يا أخوتنا في أمة العرب
قد تكون هذه المخاطبة، هي الأولى، التي يتوجه فيها شعب إلى أمة، يشكل جزءاً عضوياً منها، ويرتبط بها برابطة النسب القومي، نسب العروبة ووحدة المصير.
قد يقول قائل، أن الذي يخاطب لا يمثل بالعد والحساب كل شعب العراق، لكن مما لا جدال حوله، أن الشعب بما هو شخصية اعتبارية، ينشد إلى أهداف وغايات يرى نفسه في إطارها أو في السير نحو بلوغها. فكل من يريد العراق أن يكون واحداً موحداً، حراً متحرراً، ديموقراطياً في انتظام حياته السياسية، قومياً بالهوى والانتماء، يمثل العراق، ولو كان فرداً، فكيف إذا كان الذي يخاطب يمثل حقيقة التوق الشعبي لإعادة الاعتبار للشخصية الاعتبارية للشعب.
إن شعب العراق يخاطب أمة العرب، عبر شرعيته الوطنية انطلاقاً من واقع حاله وهو يصارع من أجل حق الإنسان بحياة حرة كريمة، ومن أجل حماية تاريخ العراق وإرثه الوطني والحؤول دون إعادة كتابته برؤية غير عربية وبطغيان المفردات الشعوبية على مفردات العروبة.
إن شعب العراق إذ يخاطب أمته، فلإدراك منه، بأن ما يتعرض له لا يستهدفه لذاته وحسب، وإنما من خلاله كل الوطن العربي، في استحضار حديث لمشهدية استهداف فلسطين. وان ما يحز في النفس، أن الذين يأخذون على أميركا ومثيلاتها اعتماد الازدواجية في المعايير، يسيرون النهج الأميركي ويستعملون مفرداته في خطابهم السياسي وعلى سبيل المثال لا الحصر،
لقد تعرض العراق لعدوان تلو عدوان، ولحصار تلو حصار، ولاحتلال تلو احتلال. وبدا كأن البعض يبرر للعدوان الأول بأنه بسبب أزمة الكويت، فكيف يبرر للحصار والعدوان الثاني؟
وإذا كان البعض يلتبس عنده موضوع الاحتلال الإيراني من الباطن للعراق، فهل يلتبس الأمر عنده موضوع الاحتلال الأميركي، وفد وصفته الأمم المتحدة بأنه احتلال، وطلبت من أميركا أن تتعامل مع شعب العراق باعتبارها سلطة احتلال؟ وعندما تعتبر دولة أنها سلطة احتلال بتوصيف أعلى هيئة دولية، ألا يعني أن وجودها لا يستند إلى أية مشروعية. أليس المنطق السياسي والمواثيق الدولية، تؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأن كل ظاهرة تفرز نقيضها، وأن نقيض الاحتلال هي المقاومة؟ أليست هذه مسلمة في علم السياسية؟
من هذه المسلمة نقول أن لا شرعية الاحتلال، تؤدي إلى إضفاء الشرعية على نقيضها. وبالتالي فإن المقاومة هي الشرعية السياسية التي تجسد في برنامجا وسلوكها، الأماني الوطنية لإنجاز التحرير وتحقيق الاستقلال الناجز وهي بالتالي التي يحق لها التكلم باسم الشعب المحتل.
إن الشرعية تكون واحدة لا تتجزأ، وهذا يعني أن لا شرعية خارج إرادة الشرعية الوطنية، وبالتالي فإن الاحتلال الذي يفتقر إلى الأسانيد الشرعية بمفهوم القانون الدولي والمواثيق الدولية ذات الصلة، يسحب نفسه على كل من يتعامل مع الاحتلال، بحيث يصنف المتعاملون معهم بأنهم عملاء. أليس هذا التوصيف انطبق على الذين تعاملوا مع الاحتلال الألماني لفرنسا؟ أليس هذا التوصيف انطبق أيضاً على الذين تعاملوا مع الاحتلال الصهيوني للبنان من ظاهرة سعد حداد إلى انطوان لحد؟ فكيف يوصف هؤلاء بالعملاء، ولا ينطبق الأمر نفسه على الذين تعاملوا مع المحتل الأميركي في العراق.
