استباحة القوات الايرانية للأراضي العراقية واحتلال حقل نفط عراقي ليس بالحدث العابر، ولا هو بالتطور البسيط. هذا عدوان ايراني سافرعلى العراق واراضيه. وهذه بحد ذاتها جريمة. لكن الامر ابعد حتى من هذا كثيرا.
هذا العدوان الايراني جاء كضوء كاشف يفضح امورا كثيرة، ويجسد اوضاعا خطيرة في العراق وفي المنطقة.
العدوان جاء بداية ليكشف بجلاء وبلا مواربة الاطماع الايرانية في العراق، واسترتيجيتها لتحقيق هذه الاطماع، وايضا ليجسد نوع الاهداف الايرانية في المنطقة عموما.
وهذا العدوان جاء ثانيا ليذكرنا بالجرائم التي ارتكبها الاحتلال الامريكي للعراق، والحكومات التابعة التي نصبها.
وجاء العدوان ايضا ليلفت الانظار الى قضايا في منتهى الخطورة تتعلق بمسألة الطائفية حين تستحكم وتطغى.
كل من هذه الجوانب الثلاثة بحاجة الى وقفة تأمل.
فيما يتعلق بالجانب المتعلق بايران واطماعها واستراتيجيتها لتحقيق هذه الاطماع، لنا ان نتأمل الجوانب التالية:
هذا الحقل النفطي، هو جزء من خلافات عراقية ايرانية حول حقول نفط وحول مناطق حدودية برية وبحرية. والبلدان شكلا لجنة مشتركة لبحث حسم هذه الخلافات وترسيم الحدود البرية والبحرية. فما معنى ان تستبق ايران بدء اللجنة لعملها وتجتاح الاراضي العراقية وتحتل حقل النفط؟
المعنى واضح وليس بحاجة الي اعمال للفكر. المعنى ان ايران تريد ان تبلغ الحكومة العراقية ان موضوع الخلافات الحدودية برمته، ورغم ان اللجنة المشتركة من المفروض ان تبحثه، الا انه في حقيقة الامر ليس مطروحا لأي نقاش او تفاوض. المعنى بعبارة اوضح انه ليس امام الحكومة العراقية سوى ان تقبل وتسلم بكل ما تطلبه ايران وكل ما تريد الحصول عليه من حقول نفط ومناطق حدودية، ومن دون نقاش، وان عليها ان تعلم ان هذه اللجنة مجرد اطار شكلي تقر الحكومة العراقية من خلاله بهذا.
الرسالة الايرانية بعبارة اكثر وضوحا هو ان لحكومة العراق ان تدرك انها ان لم تسلم لايران طواعية بكل ما تريد، فانها ببساطة سوف تستولي على حقول النفط والمناطق الحدودية المتنازع عليها بالقوة العسكرية وتفرض سيطرتها عليها.
هذا جانب. الجانب الآخر، لنتأمل الاسلوب الذي تعاملت به ايران مع القضية منذ ان تم الاعلان عن احتلال حقل النفط.
في البداية، نفى المسئولون الايرانيون نفيا قاطعا الاخبار التي تحدثت عن احتلال حقل النفط. واعتبروها كما هي العادة، اخبارا كاذبة، واتهموا اجهزة الاعلام العربية والاجنبية بأنها تريد التشويه والاساءة الى العلاقات بين ايران والعراق.
لكن سرعان ما اكتشفنا ان هذا النفي الايراني، له معنى مختلف تماما عن المعنى الذي يمكن ان يرد الى الذهن. اكتشفنا ان المسئولين الايرانيين بهذا النفي يقصدون ان الاراضي التي اجتاحوها هي بالنسبة اليهم اراض ايرانية، وان الحقل الذي احتلوه هو بالنسبة اليهم حقل ايراني، ومن ثم فليس هذا في عرفهم احتلالا.
ولهذا، حين قال المتحدث باسم الخارجية الايرانية ان هناك سوء فهم فيما حدث، فقد كان يقصد ان العراقيين لم يفهموا ان هذا حقل ايراني واراض ايرانية، ومن ثم فلا داعي للاحتجاج.
والامر لا يقف عند حد احتلال حقل نفط، او اطماع ايرانية في اراض وحقول نفط عراقية. لنتأمل ماذا قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى الايراني حسين ابراهيمي. قال، بعد احتلال الحقل العراقي، في تصريحات ابرزتها وكالة "مهر" الايرانية ان ايران تطالب العراق بتعويضات قيمتها الف مليار دولار، عن "خسائر الحرب التي شنها العراق". ولكنها لم تطرح ذلك حتى الآن.
الذي يريد ان يقوله واضح.. يريد ان يقول ان احتلال حقل النفط هذا او غيره، ليس الا جزءا يسيرا مما تطمع فيه في العراق.
وبعد كل هذا، تحدث المسئولون الايرانيون مرارا وتكرارا في اليومين الماضيين عن كيف انهم حريصون جدا على العلاقات الوثيقة مع العراق والشعب العراقي، وعن الصداقة والتعاون. وهو نفس الخطاب الذي يتحدثون به عن العلاقات مع دول المنطقة.
نقول مرة اخرى واخرى.. الاطماع الايرانية في المنطقة بلا حد، والمشروع الايراني يهدد كل دول المنطقة. والرسالة.. اعني رسالة احتلال حقل النفط العراقي هي في الحقيقة ليست الى حكومة العراق فقط، وانما الى كل دول المنطقة.
للحديث بقية.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.