يمكن للمرء أن يتصور أو يقر في إطار الصراعات السياسية والمنازعات الفكرية أن تحاول أطراف الصراع خلق مفاهيم أو ترويج تصورات معينة من منطلق أيديولوجي بحت، وبواقع هوى ورغبات ذاتية ليس لها علاقة بالواقع أو الحقائق التاريخية على الأرض، ويمكن أيضاً أن نتفهم أن يكون لكل منا نظرته الخاصة للأحداث الجارية حسب تفكيره وفلسفته الخاصة ـ وحتى مزاجه الخاص أيضاً ـ، ولكن عندما نرى المواقف والتحليلات تنطلق من نظرة خاطئة ومن أوهام كاذبة ومشوهة، نكون فعلاً أمام مشكلة حقيقية، ففي هذه الحالة يكون الحديث المرسل والكتاب المطبوع أو المقال المنشور هو مجرد سجال خطابي يقوم على الرغبة في إبطال رأي الخصوم والطعن في أفكارهم ومواقفهم، دون النظر إلى قيم الحقيقة ومبادئ الشرف التي يحاول أن يتظاهر بها ـ كذباً ـ من يمسك القلم ويسطر به آرائه ومواقفه بالضد من هذا الخصم السياسي أو ذاك الاتجاه الفكري المخالف له.
إذن، كل ما يكتب في إطار هذه " العقلية " هو في الواقع يخضع للسياسة ومنطقها، أي لميول الكاتب السياسية، وما نجده من انحراف وتشويه في الفكر والسلوك عند هذه النوعية من الكتاب هو بالأساس يعود إلى أن كتاباتها أسيرة رغبات شخصية مكبوتة، وتخدم سياسات معينة ذات أهداف وأغراض خاصة، ومحاولة تكريسها أو فرضها عنوة على الآخرين بشكل مهووس وموتور أحياناً.
وهذا النوع من الشطط في التفكير والتصرف هو الذي يقود صاحبه إلى السقوط الفاضح في مهاوي " الرذيلة السياسية " والأخلاقية، واللجوء إلى افتعال معارك وهمية، والاعتماد على الإثارة والمبالغات والتهويل، لعدم القدرة على التعامل مع الوقائع والأحداث بصورة موضوعية، لأنه أسير لمصالحه الحزبية والعقائدية. مهما حاول التستر وراء شعارات مثل الديمقراطية والتعددية وحق حرية التعبير والاعتقاد للآخرين.
من جانبنا نحن نحاول دائماً تجنب هذا النوع من السجال الفارغ والعقيم الذي يصرف الوقت والجهد دون طائل، لأننا نؤمن بأن في الوطن الكثير من القضايا والعديد من المشاكل التي تستحق الجهد والاجتهاد، عوضاً عن الدخول في هذا النوع من " المهاترات " الجوفاء التي يلجأ إليها بعض الكتاب الصحفيين عن قصد لإلهاء بعض السذج وشحن أدمغتهم ببعض " الفقاعات " الإعلامية، و " البطولات الوهمية " التي تطرب الجهلة والمتخلفين، وتراقص الحمقى من الطائفيين.
وقبل الدخول في شرح أسباب هذا الاستطراد والنتيجة التي نود الوصول إليها، والرسالة التي نرغب في توصيلها، نرى من المهم والمفيد الإشارة إلى مسألة جوهرية على صلة قوية بموضوعنا هذا، وهي قضية " الحرية " وآداب الحوار، وكيفية إدارة الصراعات السياسية والاختلافات الفكرية في إطارها السلمي والحضاري، ودور الصحافة التنويري والتوعوي في هذه المجالات، لأنه وأنت تتابع ما يُكتب في بعض الصحف ينتابك شعور بالدهشة والاستغراب، كيف يمكن " لهذه الصحيفة " أو تلك أن تتجرد من المسؤولية وتتجاوز الضمير المهني والأخلاقي عندما تقبل أو توافق ـ بزعم حرية التعبير ـ على نشر كتابات ومقالات أقل ما يقال عنها أن أصحابها يعيشون أوهاماً وعالماً لا يحكمه قانون ولا يقيده عُرف ولا يحد من عبثه إطار اجتماعي أو قانوني أو سياسي أو أخلاقي، وهم في الواقع عالة على الصحافة وغصة في حلق الثقافة. وعلي يدها تتحول الصحافة إلى منابر للترهيب والشتم بدل أن تكون منابر لنشر الوعي والبحث عن الحقيقة، وبسلوكها ونهجها المتخلف هذا تصبح الصحافة " عشاً " لتفقيس التعصب والمواقف المتطرفة، و " حاضنة لتفريخ " غربان الطائفية الناعقة، التي تهدد وحدة الوطن وتقطع أوصاله وتصيبه بجروح غائرة نازفة.
