أحمد الصفار
أصدر وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف قراراً بإيقاف خطيب مسجد علي بن حماد في منطقة باربار سيد كامل الهاشمي عن الخطابة، وذلك «لتعديه على القضاة وعدم احترام القضاء»، كما تم توجيه إدارة الأوقاف الجعفرية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الهاشمي عن الخطابة حتى إشعار آخر دونما إخلال بأية إجراءات قانونية أخرى قد تتخذ من الجهات المعنية، وذلك بحسب ما ورد في بيان صادر عن الوزارة مساء السبت الماضي.
هذا من جانب، أمّا في الجانب الآخر فالقرارات لا تطبق، والتجاوزات الصارخة منذ العام 2002 بحق مكوّن رئيسي كبير في المجتمع لا اعتبار لها، بل تُصم الآذان والأعين عنها كما لو أنها لم تكن، لأن من يقف وراءها ويتعدى على الناس بالقذف والشتم والطعن في وطنيتهم، شخص يتمتع بالحصانة والوجاهة ولا يجوز محاسبته أو مس وقاره، فيترك له الحبل على الغارب ليقول ما يشاء دون حسيب أو رقيب.
يصف أبناء طائفة في خطبة له في مارس/ آذار 2004، بأنهم «نصارى ويهود ولا يدفعون شيئاً من زكاتهم – لأبناء طائفة أخرى – فلهم مصاريفهم الخاصة بهم»، ويستدرك «إني أتحدى أن يدفعوا لكم قرشاً واحداً»، ويضيف مخاطباً المصلين: «عجباً لكم. إلى متى نبقى غافلين ونخدع أنفسنا بالشعارات السياسية والوحدة الوطنية، والله لو مسوكم لقطعوكم إرباً إرباً، إنهم ينظرون إليكم كمشركين (…)، انظروا إلى صلاتهم، إنهم يصلون بطريقة غير طريقتكم، وقد رأيتموهم بالحج أنهم يحجون بطريقة مختلفة وكأنهم من غير ملة الإسلام».
ويذهب إلى أبعد من ذلك – لاطمئنانه على نفسه بأنه لا يخضع لأي قانون ولن يحاسب أبداً – بقوله: «إن النصارى واليهود والمشركين لا يجتمعون كما تجتمعون في مساجدكم بل لهم معابدهم، وعجبي كم أنتم عنهم غافلون، بل إن منا من يجالسهم ويناقشهم».
الخطيب يقسم بالله أنه يعلم ما في صدور أبناء تلك الطائفة من المسلمين، ويجزم بأنهم لو تمكنوا من بلوغ أبناء الطائفة الأخرى لقطعوهم، ويذهب في تشبيهه لهم بأنهم نصارى ويهود، على رغم أنهم يؤدون صلاة الجمعة في الجوامع في مختلف مناطق البحرين، ولا يبعد أقربها عن المسجد الذي يحرض فيه المصلين سوى بضعة أمتار، فمنذ متى كان اليهود والنصارى يؤدون عباداتهم وصلواتهم في المساجد؟ وكيف لمخلوق أن يتحدث بمنطق المطلع على نوايا البشر وما يسرون وما يعلنون؟ وما هي صحة الاتهامات الخطيرة التي يوجهها لهم وليس بين يديه أي دليل أو إثبات على صدق ما يدعي؟
إذا كانت وزارة «العدل» جادة فيما هي ذاهبة إليه من وضع حدود وضوابط للخطباء، للأسباب التي تعلن عنها دوماً ومن بينها الحفاظ على النسيج الاجتماعي وعدم استغلال المنابر لأغراض سياسية وعدم المساس بالوحدة الوطنية، فعليها أن توضح ماهية هذه الضوابط، وإطارها العام، وتكشف للرأي العام الخطوات التي قامت بها إزاء كل تجاوز حصل في السابق وفي الفترة الحالية، حتى يطمئن الناس بأن الأمر ليس مجرد شعار وقتي، والتطبيق جرى على الجميع بلا انتقاء، بصرف النظر عن لونهم وديانتهم وانتمائهم، وبعيداً عن العشوائية، فهناك خطيب يصدح بعباراته التي تقطر سُمّاً وطائفية منذ العام 2004، ورفعت ضده عريضة أهلية لإسقاط عضويته في مجلس النواب ومحاسبته قضائياً، ولم تحرك الوزارة ساكناً لإيقافه عن الخطابة على أقل تقدير، وهي مسألة ليست لها أية علاقة بالحصانة البرلمانية؟
واليوم نحن في حال سيئة جداً، والوضع لا يحتمل فلتات اللسان، ولا تلاعب بالألفاظ، ومثل هذا الخطاب المتطرف الذي لم يكن مؤثراً في تلك الفترة، هو الآن أكثر تأثيراً وضرراً بوحدة هذا الشعب، بل يعد عاملاً محفزاً للانقسام الطائفي، والمحك أن تخرج وزارة «العدل» بحلول وقرارات نافذة مثلما تعاملت مع خطيب مسجد علي بن حماد، فهل ستمتلك الجرأة هذه المرة؟