2- ماذا وراء الهوس العثماني في تركيا.. ؟ وماذا يريد العثمانيون الجدد
في المقال السابق، تحدثت عن قضية ميزان القوى وصراع النفوذ في منطقتنا العربية، وكطيف اصبحت ايران وتركيا تتنافسان على لعب دور قيادي في المنطقة العربية.
وبداية، إذا اردنا ان نقارن بين استراتيجية كل من ايران وتركيا تجاه المنطقة العربية، فسوف نجد اوجه تشابه كثيرة جدا.
سوف نعرض لأوجه التشابه هذه باختصار. ولكن لأن الحديث عن الدور الايراني بأبعاده المختلفة مطروح منذ سنوات، فسوف نركز في مقال اليوم على الدور التركي في المنطقة العربية بأبعاده وغاياته المختلفة.
} } }
بين إيران وتركيا
إذا حاولنا ان نقارن بين إيران وتركيا من زاوية استراتيجية البلدين الاقليمية تجاه المنطقة العربية، فسوف نكتشف على الفور اوجه تشابه كثيرة جدا.
وعلى وجه التحديد، نستطيع ان نرصد جوانب التشابه التالية التي سوف نوردها باختصار شديد من دون اي تفصيل:
أولا: ان ايران وتركيا تسعيان لاستغلال فراغ القيادة والقوة العربية الفاعلة والمؤثرة، ويعتبران هذا العامل عنصرا دافعا يجعلهما تتطلعان الى دور قيادي في المنطقة. وهو بالضرورة دور على حساب القوى العربية.
ثانيا: ان البلدين يستغلان القضية الفلسطينية باعتبارها مدخلا لممارسة هذا الدور القيادي الذي يتطلعان اليه. وذلك بالطبع على اعتبار ان القضية الفلسطينية هي موضع الاهتمام الاول لشعوب المنطقة، وايضا على اعتبار انها قضية اسلامية عامة.
ثالثا: يعتمد البلدان في سعيهما لممارسة النفوذ في جانب اساسي من استراتيجيتهما الى استغلال العامل الطائفي، وان بمعنى مختلف.
فبالنسبة الى ايران، فانها تبني حساباتها على ان الشيعة في الدول العربية عامل معزز لاستراتيجيتها.
وبالنسبة الى تركيا، فانها تعتبر ان كونها دولة سنية يجعل دورها اكثر قبولا في الدول العربية.
رابعا: ان البلدين يعتمدان في استراتيجيتهما على استنهاض العامل القومي. ايران تستنهض القومية الفارسية. وتركيا تستنهض العثمانية على نحو ما سنشرح تفصيلا بعد قليل.
خامسا: ان البلدين تحكمهما نظرة استعلائية أو عنصرية تجاه العرب. وعلى الاقل يحركهما اعتقاد جازم بأنهما اكثر جدارة في قيادة المنطقة من العرب.
سادسا: ان احد الاهداف الكبيرة لكلا البلدين من وراء ممارسة النفوذ ومحاولة لعب دور قيادي في المنطقة، التوجه الى الغرب ومحاولة كسب وده وثقته.
هذه بأشد ما يكون الاختصار اوجه التشابه بين ايران وتركيا في استراتيجيتهما الاقليمية.
ولأن الدور الايراني في المنطقة مطروح منذ سنوات، وكتب عنه الكثير جدا، وسبق لنا ان تناولناه تفصيلا في مقالات كثيرة، فسوف نركز على مناقشة ابعاد السياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة في جوانبها الاساسية.
} } }
"العمق الاستراتيجي"
التحول في السياسة الخارجية التركية بالتركيز على المنطقة والسعي للعب دور مؤثر في قضايا المنطقة، هو تطور جديد يعود فقط الى السنوات القليلة الماضية. قبل هذا، لم تكن المنطقة العربية وقضاياها تحظى باي اولوية على قائمة اهتمامات السياسة الخارجية التركية. كما هو معروف كان التركيز الاول والاعظم هو على العلاقات مع اوروبا والولايات المتحدة.
ويعتبر أحمد داود اوغلو، وزير الخارجية التركي الحالي هو مهندس هذه السياسة الخارجية التركية الجديدة بتوجهها نحو المنطقة العربية.
واوغلو هو اساسا يعتبر من المفكرين الاستراتيجيين الاتراك واستاذ علاقات دولية، ويطلقون عليه "كيسنجر تركيا". وقد سبق ان طرح اوغلو رؤيته الجديدة لسياسة تركيا الخارجية عام 2001 في كتابه "العمق الاستراتيجي".
