بقلم : اسماعيل ابو البندورة
المنتج الاستعماري الفاشي في العراق بعد الغزو والاحتلال عام 2003 ( تحت عنوان إقامة الديموقراطية المزعومة ! ) كان غرائبياً وثأرياً وتدميريا في مقاصده ومعانيه إذ اختلطت فيه النوايا الاستعمارية – الصهيونية المبيتة بزوابع الهياج والهمجية الطائفية المتربصة ، وتفاقم على أرضيته الفساد والاستبداد والقتل والانفلات الأمني واستعمال افظع وأبشع الوسائل في ارتكاب الجرائم وملاحقة وإزالة النصب والآثار الحضارية والأضرحة والأشخاص بطريقة لم تسلط عليها الأضواء وتدان ولم يتم تكييفها كجرائم ضد الانسانية ولم يرتفع صوت في الوطن العربي والعالم لوقف هذه الجريمة الكاملة وهذا التوحش والفظاعات المتفاقمة.
الاجتثاث قانون إبادي وتعبير يدل على التوحش والبربرية والافتراس والإزاحة عن طريق العنف والاستباحة الكاملة للإنسان والمجتمع وارتكاب الجرائم دون رادع من ضمير أو قانون أو أي منطق إنساني . ونظرا لمعانيه الضد انسانية والقصدية الآنفة فقد حار دعاته ومن وضعوا بنوده وقواعده في العراق سواء كان الحاكم الاستعماري للعراق بعد الغزو- سيئ الصيت بريمر – أو كان من أوحوا له به من العملاء من أمثال الجاسوس العراقي الجلبي وزمرته القابعة في أمريكا (كنعان مكية وغيرهما ) وأصحاب البدع والافتراءات والتلفيقات ضد الحكم الوطني الذين رابطوا في البيت الأبيض والبنتاغون وكانوا يضعون أمام العقل الاستعماري المتوحش كل الحجج والافتراءات والتهيؤات والهذاءات الضرورية للقيام بغزو العراق وتفكيك دولته وتدميره ، وصوروا حزب البعث العروبي الأصيل المنبثق من تراب وماء وفضاء وعقل وروح العراق على أنه نازية لا بد أن تجتث وتزال .
ومنذ عام 3002 وحتى الآن يتناوب من يدافعون عن الاحتلال وعملاء الداخل على إدانة بعضهم البعض ( على مسوغات قرار الاجتثاث الجائر وطرق تطبيقه ، ويحاولون تمويهه وتزيينه بعناوين مخاتلة من مثل العدالة والمساءلة وغيرها من الأسماء التمويهية ) وخصوصاً بعد أن هزمت المقاومة العراقية الباسلة بقيادة البعث وكل القوى الوطنية العراقية خططهم ومشاريعهم ، وبعد أن أفشلوا كل المحاولات لإقامة حكم عميل وتابع للدول الاستعمارية والدولة الصهيونية- تحت عنوان العملية السياسية-
ومنذ أن تعرّفوا على البعث وقدراته الميدانية في إطلاق المقاومة ومواجهة الاحتلال ومدى رسوخ فكره ونضاله في أوساط الشعب العراقي ، وريادية وعظم التجربة التنموية الظافرة التي قادها في العراق على مدى خمسة وثلاثين عاماً وهم يناقشون من تنطبق عليه شروط الاجتثاث – والقتل أحياناً – ( البعثي القيادي أم العضو العادي من المرتبات الحزبية الدنيا ) ، وكانت قيادات ولجان هيئة الاجتثاث التي رأسها الجلبي والمالكي وشخصيات وزمر طائفية عميلة وحاقدة تابعة لإيران ومزودة بقوائم وتعليمات مسبقة بممارسة الاجتثاث والقتل دون تفريق بين منتم للحزب يشمله قانون الاجتثاث ومن لا يؤيد خططهم وسياساتهم تحت عنوان اعتباطي وكيدي وثأري ( كل بعثي مدان لزوماُ ويجب أن يطاله الاجتثاث مهما كان ارتباطه بالحزب ومجال عمله ) وبلغوا الحدود القصوى في التجني والاضطهاد وقارفوا بموجب هذه الوحشية الطائفية جرائم منكرة ضد الأشخاص والممتلكات وشردوا الكثير من أسر البعثيين وصادروا أملاكهم وأتاحوا المجال للزمر الطائفية للانتقام الفردي والجماعي والمليشياوي وممارسة أبشع عمليات القتل والانتهاك والتشريد .
