اجتثــــاث البعـــــث أم اجتثــــاث شعــــب
سلام الشماع
صحيفة الوطن – العدد 1839 الخميس 23 ديسمبر 2010
قال لي، وهو صديق عزيز لا أشك في حسن نيته: لقد أعفوا فلاناً وفلاناً وفلاناً من قانون اجتثاث البعث وأظنهم سيلغونه عما قريب..
كثيرون في خارج العراق، ومن غير العراقيين خصوصاً أصابهم الوهم الذي أصاب صديقي حسن النية هذا، وهم لا يدرون أن اجتثاث البعث أجندة ثابتة للاحتلال ومن أعانه، وهو في الحقيقة اجتثاث شعب وإبادته، وإلا فإن مئات الآلاف من العراقيين قضوا بهذه الذريعة البشعة وهم لم يكونوا بعثيين أو كانوا من المناهضين للاحتلال، أو أنهم كانوا من الخبرات العراقية الممتازة في مجال اختصاصها.
إعفاء فلان وفلان وفلان من قانون اجتثاث البعث ليس حقيقة، وإنما هو ضحك على الذقون، فهؤلاء ليسوا بعثيين بدليل إيمانهم بالعملية السياسية التي فرضها المحتل، والبعث لا يؤمن بها، ولا يؤمن بغير المقاومة طريقاً للتحرير، وحتى إذا كانوا يوماً ضمن البعث، فإنهم تساقطوا وصاروا في خندق آخر لا علاقة له بالخندق الذي كانوا فيه من قبل، وإنما على الضد منه تماماً، وذلك نوع من خلط الأوراق المستمر منذ أول يوم للاحتلال إلى الآن ولسوف يستخدم هذا الخلط في هجمة انتقامية جديدة على البعثيين وأصدقائهم، بل لكل من شارك في حرب العراق ضد إيران، ولو بالشعور المؤيد، على حد تعهد عبدالعزيز الحكيم للخامنئي. والاجتثاث شمل النصب والتماثيل في العراق، فهم لم يبقوا نصباً أو تمثالاً إلا حطموه وأزالوه، ورأيت قبل أيام صورة حديثة لقوس النصر وقد شوه تماماً وأفرغ من دلالاته ومعانيه. ونصب قوس النصر رافقته فكرة ومشروعاً حتى اكتمل فقد كان من عمل صديقي الراحل الفنان خالد الرحال، وقد أراني الرحال ورقة رسمت عليها فكرة النصب وكانت بخط يد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وكان الرسم سيفين متقاطعين، ومنذ أن تسلم الرحال هذه الورقة وهو يفكر في إخراج هذا النصب إخراجاً فنياً يليق بتاريخه الفني الكبير، فجعل السيفين المتقاطعين تمسك بهما يدان وقد شقت الأرض وأشهرتهما لتقاتل بهما الأعداء وترتبط باليدين شبكتا صيد كبيرتان مليئتان بخوذ الجنود الإيرانيين جلبت من ساحات القتال، ثم فكر الرحال: يد من تستحق أن تحمل هذين السيفين العظيمين إلا يدي الرئيس، فكتب إلى الرئاسة طالباً أن يلتقي الرئيس ليأخذ قالبين جبسيين ليديه وقد كان، وبقي التنفيذ، وفي أثنائه توفي الرحال فتابع عمله الفنان العراقي الكبير محمد غني حكمت يساعده معاون الرحال النحات عبدالمطلب مهدي الطائي الذي كان على اطلاع كامل بأسرار العمل. المهم، وجدت صورة النصب وقد أزيلت منه الكفان اللتان تمسكان السيفين وأزيلت الشبكتان المليئتان بخوذ الجنود الإيرانيين وفقد النصب معناه، وأعتقد إن ذلك جرى تمهيداً لإزالة النصب ككل. الذي يحقد على التماثيل والنصب وينتقم منها ويجتثها وهي جماد، هل تأخذه بالبشر رأفة أو رحمة؟
إني على مثل اليقين الآن إن العراق سيمر، بعد فرية الإعفاء من الاجتثاث أو إشاعة أنه على طريق الإلغاء، بمجزرة تستهدف ليس البعثيين ومؤيدوهم، بل قوى المقاومة في الشعب، وكل من يناهض الاحتلال، والقوى الوطنية والقومية والإسلامية، وسترتفع معدلات التيتيم والترمل التشريد، ولن يجد العراق استقراراً ولا الحكومة الجديدة ستستطيع تقديم أي شيء للعراقيين لأن برنامجها المستمر هو الانتقام والإبادة، وليس الإعمار ومداواة جراح العراقيين. وطبعاً هذا فعل سيقابله رد فعل القوى المستهدفة التي ستجد نفسها في حالة الدفاع عن النفس، والمعادلة ستكون الشعب مقابل الحكومة التي نصبها الاحتلال ومليشياتها وقتلتها. الاجتثاث من أساسيات الاحتلال والمتعاونين معه، ولو كانت النية متجهة لنبذ قانون الاجتثاث سيء الصيت لما تواصل اغتيال العلماء والطيارين وضباط الجيش العراقي في النظام الوطني والصحافيين والمثقفين ووجهاء القوم في العراق..
فيا حسني النية ويا أيها المتفائلون؛ الاحتلال لا يقدم خيراً لشعب محتل.. كما إن شعب العراق لن يكف عن مقاومة المحتل ومقارعته..