والفكرة الجوهرية التي طرحها في كتابه ان تركيا يجب ان تستغل الجغرافيا والتاريخ لخدمة سياستها الخارجية. واعتبر ان السياسة الخارجية التركية تفتقر الى التوازن بتركيزها الكبير على العلاقات مع الولايات المتحدة واوروبا الغربية، واهمال مصالح وعلاقات تركيا مع الدول الاخرى وخصوصا دول الشرق الاوسط. ومن ثم، طرح ضرورة معالجة هذا الخلل وعدم التوازن في سياسة وتوجهات تركيا بالتركيز على دول المنطقة العربية والدول الاخرى المجاورة لتركيا.
وطرح أحمد داود اوغلو مفهومين اساسيين كبيرين كمفهومين حاكمين لسياسة تركيا الخارجية وموجهين لها:
المفهوم الاول: هو ما اسماه "المشكلات صفر" مع الدول المجاورة لتركيا. أي ضرورة حل كل المشاكل العالقة وضمان اقامة علاقات ودية طيبة. واعتبر ان هذا ضرورة اساسية لتدعيم مصالح تركيا الاقتصادية وخصوصا مع الدول العربية سواء على المستوى التجاري أو مستوى الاستثمارات.
والمفهوم الثاني: هو ما اسماه "العثمانية الجديدة". وهو المفهوم الاكبر والاهم. وسوف نناقشه تفصيلا بعد قليل.
وبشكل عام يمكن القول ان فهم السياسة الخارجية التركية الجديدة بتوجهاتها هذه، واي محاولة لتقييمها حاليا ومستقبلا، لابد ان يتم في اطار فهم جوانب ثلاثة اساسا:
الجانب الأول: يتعلق بهذه الصحوة العثمانية الجديدة في تركيا تحت شعار "العثمانية الجديدة".
والجانب الثاني: يتعلق بالنظرة التركية للعرب، الكامنة وراء هذه التوجهات الجديدة.
والجانب الثالث: يتعلق بموقع هذا التوجه التركي الجديد نحو العرب بتطلعات تركيا نحو اوروبا، وتحديدا املها في ان تصبح عضوا في الاتحاد الاوروبي.
وسوف نناقش هذه الجوانب الثلاثة تباعا.
} } }
الصحوة العثمانية
ماذا تعني بالضبط "العثمانية الجديدة" ذلك الشعار الذي انطلق في تركيا؟ وماذا تعني الصحوة العثمانية التي ارتبطت به؟
هذا سؤال مهم لأن هذه "العثمانية الجديدة" اصبحت كما ذكرنا هي المفهوم الاساسي الحاكم لسياسة تركيا الخارجية تجاه المنطقة العربية.
لعل افضل من ناقش هذه القضية في ابعادها المختلفة دراسة هامة اصدرتها مؤسسة كارنيجي البحثية الامريكية الشهيرة صدرت في سبتمبر عام .2008 الدراسة تحمل عنوان "سياسات تركيا الشرق اوسطية بين العثمانية الجديدة والكمالية" والذي اعد الدراسة هو عمر تشبينار، استاذ استراتيجية الامن القومي في كلية الحرب الامريكية ومدير برنامج تركيا في مؤسسة كارنيجي.
بحسب الدراسة فان التصور الجوهري الذي تقوم عليه هذه العثمانية الجديدة، هو قيام تركيا بإعادة اكتشاف ارثها الامبريالي، والعمل على تحقيق اجماع قومي جديد بين الاتراك، على اساس تذكير الاتراك بأنهم كانوا فيما مضى امبراطورية عظيمة ومتعددة القوميات حكمت الشرق الاوسط وشمال افريقيا والبلقان وانحاء من اوروبا الوسطى.
وبشكل اكثر تفصيلا، تحدد الدراسة ثلاثة جوانب وابعاد اساسية تقوم عليها "العثمانية الجديدة".
الجانب الأول:
يتمثل في التصالح مع ارث تركيا الاسلامي والعثماني في الداخل والخارج. والعثمانية الجديدة هنا لا تدعو الى الحكم الاسلامي في تركيا أو الامبريالية التركية في الشرق الاوسط والبلقان، بل تسعى بدلا من ذلك الى علمانية اقل تشددا في الداخل، والى سياسة اكثر حيوية ومبادرة في السياسة الخارجية.
