط هويته الوطنية، وبما هي ايضاً قضية قومية،
ما كان ليصل وضعها كقضية الى هذا المستوى من الانحدار لو استمر الفعل المقاوم في مساره التصاعدي والذي تأسست بداياته ابان حقبة الانتداب لا بل الاستعمار البريطاني.
ان هذا القول ليس تنظيراً مجرد، بل هو الواقع الموضوعي الذي فرض ويفرض نفسه في كل الحالات التي تعرضت فيها أوطان للاحتلال، وشعوب للاستلاب، وهي لم تجد سبيلاً لتحرير أرضها وانهاء استلابها الاجتماهي والوطني الا بالمقاومة التي تدرج في مفردات القاموس السياسي تحت عنوان حروب التحرير الوطنية والتاريخ الحديث والمعاصر غني بالامثلة والنماذج من حرب الاستقلال الاميركية الى مقاومة الاحتلال الاميركي في فيتنام بداية وفي العراق وافغانستان حالياً وبعد ما تحولت اميركا الى دولة استعمارية بإمتياز في تنكر فاضح لكل القيم والمبادىء التي نادت بها يوم كانت تقاوم الاحتلال البريطاني.
لقد أثبتت تجارب الشعوب، ان ما من مستعمر او محتل ترك الارض المحتلة او المستعمرة طوعاً. وما من مستعمر او محتل انسحب من ارض محتلة او مستعمرة الا عندما دخل في مقاربة كفتي الربح والخسارة.وعندما يرى ان الخسارة الواقعة تفوق الربح الحاصل او المحتمل يأخذ قراره بالانسحاب.الم يحصل هذا الامر مع المحتل الاميركي للعراق؟؟ وألم يحصل هذا مع المحتل الصهيوني للبنان وغزة؟؟
قد تكون قضية فلسطين تختلف عن سائر القضايا الاخرى، وهذا صحيح، لأن العدو الصهيوني لم يسع لمغانم مادية من جراء احتلاله لفلسطين وحسب، بل سعى ويعمل جاهداً لاقتلاع شعب من جذوره وادراكاً منه، بأن صراعه يندرج ضمن مفهوم الصراع الوجودي.واذا كان العدو الصهيوني يعي طبيعة هذا الصراع ويتصرف على أساسه، فكيف لا يعي اصحاب الحق التاريخيين في ارضهم هذا البعد الوجودي للصراع؟!
واذا كانت الحركة الصهيونية التي تتجسد سياسياً عبر كيانها الاستيطاني على ارض فلسطين تعمل لنفي الوجود الفلسطيني (ولاحظوا ما تطرحه حيال الحقوق الفلسطينية في المفاوضات الجارية برعاية أميركا)، فإن على الفلسطنيين أولاً والعرب كعمق قومي ثانياً ان يخرجوا من وهم التسوية بين مشروعين متناقضين حد التناقض الوجودي.فالعدو يرفض اساساً منطق التسوية، والرفض الفلسطيني العربي كان يجب ان يكون سباقاً. وان لا يكون نظرياً وحسب بل ان يجب يقرن بآليات عملية.والالية العملية لترجمة منطق الرفض وجعله واقعاً سياسياً مفروضاًهو العودة الى المواجهة الشاملة بكل تعبيراتها العسكرية والسياسية والاعلامية والفكرية. وان امكانات المشروع الوطني المقاوم المفتوح على آفاقه القومية ليست صغيرة وليست قليلة شرط ان لا تكون متكئة فقط على حتمية مقولة انتصار قوة الحق على حق القوة.
من هن، فإن مواجهة المشروع الصهيوني الذي لم يستكمل كامل معالمه حتى الان بنظر العدو الصهيوني، تفرض اعادة الاعتبار للمرتكزات الفكرية والسياسية الاساسية لهذه المواجهة.
ان اولى هذه المرتكزات توفر وعي راسخ بأن فلسطين هي ارض عربية في الجغرافي، وهي حق عربي في التاريخ، وموقعها في الوطن العربي هو موقع القلب من الجسد اليها يضخ الدم العربي، ومنها يعاد الضخ، فلبنان العربي وسوريا العربية هما شمال فلسطين، والاردن العربي هو شرقه، ومصر العربية هي غربها ولهذا فإن الثابت الجغرافي لا يترك مجالاً للالتباس، لأن محيطها عربي وعمقها عربي، وبالتالي فإن العبور اليها هو عبور من العمق العربي الى حيث شاءت جغرافية الوطن ان تكون فلسطين في موقعها وعليه فإن القوى الاصلية الاساس في مشروع المواجهة هي عربية المنطلق، واذا كانت طليعتها فلسطينية فإن عمقها هو قومي عربي، وبالتالي فإن مشروع المقاومة هو مشروع قومي عربي بإمتياز.
