منصور الجمري
واحدة من الظواهر التي شهدناها بعد انتفاضات وثورات العام 2011 في المنطقة العربية هي بروز تيارات تتخطى حدود الوطن، وتنزل دون مستوى الوطن في الوقت ذاته، وبعض هذه التيارات لم تعد تعترف بالوطن، وهي منشغلة بدعوات طائفية – دينية (بين سنّة وشيعة، أو بين مسلمين وغير مسلمين)، ونرى هذه الظاهرة امتدّت حتى إلى بقاع أخرى خارج المنطقة العربية، بما في ذلك، مثلاً، ما تشهده نيجيريا من حركة خطيرة تحمل اسم «بوكو حرام»، وهي حركة تضع الآن وحدة تلك البلاد على المحك من خلال إقحام المجتمع على خط النار وتشعله بالكراهية الدينية وتحدث التفرقة بين الناس.
مصر أيضاً لها نصيبها؛ لأن هناك من يسعى لاقتتال الأقباط مع المسلمين… وحتى تونس – التي لا تعرف القبلية أو الطائفية – ترى هناك حركات مرتبطة بالتوجهات العابرة للأوطان (والمجزِّئة لها في الوقت ذاته) تحاول جرّ المجتمع التونسي إلى مستنقع يسهل الدخول فيه ولكنّ الخروج منه صعب. ونحن في البحرين لنا نصيبنا من هذه التوجّهات العابرة للأوطان من جانب والممزِّقة لها من جانب آخر، وهذه التوجهات ترى أنه يمكن صدّ المطالب المشروعة لجميع فئات المجتمع من خلال إشعال الكراهية والأحقاد، بحيث ينشغل الناس في قضايا لا أول لها ولا آخر، والهدف من كل ذلك واضح كالشمس وهو تقسيم المجتمع على أسس قبلية وطائفية، وشرعنة أي اضطهاد يقع على فئة ما لأنها تنتمي إلى هذه الطائفة أو تلك الإثنية، إلخ.
في خمسينات القرن الماضي (وفي العقود التي سبقت الخمسينات أيضاً) كانت العوائل التجارية ذات مكانة ونفوذ تحتاجهما الدولة، ويحتاجهما المجتمع، واستخدمت العوائل التجارية آنذاك نفوذها لإبعاد المجتمع عن مخاطر الطائفية والانقسام. أمّا الآن فإنّ معظم العوائل التجارية أصبحت تحت رحمة نفوذ الدولة، وهي تخشى أنها في حال بادرت لاتخاذ مواقف لا تُعجب بعض دوائر النفوذ فقد يصيبها ما أصاب غيرها من أذى تعرض بصورة مباشرة لرزقها.
البديل للعوائل التجارية في سنوات خلت كانت مؤسسات المجتمع المدني، ولكن هذه أيضاً تعرضت لما يوجعها بحيث أصبحت حتى جمعية رائدة مثل جمعية المحامين مُكبَّلة من كل جانب. وعليه، فإنّ الأمر المتعلق بمنع تمدد اتجاهات تفتيت الوطن أصبح في يد الدولة من جانب، وفي يد جماعات دينية ذات أثر على هذه الفئة أو تلك من المجتمع. وهنا تقع مشكلة أخرى وهي أن بعض الاتجاهات المؤثرة أصبحت مكوِّناً رئيسيّاً في الجهد الذي يُفتِّت الأوطان ويثير الشكوك في نوايا الناس.