إننا لا نجد تفسيراً منطقياً لعدم اعتبار الذين تعاملوا مع الاحتلال الأميركي عملاء، إلا اعتبار أن أميركا لم تحتل العراق، أو لأن الاحتلال الأميركي يندرج تحت توصيف الحالة الوطنية وعندها يصح اعتبار من يتعامل الاحتلال باعتباره حالة وطنية بأنه وطني. فهل هذا صحيح؟
وعندما يعتبر الاحتلال الأميركي، بأنه يجسد حالة وطنية، يصح عندها اعتبار ان الذين يقاومونه إرهابيون، وعندما يعتبر الاحتلال الأميركي، بأنه حالة وطنية، يصح أيضاً، اعتبار إفرازات الاحتلال وكل من عمل بأمرته وتوجهاته حالة وطنية!!
إذاً، أن الأمر ينطلق في التعامل مع الحالة العراقية من التوصيف السياسي لطبيعة الاحتلال الأميركي، وهذا يسحب نفسه على كل احتلال أجنبي لأرض وطنية. ونحن لا نذهب بعيداً في التحليل بل نحيل الأمر إلى توصيف الأمم المتحدة التي اعتبرت الوجود الأميركي هو وجود احتلالي والى البندين (1) و(2) من قرار الجمعية العامة 1514 (د. 15) تاريخ 14/12/1960 اللذين نصا على أن إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل انكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ولجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها.
يا اخوتنا في أمة العرب
إن من يعتبر المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي، هي ظاهرة إرهابية، يتبنى المنطق نفسه الذي يعتبر المقاومة الفلسطينية و المقاومة الوطنية اللبنانية ظاهرة إرهابية .أوليس هذا هو نفس المنطق الذي يعتمده التحالف الاستعماري – الصهيوني، بأن الاحتلال هو المشروع، والمقاومة هي الإرهاب في تشويه مقصود للخلط بين مفهوم الإرهاب والمقاومة؟
إن شعب العراق عبر شرعيته الوطنية، يعتبر الاحتلال أعلى درجات الإرهاب، ومن يتعامل مع هذا الاحتلال، هو عميل للاحتلال بالدرجة الأولى، وإرهابي بالدرجة الثانية، لأنه يقوم مقام المحتل في قمع الشعب واستغلال ثرواته ونهبها وضرب كل مظاهر السيادة الوطنية.
فإذا كتم أيها العرب في مواقع السلطة وخارجها، لا تميزون بين المحتل والمقاومة فتلك مصيبة، وإذا كنتم تميزون وتتبنون المنطق الأميركي باعتبار المقاومة هي الإرهاب بعينه، فتلك مصيبة أكبر .
وإذا كنتم أيها العرب في مواقع السلطة وخارجها لا تدركون حجم المخاطر التي تهدد العراق بوحدته الوطنية والمجتمعية وما يشكله ذلك من تهديد لأمن العرب القومي فتلك مصيبة، وإذا كنتم تدركون ذلك وتبلعون السنتكم فالمصيبة أكبر!!
إن العراق يا اخوتنا في العروبة، لم يدخل يوماً في مساومات على حساب الحق القومي، ولم يبع اسم العرب في أسواق النخاسة السياسية.
وإذا كنتم ما زلتم في موقع متمترس حول أزمة الكويت، فهذه الأزمة انتهت علماً أنه لا ينظر إليها من آخر فصولها، بل من خلال مراحل تشكل معطياتها، وأن قيادة العراق قالت أن دخول الكويت كان خطأً، فهل أقدمتم على انتقاد أنفسكم، للمشاركة في الحرب على العراق وفي تقديم التسهيلات وفتح أراضيكم والأجواء أمام آلة الحرب الأميركية التي قتلت البشر ودمرت الحجر، وبذلك تتحملون مسؤولية عما آلت إليه الأوضاع.
إن العراق يتعرض اليوم لعدوان موصوف متعدد الأوجه، وان جماهير العراق التي اعتبرت أن المقاومة تعبر عن أمانيها، وأهدافها، ترى أن هذه المقاومة التي تحولت إلى ثورة شعبية شاملة، هي الحالة الوطنية التي تجد نفسها من خلالها، وليس من خلال الزمرة السياسية التي أفرزها الاحتلال الأميركي، وتمارس اليوم دورها في ظل الإشراف والتوجيه الإيرانيين المباشرين.