ومن يرفع شعار تحرير فلسطين من خارج البعد القومي العربي، انما يرفعه للاستغلال السياسي لقضية يعرف كم تدغدغ الوجدان الشعبي العربي، وهو ان حاول ان يطل على هذه القضية فإنما لتوظيفها لاغراض مشاريعه السياسية، لتأمين مواطىء قدم لنفوذه الاقليمي في مناطق تتسم بإهمية استراتجية (لاحظوا استغلال تركيا لسفينة الحرية) واستغلال ايران لعلاقتها مع حزب سياسي في اطار مكون لبناني للقول بأن حدود ايران باتت في الجنوب اللبناني على شواطىء المتوسط في استحضار لتاريخ الدولة الاخمينية.
اما ثانية المرتكزات، فهي خروج الفلسطنيين ومعهم سائر العرب من بكائية الوقوف على اطلال قرارات الشرعية الدولية.فهذه الشرعية التي منحت الشرعية للاغتصاب في ظل نظام دولي غير عادل، لا سبل لانتزاع قرارات دولية مغايرة الا اذا كان الواقع الميداني والسياسي يفرضان ذلك، والسبيل لهذا هو العودة الى المقاومة المتوجهة نحو التحرير الكامل.
اما ثالثة المرتكزات وهي على قدر كبير من الاهمية في سياق الصراع بين المشروعين، القومي العربي والصهيوني، فقوامها عدم اقدام الفلسطنيين كأطر سياسية والعرب كنظم وهيئات على الاعتراف بالعدو الصهيوني، وهو ما يسعى اليه لانتزاع الاعتراف من اصحاب الحق التاريخي عبر الاعتراف بشرعية الاغتصاب، خاصة في هذه اللحظة السياسية التي يختل فيها ميزان القوى لمصلحته.
من هن، وفي مناسبة حلول الذكرى السادسة والستين للاعلان الرسمي عن تأسيس الكيان الغاصب على أرض فلسطين، فإنه لا سبيل لاعادة تصويب الامور في اتجاهها الصحيح الا بإعادة الاعتبار للخطاب السياسي المقاوم الذي يعتبر الكفاح الشعبي السبيل الوحيد لتحرير الارض والانسان، وسنداً لمقولة ان فلسطين لن تحررها الحكومات وانما الكفاح الشعبي المسلح.
هذا الكفاح الذي تعبر فيه الامة عن حقيقة وجودها يعيد التأكيد بأن الامة العربية تكون موجودة جيث يحمل ابناؤها السلاح. والسلاح هن، هو الذي ينطوي على مفهومه الشامل، سلاح البندقية، وسلاح الموقف، وسلاح الحراك الشعبي الحاضن للقضية الوطنية ببعدها القومي التحرري اجتماعياً وسياسياً.
ان اعادة الاعتبار لموقع القضية الفلسطنية في الخطاب الثوري العربي، يبقي هذه القضية حية في ذاكرة الامة وجماهيرها ويوفر لها الاحتضان الدافىء، وعندها تشعر جماهير فلسطين في الداخل والشتات بأن فلسطين ليست مساحة جغرافية يجري التفاوض على أرضها وليست مسألة حقوق مدنية وحسب بل هي قضية حق تاريخي لشعب في ارضه وهذا الحق غير قابل للتصرف به.
ولانه حق وطني فلسطيني، وحق قومي عربي، فواجب الامة العربية حمايته، قولاً وفعلاً.
قولاً بالتأكيد على المسلمات الاساسية بأن لا صلح ولا اعتراف بعدو غاصب، وفعلاً بالانخراط في آليات الفعل المقاوم ضد هذا العدو حيثما تجسد احتلاله واقعاً مادياً وضد القوى الداعمة له وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية.انها العودة الى نقطة البداية التي تؤكد على وحدة المصير العربي، وعلى قاعدة تكامل الفعل النضالي العربي في مواجهة كافة الاخطار التي تهدد الامة من داخل الوطن العربي ومن خارجه ومداخله وصولاً الى تحرير فلسطين ومعها كل ارض عربية محتلة لانهاء كل اشكال الاحتلال والاستلاب السياسي والاجتماعي، واقامة المجتمع العربي الاشتراكي، مجتمع المساواة في المواطنة والديمقراطية في الحياة السياسية والعدالة الاجتماعية في كافة أنشطة الحياة العامة
هكذا يجب التوقف عند ذكرى 15/ايار 1948