تعتقد الولايات المتحدة أنها لا زالت بارعة في إخراج المسرحيات المفبركة حول تخبطاتها السياسية في العالم، ومحاولة إظهار عملائها بمظهر المنتصرين والذين يحققون لشعوبهم المصالح العليا، وذلك غدا حقاُ مدعاة للسخرية، خصوصاُ حينما يستعرض المرء المسرحية الهزلية التي استمرت شهوراٌ طويلة في محاولة يائسة من الإدارة الأميركية لإظهار عملائها في العراق بصورة الحكومة الديمقراطية التي تختلف تياراتها وتتصارع حول ما يعرض عليها من مشاريع قوانين واتفاقات. فهذا يناقش وذاك يرفع عقيرته ويعترض، وآخر يطالب بضمانات، إلى آخر المسرحية المقززة إعدادا وإخراجاٌ، حتى يصل صبر الإدارة الأميركية مداه فتهدد الفرقاء في العراق الجريح بأنها ستسحب قواتها فوراٌ إن لم تصادق – حكومة الدمى – على الاتفاقية الأمنية، فيخرج التوابع لحث ''البرلمان'' في العراق على التصديق على تلك الاتفاقية باعتبارها الخيار الأفضل للعراق والعراقيين. ويخرج كبيرهم بعد مسرحية التصديق على الاتفاقية ليعلن بأنه نصر تاريخي للعراق، هؤلاء هم الأبطال الجدد الذين تريدهم الإدارة الاميركية لتسلطهم على الرقاب، الذين يدلسون على شعوبهم ويقلبون الحقائق، أين الخير من هذه الإدارة الاميركية التي دمرت العراق وحضارته وإنجازاته ومؤسساته وامتصت خيراته طيلة السنوات الماضية ونكلت بأبنائه الغيارى الأصلاء.
سميت الاتفاقية بـ''قانون الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق'' و''قانون اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعمل القوات الاميركية في العراق''. وقد حاول تغيير اسمها إلى اتفاقية انسحاب القوات الاميركية، في محاولة لتضليل الرأي العام، فتركتهم الإدارة الاميركية يمارسون لعبتهم، حتى أعلن التصديق على الاتفاقية فخرجت سفارة الاحتلال لتؤكد بأنها اتفاقية أمنية. برؤية مبسطة فإن توقيع الاتفاقات لا بد أن يكون بين جهتين تملكان القرار، وكما نعلم فإن العراق محتل، وتلك الاتفاقية مع دولة الاحتلال، فهي أقرب إلى اتفاقية الإذعان، بالإضافة إلى تأكيدنا على أن عدم شرعية الاحتلال استناداٌ إلى تفرد الإدارة الاميركية بقرار الحرب وتأكيد امين عام الأمم المتحدة في ذلك الوقت على عدم شرعية الحرب، وذلك يستتبع عدم شرعية كل أشكال التصرف في البلد المحتل وعدم شرعية المؤسسات التي أقامها الاحتلال مهما حاول المدلسون إعطاءها صفة تمثيل الشعب العراقي. كيف يبرر البعض بالكلام المقزز ما كشف عنه ثلاثة مسؤولين في واشنطن أن ادارة الرئيس جورج بوش حجبت النسخة الانجليزية من الاتفاق تجنباً لإثارة خلاف مع العراقيين، ولن تفرج عنها إلا بعد جلسة البرلمان العراقي للمصادقة على الاتفاق. فقد تناقلت وكالات الأنباء ذلك وزادوا في الوصف بأن النص الرسمي للاتفاق باللغة الانجليزية صُنّف على أنه ''حساس، ولكن غير سري''. وأشار أحدهم الى الاتفاق ''على الصياغة اللغوية لكثير من النقاط، ولكن لدى كل طرف فهم مختلف لمعنى الكلمات''. بل وقال مجلس الأمن القومي التابع للبيت الابيض إنه حجب نشر الترجمة الى حين انتهاء البرلمان العراقي من التصويت. حيث أوضح الناطق باسم المجلس غوردون غوندرو: ''نعتزم الافراج عن النسخة قريباً (…) نحن بانتظار تحرك العملية السياسية العراقية في شكل أكبر''.
ان مراجعة سريعة لما يسمى بالاتفاقية الأمنية توضح أن لا يحق للحكومة العراقية ولا لدوائر القضاء العراقي محاسبة القوات الاميركية وأفرادها ويتم توسيع الحصانة حتى للشركات الأمنية والمدنية والعسكرية والاسنادية المتعاقدة مع الجيش الاميركي، كما أن صلاحيات القوات الاميركية لا تحدد من قبل الحكومة العراقية ولا يحق للحكومة العراقية تحديد حركة هذه القوات. بل ويحق للقوات الاميركية ممارسة حقها في اعتقال من يهدد الأمن والسلم دون الحاجة إلى اذن من الحكومة العراقية ومؤسساتها. فالنص الموجود بالاتفاقية يؤكد أن القوات الاميركية تفقد صلاحية الاعتقال لأجل غير محدد دون توجيه اتهام، وبالتالي فحق الاعتقال مباح لها، كما أن للقوات الاميركية الحرية في ضرب أي دولة تهدد الأمن والسلم العالمي والإقليمي العام والعراق وحكومته ودستوره أو تغذي الإرهاب والمليشيات ولا يمنع هذه القوات الانطلاق من الأراضي العراقية والاستفادة من برها ومياهها جوها، إضافة إلى أن السقف الزمني لبقاء القوات طويل الأمد وغير محدد وقراره يعود لظروف العراق.
إن اليوم التاريخي في حياة العراق يوم يخرج المحتلون إلى غير رجعة، ويمارس العراقيون سيادتهم على كامل أرض العراق دون محاصصة طائفية أو عرقية، والأمل في روح المقاومة واشتداد عودها في العراق.
''وحتى يعود السلام إلى أرض العراق نردد مع الصدى/سلامٌ على هضباتِ العـراق وشطَّيه، والجُرفِ والمُنحنى/على النخل ذي السعفاتِ الطوال على سيِّد الشَّــجَرِ المُقتنى''.