إن العراق، يا أخوتنا في العروبة، واجه وحيداً كل هذا الطاغوت الدولي والإقليمي، وهو اليوم يستمر في المواجهة بصبر الأنبياء، لا تخيفه آلة الحرب المعادية، لأنه على ثقة بأن من هزم أميركا، قادر على إلحاق الهزيمة بإفرازاتها ومن يقف وراءهم ويوفر لهم التغطية السياسية والإعلامية.
إن العراق قدم خيرة شبابه دفاعاً عن أرضه وحريته وأن يبلغ عدد الشهداء مئات الألوف ومنهم مئة وخمسون ألف شهيد بعثي والاف المعتقلين ومنهم قادة من المقاومة وحزب البعث، لا يمكن أن تثني عزيمته كل هذه الأضاليل الإعلامية التي تصور الواقع بعكس حقيقته، معتبرة حملة المالكي العسكرية والأمنية بأنها لمواجهة الإرهاب فيما الحقيقة بأنها موجهة لضرب الحالة السياسية الوطنية التي احتضنتها جماهير الشعب وأطلقت العنان لحراك شعبي تحت عناوين المسألة الوطنية.
فما بال الأنظار تغرب عما يجري في العراق، وما بال هذا السكوت المريب والتعتيم الإعلامي عن المجازر التي ترتكب بحق أبناء العراق في كل مدنه ونواحيه، في الشرق والغرب والوسط والجنوب والشمال!!
يا اخوتنا في أمة العرب،
إن مشهدية محاصرة الرمادي والفلوجة اليوم تذكر بمحاصرة القوات الأميركية لهما، وقصف الأحياء الآهلة بالسكان والملاجئ تذكر بقصف العدو الأميركي لملجأ العامرية في 13/2/1991 .
فإذا كنتم تصدقون، ان شيوخ وأطفال ونساء الرمادي والفلوجة هم إرهابيون، فهذا يعني أنكم تصدقون الرواية الأميركية بأن الذين مزقت أجسادهم في ملجأ العامرية هم إرهابيون.
فهل ماتت النخوة العربية، وهل مات الضمير العربي، ونحن نعرف أن ضمير الأمة حي، طالما بقي نبض الحياة فيها؟! إلى متى يخيم السكوت عليكم أيها العرب وكأن الطير على رؤوسكم؟
يا اخوتنا في أمة العرب،
إن العراق الذي شرف أمته، اختار الصدق في زمن الرياء، فأعطى دون منة، ومارس السياسة دون تقية، وقدم الشهداء على مذبح الواجب النضالي الوطني والقومي ليس على أرض العراق وحسب، بل أيضاً على أرض فلسطين وسوريا ولبنان، ومصر والجزائر وكل أرض العروبة. و كل ما يطلبه أن تخرجوا عن صمتكم، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.
إن شعب العراق وهو يخاطبكم، لا يخاطبكم من موقع الضعف، بل من موقع القوة، قوة الفعل النضالي، وقوة الشرعية الوطنية، وهو لا يتنكر لعروبته، بل هو فخور بها، وفخور بانتمائه إليها، لأنها أمة تملك من المخزون الحضاري ما يمكنها من هزيمة المشروع الاستعماري الجديد. فالعراق الذي هزم أعتى قوة عسكرية في التاريخ الحديث، كان يستحضر في مقاومته إرادة شعبه الوطنية و انتصارات العرب في اليرموك والقادسية وحطين. وهو سيبقى فخوراً بنفسه ويحمل الرسالة التي نذر نفسه لأجلها كما هو فخور بمقاومته وثورته الحالية وبالحزب الذي قاد المشروع النهضوي في فترة النضال الإيجابي، ويقود معركة استعادة وحدة العراق وحريته من الاحتلاليين الأميركي والإيراني.
يا اخوتنا في العروبة
يا من ابتلعتم ألسنتكم، وبخلتم عن شعب يقبض على جمر العروبة، قبض المؤمن على كتابه،عودوا الى أصالة العروبة ولا تبخلوا عن شعب يصلي مناضلوه في محراب المقاومة وإلا سيصح فيكم قول:
– آه يا عرب.
– يا أخي يا بن العرب
– عجبي كل العجب.
ما الذي أبدل سيف الثائرين بحطام من قصب
ما الذي باع اللسان العربي بلسان من خشب.
من شعب العراق إلى أمة العرب مع بالغ التحيات