عبدالنبي العكري
من الخرافات التي استقرت طويلاً في عقولنا، اسطوانة متكررة نسمعها في كل صباح ومساء في البلدان العربية، وهي «حكم القانون»، فبالقانون يتم تكريس الاستبداد والنهب والفساد والتمييز ضد أغلبية أبناء الشعب.
وبالمقابل تكريس الامتيازات والتحكم والاحتكار للقلة. فبالقانون يشرعن نهب موارد الدولة والمال العام واحتكار التجارة والمناصب.
وبالقانون يجرّم من يطالب بحقه ويحشر في الزاوية؛ فالقانون لا يتيح له العمل السياسي وحرية التعبير والتجمع والتنظيم وخوض الانتخابات والتنافس الفعلي، كما لا يتاح التنافس على الوظائف الرسمية، أو الفوز بالمناقصات الحكومية للأفضل.
حكم القانون كلمة حق يُراد بها باطل؛ فالقانون يجب أن يعكس الحق أولاً، أي الحق كما عرفته الأديان السماوية والشرائع الإنسانية، وفي مقدمتها شرعة حمورابي وصحيفة المدينة والماجنا كارتا وإعلان الثورتين الفرنسية والأميركية، ثم تم النص عليها في ما يعرف بشرعة حقوق الإنسان الأممية، واتفاقيات جنيف الأربعة، وتتالت بعدها المواثيق الإقليمية والدولية فيما يُعرف حالياً بالشرعية الدولية.
ثم أن القوانين يجب أن تتوافق مع الشرعية الدولية، ويتم وضعها من قبل سلطة تشريعية منتخبة تمثل فعلاً الإرادة الشعبية، ويتم انتخابها في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وتنافسية، توصل نواباً نزيهين يقومون بسلطة التشريع والرقابة، ويشرّعون لصالح الأمة وليس لفئة على حساب أخرى.
ويشترط أن يناط تنفيذ هذه القوانين، وخصوصاً تلك التي يخضع لها الجمهور بسلطة قضائية مستقلة تشمل القضاء والنيابة العامة، ويشاركها في التنفيذ بالطبع أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، ولكن بإشراف كل من السلطتين التشريعية والقضائية، حتى لا يُساء استغلال سلطاتهم وحتى لا يُظلم أحد، أو على الأقل لا يظلم عمداً.
ولكن أين نحن من ذلك في بلداننا العربية السعيدة؟ حكم القانون على الضعيف -وليس القوي- هو السائد. القانون في بلداننا العربية متحرك، لذا يمكن لأصحاب النفوذ إصدار قوانين لا دستورية ولا يستطيع البرلمان عملياً أن يبطلها. ويشمل ذلك التصرّف في أراضي البلاد وثرواتها وأموالها وتعيين من يشاؤون في أي منصب.
أمّا الوجه الآخر فهو أن القوانين رغم قصورها لا تطبق على الكبار، فمثلاً توجد قوانين الذمة المالية وعدم تضارب المصالح وعدم استغلال المنصب الرسمي، لكنها لا تطبق على الوزراء والنواب والسفراء ومن في منزلتهم في جميع البلدان العربية، وليس من قانون يحاسب رئيس الجمهورية، في حين أن القضاء في أميركا حاكم الرئيسين نيكسون وكلينتون، وفي بيرو حاكم الرئيس فوجي موري، وفي الفلبين حاكم الرئيس السابق. أما الرؤساء في منطقتنا العربية فمستثنون من قانون الذمة المالية والعزل وطرح الثقة، ولا يخضعون للقانون، في حين إن رئيس وزراء فرنسا السابق آلان جوبيه عُزل من منصبه وغُرّم لأنه توسّط لابنه في الحصول على شقةٍ من بلدية باريس. ونادراً ما يحاكم وزير أو فرد من النخب العربية الحاكمة. ويتضح ذلك مما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، حيث تكشّف حجم الفساد والنهب والمحسوبية وتجاوز الدستور والقوانين.
حكم القانون يعني أن يكون القانون محقاً وعادلاً، ويحقّق غرض العدالة والمساواة والنزاهة. وحكم القانون يعني أن يُطبّق على الجميع، الكبير قبل الصغير، وأن يناط بتنفيذه سلطة قضائية نزيهة وجهاز دولة مستقل.