ادعاء «اختطاف حمد» وهتك العقد الاجتماعي
عبيدلي العبيدلي
مرت الأيام، واكتشفنا ان الطفل حمد إبراهيم محمد سيف البالغ من العمر 11 لم يكن مختطفاً، وانما ادعى ذلك أحد الأشخاص من أجل الحصول على الجنسية البحرينية من جانب، وكذلك الحصول على المال من والد الطفل الذي يعيش في اليمن.
ولكن وقبل ان تتوصل التحريات الى حقيقة الادعاء، فإن الادعاء الكاذب كشف عن حاجتنا الى النظر في كيف تعاطينا مع موضوع اختفاء الأطفال.
تتشابك الأمور، وتتداخل المسئوليات، وتطفح على السطح الكثير من الحكايات والأقاويل، التي تثير العديد من التساؤلات. ليس هناك ما يدعو إلى تناول مدى جدوى المبادرات التي تقدمت بها جهات مثل وزارة «التنمية»، عندما تبرعت، وبعد مضي ما يزيد على أربعة أيام على غيابه (قبل ان نكتشف انه ادعاء كاذب)، كي تضع بتصرف من لديه معلومات مفيدة خطاً ساخناً يمكنه استخدامه كي يساعد المسئولين على الوصول إلى الخيوط التي قد تفيدهم في الكشف عن الجريمة، والوصول إلى المجرم. ولسنا هنا بصدد تقويم كفاءة الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية كي نبرئ ذمتها، أو نوجه لها أصابع الاتهام. فالأمور أبعد أفقاً من مجرد «خط ساخن طارئ»، وأكثر تعقيدا من تحقيقات جنائية تحصر نفسها في الإطار الأمني المحض.
فإن كان لنا البحث عن الأسباب التي قادت إلى «غياب الطفل حمد»، فينبغي عدم تناول غيابه، بعيداً عن الاختلالات المركبة التي ولدها تفاعل عناصر سياسية واجتماعية عبرت عن نفسها في حوادث أمنية، قد تبدو مبعثرة، لكنها، في جوهرها، كانت ظاهرة متكررة، ومترابطة في آن، سادت البحرين خلال السنوات الأخيرة الماضية، وباتت تطالب الجميع، المواطنين قبل المسئولين بضرورة التوقف عندها من أجل معالجة القضية من جذورها، بدلا من الاكتفاء بتشخيص ما يبدو على القشور الخارجية التي تغلفها، والتردد خوفاً من الغوص إلى الأعماق، وإظهار الصورة على حقيقتها دون أية رتوش أو مساحيق.
قد تبدو القضية، وكأنها محض مشكلة اجتماعية بعيدة عن أية ارتباطات سياسية، وأنها هي التي أدت إلى أن «يتوه» طفل لما يزيد على أسبوع، في بلد صغير من حجم البحرين، وفي وسط مجتمع محافظ، كالذي تعيش بين ظهرانيه.
الخطوة الأولى على طريق البحث الجاد، ينبغي أن تبدأ عن المستجدات التي طرأت على المجتمع البحريني، خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي ولدت مثل هذه الظواهر، والتي هي باتفاق الجميع حالة غريبة علينا كدولة وكمجتمع. هذه الرغبة الجادة تقودنا، إلى طريق واحدة لا ينبغي أن يكون هناك ما يحرفنا عنها، وهي تلك الكتلة السكانية غير الطبيعية التي زرعت بشكل مفتعل، ومن أجل غايات سياسية ضيقة الأفق، قصيرة المدى، من أجل تحقيق ما أصبح يحلو للبعض أن يروج له على أنه «مهمة وطنية» ، تتطلب منا العمل من أجل إعادة «التوازن الطائفي» في المجتمع، كخطوة أولى، كما يدعي هؤلاء، لتحقيق التناغم الاجتما/ سياسي الذي تحتاجه البحرين، لضمان تطورها وتقدمها. هذه النبتة غير الطبيعية، التي تم سقيها بمياه آسنة غير صالحة للري، لايمكن أن تثمر اجتما/سياسيا شيئاً يختلف عما تعرض له الطفل حمد، الذي تدق حالة اختطافه ناقوس خطر ينذر بما يهدد البحرين كدولة ومجتمع، فيما لو لم يعاد النظر في تلك الخطوة الخاطئة التي توهمت ان في وسعها معالجة ما وصفته بـ «الاختلال الطائفي».
ما يولد مثل هذه الظواهر بين صفوف هذه الكتلة هو أنها، وهذا أمر طبيعي، وينبغي أن نتوقعه، أنها ما تزال تعيش مرحلة «انتقالية مؤقتة»، بين هجرتها من مجتمعاتها الأصلية، واستقرارها في مجتمعها البحريني الجديد. خلال هذه المرحلة الانتقالية تكون هذه الكتلة في حل من أي «عقد اجتماعي» يربطها بالفئات والقوى الاجتماعية المحيطة بها. وبالتالي، تفقد هذه الفئة بوصلة القيم الاجتماعية التي تحدد مفاهيم النسيج الاجتماعي الذي ينظم العلاقات بين فئات المجتمع المختلفة. هذه الحالة الانتقالية، تبيح لفئات معينة، كي لا نظلم الكتلة بكاملها، بهتك أي شكل من أشكال العقد الاجتماعي الذي يفترض أن ينظم العلاقات الاجتماعية بين مختلف الفئات في البحرين.
هتك العقد الاجتماعي شبيه بإلقاء حجر في المياه، تتدافع تأثيراته وتتموج، فتتولد منها دوائر تأخذ في الاتساع قبل أن تتلاشى. ومن هنا ينبغي أن نهيأ أنفسنا، شئنا أم أبينا، إلى دوائر متدافعة تتولد عنها ظواهر اجتماعية سلبية خطيرة، كتلك التي ولدها إلقاء الحجر في الماء، ليس «اختفاء» الطفل حمد سوى ما يبدو على السطح منها.
تلك البداية قد تكون محصلتها النهائية سلسلة من الحوادث المتتالية التي سنواجهها في المستقبل القريب، ولن نكون قادرين على مواجهتها او التصدي لذيولها، فتكون نهايتها مجتمعاً هشاً غير قادر على نسج علاقات حميمية بين مواطنيه، دع عنك فئاته الاجتماعية، فما بالك بطوائفه ومذاهبه المختلفة
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3019 – الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