وفي اطار هذه العثمانية الجديدة، يتعين ان تمارس تركيا "القوة الناعمة" سياسيا واقتصاديا وثقافيا في الاراضي العثمانية السابقة. وهذه الرؤى الواسعة للسياسة الخارجية التركية تتطلب احتضان ارث "القوة العظمى" العثماني، واعادة تعريف هوية تركيا الاستراتيجية والقومية.
الجانب الثاني:
يقوم على ايقاظ الاحساس بالعظمة التركية، والثقة بالنفس في السياسة الخارجية. فالعثمانية الجديدة تنظر الى تركيا كقوة عظمى اقليمية، وعلى اساس ان رؤيتها الاستراتيجية وثقافتها تعكسان الابعاد الجغرافية للإمبراطوريتين العثمانية والبيزنطية.
ومن هذا المنطلق، فإن تركيا عليها بوصفها دولة محورية ان تضطلع بدور دبلوماسي وسياسي واقتصادي فعال للغاية في منطقة كبيرة تكون فيها هي المركز.
الجانب الثالث:
يقوم على الانفتاح على الغرب كما على العالم الاسلامي بالقدر نفسه، فعلى غرار ما كانت عليه العاصمة الامبريالية اسطنبول المجاورة لكل من اوروبا وآسيا، فان العثمانية الجديدة تتسم بازدواجية الوجه كما الاله الاغريقي جانوس. وقد كانت السلطنة العثمانية حتى وهي تتقلب على فراش الموت تلقب برجل اوروبا المريض، وليس برجل آسيا أو العالم العربي المريض. ولذا، فان الارث الاوروبي له اهمية كبيرة للعثمانيين الجدد، فهم منفتحون على الغرب والنفوذ السياسي الغربي مثلما هم وثيقو الصلة بالارث الاسلامي.
هذه هي ابعاد وجوانب العثمانية الجديدة في تركيا اليوم كما حددتها الدراسة.
وكما نرى، فإن الامر في جوهره يتعلق باستنهاض قومي جديد، وبالترويج لهوية قومية جديدة لتركيا وللأتراك، ويتعلق بمنطلق واطار للترويج لتركيا كقوة اقليمية كبرى في المنطقة تلعب دورا قائدا.
الشيء المدهش، بحسب التقارير الكثيرة التي نقرؤها، ان هذه الدعوة للعثمانية الجديدة ولاستعادة امجاد الامبراطورية العثمانية، اطلقت لدى الاتراك ما يمكن ان نطلق عليه "الهوس العثمانلي"، وكثير من الاتراك يستخدمون هذا التعبير بالفعل.
بمعنى ان هذه الدعوة وجدت حماسا هائلا وشعبية كبيرة جدا في اوساط الاتراك، واتخذ هذا الهوس ابعادا ومظاهر كثيرة.
مثلا، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية تقريرا في 5 ديسمبر عام 2009، يرصد بعضا من مظاهر هذا "الهوس العثمانلي" لدى الاتراك، وخصوصا في اوساط الشباب.
التقرير يتحدث مثلا عن انتشار ظاهرة المطاعم الكثيرة في تركيا التي اصبحت تقدم قوائم طعام ما يطلق عليه "طعام الامبراطورية العثمانية"، واكلات السلاطين العثمانيين.
ويتحدث التقرير مثلا عن الموضة التي اصبحت منتشرة جدا في اوساط الشباب الاتراك في النوادي الليلية، وبصفة عامة.. ظاهرة القمصان التي اصبحوا يرتدونها، ومكتوب عليها شعارات عثمانية. قمصان تحمل شعارات مثل "الامبراطورية العثمانية" و"الإمبراطورية تضرب من جديد"، و"التركي الرهيب" و"انا فخور بأن اكون عثمانيا".. وهكذا.
وكما نلاحظ، فإن شعارات كهذه تعبر عن نزعة قومية متعصبة، اكثر من تعبيرها عن نزعة اسلامية.
} } }
النظرة التركية للعرب
أي نظرة يحملها الاتراك للعرب في ظل هذا التوجه الجديد للسياسة الخارجية التركية؟
للأسف الشديد، انه كما هو الحال بالنسبة الى ايران، فانه بعيدا عن شعارات الاخوة الاسلامية، والتضامن مع الشعب الفلسطيني، فان هذه النظرة التركية تنطوي على الكثير من الاستعلاء والعنصرية.