لقد قلنا أكثر من مرة، وكتبنا في أكثر من موقع، أن الاحتلال الأمريكي ـ الصهيوني والطائفي الشعوبي في العراق إضافة إلى جرائمه المتعددة قد أوجد له نماذج " قبيحة وسيئة "، ومن بعض هذه النماذج بعض أصحاب هذه الأقلام المسعورة التي تحولت إلى مخالب قط للمحتل الأمريكي وعملائه من القوى الطائفية والشعوبية، والتي لا هم لها سوى الهجوم على الرموز الوطنية والقومية المناهضة للاحتلال، والتي تقف بالمرصاد لطروحاتهم الطائفية، وتمزق قناع التآمر والتحالف الشيطاني الذي يستهدف العراق أرضاًَ وإنساناً، وفي إطار الحملة المسعورة على الفكر القومي خرج علينا قبل أيام أحد " غربان السوء " ينعق داعياً وممنياً النفس بنقل واستنساخ أحد الوجوه السوداء والبشعة في تجربة العراق المحتل، عراق الموت والخراب، وعراق الخوف والرعب الزاحف علينا، الذي يعيش فيه الأشقاء العراقيون عيشة السوائم، وتتعرض فيه آدميتهم إلى أبشع صنوف القهر والذل والامتهان، هذا الكاتب الذي وجد نفسه في غفلة من الزمن ـ كاتباً وصحفياً ـ هو وبعض أقرانه من الذين فتحت أمامهم بعض الدكاكين الإعلامية الطائفية لعرض وبيع بضاعتهم الكاسدة، وبلغة تنضح أحقاداً وسموماً، وحشوها بأفكار وألفاظ هزيلة ممجوجة كتبت له وأمليت عليه من مصادر هو يعرفها جيداً، ولدوافع نحن لا نجهلها مطلقاً. هذا الطائفي المسعور يدعو في أحد مقالاته إلى تشكيل لجنة بحرينية لاجتثاث الفكر القومي أو ما أسماه " ببقايا البعث " في البحرين على غرار اللجنة التي شكلها المجرم " برايمر" الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي في العراق، وأسند رئاستها إلى العميل واللص الكبير المدعو " احمد جلبي "، وأشرك في عضويتها كل العناصر الطائفية والشعوبية التي لا تحمل سوى الحقد والكراهية لكل ما هو عربي، وكان من أولويات عملها تخريب الأسس الوطنية ومحو الهوية القومية للعراق، وقطع صلته بمحيطه العربي ـ القومي، لذا فإن هذه اللجنة ـ سيئة الصيت ـ تبدأ بحرمان العراقي البعثي أو الإنسان الوطني والقومي المعادي للاحتلال ولعملائه المستوردين من الوظيفة والرزق هو وعائلته وتنتهي بالتهجير أو الاغتيال والتصفية الجسدية، وتمر بالاعتقال والتعذيب الوحشي في السجون ومداهمة البيوت وهتك الأعراض على يد فرق الموت والرعب من " قوات الغدر " التي هي في الواقع تمثل دور الأجهزة التنفيذية للجنة " اجتثاث البعث " في العراق. ونحن لا ندري في الحقيقة إن كان " غراب البين " ذلك المعتوه الذي أطلق دعوته المسمومة ونشر تفاياته القذرة ـ لا ندري إن كان يطمح أو يتطلع إلى نيل عار ترؤس هذه اللجنة؟؟!! ولا ندري إن كان قد باشر في إعداد وتنظيم أفراد " عصابته " التي ستتولى مهمة الاجتثاث والتصفية على الطريقة " الصولاغية " للعناصر القومية والبعثية في البلاد ؟؟؟