كان علاوي ( أحد رموز العملية السياسية الفاشلة ) يقول لهؤلاء العملاء ( هيئة الاجتثاث وزمرها ) ويذكرهم ويحذرهم ( ليس بدافع من ضمير وإنما بقصد سياسي مختلف يصب في إنجاح الخطة الاستعمارية في العراق ) بأنهم لم ولن يكونوا أصلاء في الحكم وإنما هو وهم مجرد عملاء ( نحن لم نأت للحكم بذراعنا وإنما من خلال الغزو ) ولا يجوز السير مع الجلبي وبريمر في مقارنة البعث بالنازية وعملية اجتثاثها في المانيا ، والإمعان في الانتقام والقتل والتشريد ولكن لا أحد من هؤلاء ( غلاة العملاء والطائفيين ) كان يصغي لقولة التحذير ” العلاّوية ” هذه ويرعوي ، وتصوروا بحماقة واهتياج أنها فرصة للقيام بالثأر والاقتصاص من حزب البعث ورجال الحكم الوطني الشرفاء ( تحت عنوان المظلومية البائسة المزعومة ) التي تبجحوا بها طويلا وأنتجوا تحت عنوانها مظلوميات متعددة وكارثية يندى لها الجبين في العراق.
وكان دهاقنة الحكم الجديد التابع والمتولد عن الغزو وخططه وبعض رموز العملية السياسية الطائفية يعرفون أن الاجتثاث – المرغوب والمطلوب استعمارياً وايرانياً وطائفياً – سوف يخلق التفافا حول البعث وبرنامجه ورؤاه إذا ما تحول ( وفقاً لقانون الاجتثاث الجائر ) إلى جرائم ومقتلات وعمليات ثأرية ضد الحزب وأعضائه، ولذلك حاول بعضهم التخفيف من وطأته واندفاعه الاجرامي والهمجي والتساهل في إصدار الأحكام الجائرة والقاسية على البعثيين ( تحت وطأة وعي شقي ومشدوه ومقلقل وراجف ومرتبك) ، ولكن دعاة الاجتثاث أوغلوا في الجريمة حتى لو أدت إلى خلخلة النسيج الاجتماعي العراقي وزادت من عوامل التفسخ فيه ، أو حتى لو انهار العراق وتحول إلى دولة فاشلة ، وكان هؤلاء – بقصر نظرهم واحقادهم – يرونها مجرد فرصة للانتقام وتحقيق مطالب الثأر الايرانية أيضا .
لم يستطع الاجتثاث تحقيق أي هدف كما توهم بريمر والعملاء ، وإنما فاقم الأوضاع المتردية في العراق ومزّق النسيج الوطني ، وأبعد كفاءات وأحرار العراق ، وأعاد وجذّر بقهريته وإكراهاته وغباء من وضعوه حضور البعث في العراق بصورته الجديدة المقاومة والمنافحة عن حرية وعروبة العراق ، وزاد من التفاف الشعب من حوله وحول برنامجه الوطني وأغلق الأبواب أمام أي حكم عميل وأمام أي عملية سياسية قد يتصورها عملاء أمريكا وإيران .
والبعث كما تؤكد الوقائع والحقائق والدلالات وبعد استشهاد الآلاف من قادته وأعضائه لن يجتث ( بقانون فاشي جائر ) في العراق لأنه راسخ ومدرار مثل دجلة ، وشامخ مثل باسقات النخيل ، وهو في المرحلة الراهنة ضمير العراق وقلبه النابض ورمز عروبتة وحريته المنشودة .