قاسم حسين
في إجابتها على سؤال «الوسط» عن المعاملة التي تلقتها رئيسة جمعية التمريض البحرينية رولا الصفار لدى اعتقالها، أجابت أنها بمجرد دخولها مبنى التحقيقات، ضربها رجلٌ على وجهها، و«صمّدوا عيني وكبّلوا يدي وأدخلوني في زنزانة».
استوقفتني كلمة «صمّدوا»، فسألت المصحّحين اللغويين عن جذرها اللغوي، فقال أحدهم ضاحكاً: «أصلها الصمود»! وبعد مراجعة «المنجد في اللغة»، اكتشفنا أن أقرب المعاني السبعة التي أوردها للكلمة هو الصمادة، وهو ما يلفه الرجل على رأسه كالمنديل، وصمد القارورة أي جعل لها سداداً. ولكن في حالة السيدة الفاضلة رولا تمت تغطية وجهها بقماش لمنعها من الرؤية، كما يحدث في أغلب عمليات الاعتقال للرجال والنساء، والشابات والشباب.
الصفار اختارتها مجلة «أريبيان بزنس»، ضمن قائمة أقوى 500 شخصية عربية للعام (2012)، وتصدّرت أسماء 13 شخصية بحرينية، واعتبرت ذلك بمثابة إعادة اعتبار وشهادة براءة للكادر الطبي الوطني، وخصوصاً أنها تأتي من الخارج، بمعايير لا تخضع للواسطة والمحسوبيات أو التسييس.
في تفاصيل اعتقالها، بقيت واقفةً على مدى يومين أو ثلاثة، وكانت تُمنَع من الجلوس، وحين طلبت منها شرطيةٌ خلع حذائها، سقطت على الأرض لأنها فقدت توازنها، وبعد 4 ساعات أحضرت الطبيبة جليلة العالي وعرفتها من صوتها لأنها زميلتها. وكانت التحقيقات معهن تبدأ عصراً وتستمر حتى فجر اليوم التالي، وكنّ يعرفن ذلك من سماع صوت الأذان الذي يستبشرن به.
في صباح 16 مايو 2011 أُخِذت الصفار مع 17 شخصاً، لتسجيل اعترافات، وشاهدت مخرجين وحقوقيين ومذيعين مع ممثلين بحرينيين، وطُلب منها تسجيل اعترافات معينة كرهاً، وإلا هُددت بالاغتصاب.
الصفار، اعترفت بتعرضها لأنواع مختلفة من التعذيب، بدأت بقص شعرها بالقوة، والتعرض لتحرش جنسي، وسب وشتم، إلى جانب الضرب والصعق الكهربائي. وبعد أسبوع من التوقيف نُقلت إلى مركز مدينة عيسى، لتسجن مع مدمنات المخدرات، ومتهمات في قضايا الدعارة. ولم تتحسن المعاملة إلا بعد زيارة منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون للبحرين، حيث حصلت شخصياً على لحافٍ في ذلك الجو البارد.
قبل أسبوع من الإفراج، التقتهم لجنة بسيوني، حيث عرفوا منها خبر الإفراج قريباً، وتقول عن تلك اللحظة: «لم أتوقع أن أخرج من السجن وأعود إلى البحرين المتشققة التي لم أعرفها من قبل». إلا أن الأكثر إيلاماً لسيدة رقيقة مثلها، أنها فوجئت بزملاء عاشت معهم سنوات طويلة، شهدوا زوراً على زملائهم، ووصلوا إلى مناصب على حسابهم وأكتاف غيرهم، وهذه القضية تحديداً تشير إلى انحدار أخلاقي مهين.
الصفار ذات رؤية واضحة في الحياة، تعترف بأن الكادر الطبي ليس له في السياسة، و «لم نكن سياسيين، وما قمنا به من علاج للمصابين هو من صلب الواجب الذي يمليه ضميرنا والقسم الطبي». و«مهنتنا لا تعرف سياسة أو طائفية، وإذا كان أحدٌ من الممرضين لديه تمييز أو طائفية، فعليه أن يخلع ملابس التمريض». ورغم كل هذه المعاناة والقصة التراجيدية لا تفكّر في الخروج من البحرين، مع أنها حصلت على عروضٍ وظيفيةٍ كثيرةٍ في الخارج.
رئيسة جمعية التمريض رغم حصولها على حكم البراءة، مازالت رواتبها موقوفة منذ شهر مارس/ آذار 2011 حتى الآن، وتقول بكبرياء الأبرياء الأباة: «الموضوع ليس الأموال، والأهم هو المبدأ وكرامة الإنسان».