أحمد العنيسي
لا يخفى على أحد ما يدور في الوطن من انتهاكات لحقوق المواطنة من غير حسيب ولا رقيب، ولا ضمير حي يوقف العبث بمصائر المواطنين. فهناك كفاءات تُغتال معنوياً وتُسلب حقوقها لعدم توافقها مع سياسات الإقصاء والتمييز. وهي سياسات تتكرس وتتسع أمام من يريد الصعود إلى الوظائف واحتلال مناصب الآخرين وعلى أشلائهم، من دون كفاءة أو مؤهلات، وبالمقابل توضع العراقيل أمام أصحاب الكفاءات لتمنعهم من الترقيات.
في إحدى الوزارات الخدمية توقفت ترقية أحد المواطنين – وكيل وزارة مساعد – لأسباب لا تمت للوطنية ولا للمهنية والإنسانية بسبب، وإنما لانتمائه وموقفه السياسي. فهل يعقل أن تسلب مواطناً حقه الطبيعي، أو يُحرم الوطن من كفاءاته الوطنية لمجرد الانتماء لجمعية سياسية معارضة؟
الاستراتيجية نفسها تستخدم في بعض الجهات التعليمية، التي تسيطر عليها بعض التيارات الدينية، فتمكنت من السيطرة على القرار فيها وتسيير شئونها وفق أجندات خاصة، حتى تحكمت بمصائر مئات العاملين فيها، وأخذت تمنح وتمنع الوظائف، حتى أعطت بعض الوظائف لمن لا يستحقها على طبق من ذهب.
وتجاوز سوء استخدام السلطة من التوظيف إلى الابتعاث والترقيات وحتى النقل، فهناك من تم نقله تعسفاً من اختصاصي تربوي إلى مدرس ابتدائي، وثانٍ من موجّه تربوي إلى مدرس زراعة، وثالث من مدير مساعد إلى مدرس احتياط، فضلاً عن مئات المتطوعين المعينين من دون جداول تعليمية، في آخر أشكال البطالة المقنّعة. والمثير أنه لم يفكر أي نائب بمحاسبة المسئولين عن هذا الفساد الإداري والمالي، مادام كل ذلك يأتي ضمن خطط وأجندة سياسية تمييزية باطلة.
عندما يتم إيقاف الترقية عن مواطن لأنه ينتمي إلى جمعية سياسية، فاعلم بأن المعيار في وطننا الحبيب ليس للقدرات والمؤهلات أو جودة الأداء التي يتغنون بها، بل الولاء السياسي المطلق، حتى لو كان من بلد بعيد. مثل هذه السياسات لا تخدم الناس ولا النظام ولا الوطن، لأنها تولد الكره والنفور لدى المواطن وتفقده الطموح، فينعكس ذلك على العمل وعلى النظام التعليمي.
لطالما حذّرنا من أن مثل هذه السياسات قد تؤدي لهجرة الكفاءات الوطنية إن شعرت بالظلم وسحق الحقوق. فالحكومات الإصلاحية تحتضن الكفاءات لتستفيد منها في خدمة الناس، وتخلق جيلاً متشبثاً بأرضه يدافع عنها بكل غالٍ ونفيس. أما الاعتماد على أشخاص من أصحاب المطامع، يخترعون قصصاً وهمية، ويشيدون أنفاقاً خيالية، ويبيعون ولاءهم لكل من يدفع لهم، فهؤلاء مرتزقة وليسوا أبناء ولا بناة وطن.
إن البلد لا تتحمل أية طبقة إضافية من المنافقين المنتفعين من وراء تأزم الأوضاع، والبلد إنما يحلّق بجناحيه وأهله المخلصين وليس الطارئين الذين جاءوا لطلب الغنائم على حساب عذابات المواطنين.
ويبقى على النواب مسئولية التصدي لسياسات التمييز إن كانوا يمثلون هذا الشعب حقاً. وأمام هذه السياسة القاتلة للطموح الشعبي واغتيال الكفاءات وهدر الطاقات، من واجبهم اقتراح قانون يجرم التمييز الوظيفي، والعمل على محاربة البطالة التي لا تخدم الوطن.