ولنتأمل جيدا الجانبين التاليين:
الأول: ان هذه العثمانية الجديدة، وهذا الهوس العثمانلي الذي يجتاح تركيا، هما في حد ذاتهما ينطويان في جوهرهما على نظرة عنصرية للعرب.
لنلاحظ هنا انهم يتحدثون عن حقبة احتلوا فيها الدول العربية وقهروا فيها الشعوب العربية، ويعتبرون الآن انها رمز امجادهم الخالدة وهويتهم القومية التي يريدون استعادتها.
وبالمناسبة، من المفروض الا ننسى نحن في الوطن العربي اننا عندما نتحدث عن حقبة الاحتلال العثماني، فاننا نتحدث عن اكثر فترات تاريخنا العربي بؤسا وتخلفا وظلاما وقهرا، وهي حقبة امتدت قرونا.
الثاني: ان الاتراك عندما يتطلعون الى قيادة المنطقة، والى ان يلعبوا الدور المحوري المؤثر في شئونها، فهذا ايضا ينطوي في حد ذاته على نظرة عنصرية للعرب. هذا التطلع يعني في جوهره كما هو واضح ان العرب ليسوا جديرين بأن يتولوا قضاياهم وشئونهم بأيديهم، وان الاتراك هم الاكثر جدارة بأن يلعبوا هذا الدور.
الامر العجيب، على نحو ما تابعت، ان المثقفين والاساتذة الاتراك، عندما يريدون التعبير عن هذه النظرة الاستعلائية تجاه العرب، ويريدون اثبات التفوق العنصري للأتراك على العرب، فانهم يستشهدون اساسا بالشعبية الكبيرة التي تحظى بها المسلسلات التركية في العالم العربي ، أو ما يسمونه بـ"غزو المسلسلات التركية" للدول العربية، وسأعطي بعض النماذج لهذا على سبيل المثال فقط.
في 3 مايو الماضي، نشرت مجلة "تركيش ويكلي" التركية تحليلا تحت عنوان "قوة تركيا الناعمة في العالم العربي".
كاتب التحليل يتحدث عن دور تركيا مؤخرا في العالم العربي، ويعتبر ان الجوانب الايجابية القيمة في العلاقات التركية العربية، تأتي من جانب تركيا وليس من جانب العرب. يعني ان تركيا لا تستفيد شيئا من العرب، وانما العرب هم الذين يستفيدون من التحضر والتقدم التركيين.
ويوضح الكاتب الامر اكثر فيقول: "لأننا نحن الاتراك لدينا تجربة اجتماعية سياسية افضل من العرب منذ القرن التاسع عشر. نحن لدينا التجربة الديمقراطية، ولدينا علاقات وثيقة مع الغرب ، واقتصاد حر ، وعملية جارية للانضمام الى الاتحاد الاوروبي".
ويقول الكاتب: "إن ما يثبت ان هذا كله صحيح، هو هذا "الغزو" للمسلسلات التركية في التليفزيونات العربية وشعبيتها الكبيرة.. في هذه المسلسلات تشاهد النساء السعوديات مثلا مجتمعا مسلما، يمكن فيه للفتى والفتاة، اذا كانا يحبان بعضهما، اخذ موعد غرامي والجلوس إلى مقعد قرب البحر، واحتضان بعضهما بعضا، بينما يشاهدان طيور النورس.. وبالتالي، فان التأثير الثقافي لهذه المسلسلات انها تشجع على فكرة الحرية الفردية والاستقلال لدى النساء السعوديات".
ويضيف الكاتب ايضا:"… وهذه المسلسلات ايضا تجعل العرب منفتحين على التغريب الموجود في تركيا. وهذه المسلسلات احد اكبر المصادر لقوة تركيا الناعمة".
من الواضح جدا النظرة العنصرية الاستعلائية التي يتحدث بها الكاتب عن العرب.
وفي هذا الاتجاه نفسه يتحدث اياهان كايا، وهو استاذ العلاقات الدولية في جامعة بيلجي في اسطنبول.
يعتبر ان تعلق الملايين في العالم العربي بالمسلسلات التركية، هو دليل اكيد يثبت قدرة تركيا على كسب العقول والقلوب.
ويقول: "هؤلاء الناس متعلقون بالمسلسلات التركية ليس لأن تركيا بلد اسلامي معتدل، ولكن لأن هذه المسلسلات تقدم وجه تركيا الاوروبي الى دول الشرق الاوسط، وهذا هو سر جاذبية تركيا".