نحن ندرك جيداً وعلى يقين بأن هذا الكاتب الذي يجيد القفز في الهواء ـ هو على مستوى لا يحسد عليه من السذاجة السياسية والضحالة الفكرية، ولكن لم نتصور أن تشطح به أوهامه الفارغة إلى هذا المنحدر من " الهذيان " و " الهلوسة "، وتجعله فريسة " لخيال والخرافات " أو " خرافات الخيال "، رغم عدم استغرابنا من أن تصدر مثل هذه " الشحطات " عن إنسان حاقد وموتور مثله !!! وبالشكل الذي تجعله يتوهم أن السموم التي ينفثها في مقالاته يمكن أن تحرك عند الوطنيين والقوميين طرفة عين أو تهز من رأسهم شعرة ؟؟؟
فهو إن كان يعي ما يقوله جيداً، ويدرك أبعاده ومخاطره، وهو على استعداد لتحمل تبعات ونتائج هذه الطروحات والدعوات الإقصائية والعنصرية الشوفينية، عليه أن يعرف بأن مشكلته ليست مع القوميين والبعثيين وحدهم، بل مع كل الوطنيين الأحرار من أبناء هذا الوطن الذين يرفضون هذا التوجه المعادي والاستفزازي، ومشكلته مع الأعراف والتقاليد الديمقراطية والتعددية، واحترام الرأي الآخر التي نريد ترسيخها في البلاد، وأخيراً مشكلته مع النظام والقوانين التي يجب أن تحمي الوطن من عبث الطارئين على الصحافة، ومن هوس ونزق المراهقين السياسيين الذين لا يجيدون العوم في بحر السياسة. أما إذا كان كل ما نقرأه صادر عن لوثة عقلية أو نفسية عابرة اجتاحت تلافيف فكره في ليلة من ليالي " البارح " سوف لن نقسو عليه ولن نبخل عليه بنصيحة التوجه إلى أقرب المستشفيات النفسية أو " المصحات العقلية " لكي يعالج نفسه من هذه الأعراض التي تحمل الكثير من علامات الخرف والجنون.
وأخيراً نقول إلى كل من تعشعش الأهوام في رأسه، أن القوى الوطنية والقومية الحرة الشريفة، بعثية أو غيرها، ليس عندها شيء يعادل شرف الدفاع عن الوطن ووحدته وعروبته، مهما كثر أعداءها وتكالب عليها المتآمرون في التحالف الأمريكي ـ الصهيوني والطائفي الشعوبي، وسوف لن ترهبها تلك الدعوات الإرهابية المشبوهة أو تفت من عضدها ببعض الهلوسات الفارغة، فهي القوى التي كانت دائماً وستبقى تمثل طليعة الأمة، وطليعة نضالها القومي، وقد خبرت جيداً صولات الحق في طول الوطن العربي وعرضه، ومن عمى الحقد بصره وشل تفكيره عليه أن يتوقف كثيراً عند ما يجري في العراق، هناك حيث تتشخص المواقف الرجولية والأصيلة للقوى القومية والإسلامية من البعثيون وغيرهم، وهم يعيدون هيبة الأمة ويهزمون المخططات الأمريكية والصهيونية والإيرانية، ويدوسون على عنجهية العسكرية الأمريكية وعلى الدمي العميلة المستوردة بالحذاء العراقي الشريف، ويمرغون أنفها في تراب العراق الطاهر.
وإن غداً لناظره قريب.
ولنا فيما أبدعه الشهيد موسى شعيب ـ شاعر البعث والعروبة الذي اغتالته أيدي الشعوبيين خير ختام:
لا يبلغ المجد شعب في مرابعه يستأســــد الذئب أو يسترئس الذنب
كذا يعلمنا البعث الصدام، ومـا في شرعة البعث يوم الملتقى هرب
لن يهنأ السيف في غمد وقد شمخت سواعــد لعــراق البعـــــث تنتسب
ولتنهض البيد هذا بعث أمتنـــا وآيـــة الله قد خصــــــت بها العرب