بل ان النخب الفكرية التركية التي ترفض هذا التوجه التركي الجديد بالتركيز على المنطقة العربية، تبرر رفضها وتبنيه ايضا على نظرة شديدة العنصرية تجاه العرب، فهم يعتبرون ان الدول العربية دول متخلفة وغير متحضرة، وبالتالي، فهم يعتبرون تحول تركيا بعيدا عن الغرب ونحو الدول العربية، هو خطوة الى الخلف.
} } }
طريق إلى الغرب
أحد الاسئلة الكبيرة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية الجديدة، في داخل تركيا نفسها، وفي خارجها بالطبع، هو هذا السؤال: هل هذا التوجه التركي الجديد نحو العالم العربي تحت شعار "العثمانية الجديدة" هو تحول اصيل دائم ام مؤقت طارئ؟
الذي جعل هذا التساؤل مطروحا هو ان هناك اعتقادا عاما شائعا أن هذا التحول ما هو الا طريق فكرت القيادة التركية انه سوف يقربها الى الغرب، وتحديدا لتحقيق هدفها الكبير وهو الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.
وبداية، هناك شبه اتفاق حتى بين المحللين الاتراك على ان احد الاسباب الكبيرة للتحول في السياسة الخارجية التركية هو المرارة الشديدة التي يشعر بها الاتراك، على المستويات الرسمية والشعبية، من الطريقة التي تعاملهم بها اوروبا ورفض انضمامهم الى الاتحاد الاوروبي.
احد المواطنين الاتراك ويدعى كريم سارك ويمتلك محلا لبيع القمصان العثمانية، عبر عن هذا بقوله "ان هذه الصحوة العثمانية هي رد فعل للطريقة التي تعامل بها اوروبا الاتراك". وقال: "نحن الاتراك مللنا من معاملة اوروبا لنا باعتبارنا فقراء وفلاحين متخلفين".
وهناك ايضا شبه اتفاق على ان احد الاهداف الكبيرة للدور الاقليمي الجديد الذي تريد تركيا ان تلعبه هو ان هذا الدور يمكن ان يكون طريقا الى اوروبا والغرب عموما.
اشير هنا مثلا الى تحليل مطول كتبه الباحث التركي ستيان اولجين، وهو باحث في مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية في اسطنبول. التحليل عنوانه "طريق تركيا الى الاتحاد الاوروبي قد يمر عبر الشرق الاوسط".
يشير الباحث بداية الى الالم الذي يشعر به كل الاتراك بسبب وصول المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي الى طريق مسدود تقريبا، ويشير الى ان مفاوضات تركيا للانضمام بدات في الوقت نفسه الذي بدأت فيه مفاوضات كرواتيا. وفي حين ان كرواتيا في المراحل الاخيرة للانضمام الى الاتحاد الاوروبي، فان تركيا مازالت ابعد ما تكون عن ذلك.
ويقول الكاتب: "بالنسبة الى الاتراك، فان تنامي الدور الاقليمي التركي هو طريق مؤكد لزيادة ارصدة تركيا لدى اوروبا. وليس صحيحا ان هذا الدور الاقليمي يتناقض مع تطلعها وسعيها الى عضوية الاتحاد الاوروبي. بالعكس هو يسهل هذا الطريق.. بعبارة اخرى، فان احد الاهداف التركية الكبيرة هو اقناع اوروبا بأن قوتها ونفوذها في المنطقة من الممكن استثمارهما اوروبيا بما من شأنه ان يعظم مكانة اوروبا ونفوذها كقوة عالمية".
باحث آخر طرح الرأي نفسه في تحليل عنوانه "نجاحات القوة الناعمة التركية".
قال "إن توجه تركيا نحو العالم العربي، وما يسميه البعض "العثمانية الجديدة" هو في جوهره مقصود به دفع الغرب عموما، والدول الاوروبية خصوصا، الى الاعتراف بتركيا كدولة غربية تستحق ان تكون عضوا في الاتحاد الاوروبي.
ويضيف ان الفكرة هنا هي "ان تركيا كعضو في التحالف الغربي مع امتلاك مصادر قوة في الشرق الاوسط وليس كمجرد دولة شرق اوسطية متحالفة مع الغرب".
بعبارة اخرى في رأي الكاتب ان الاتراك يعتقدون ان زيادة قوتهم ونفوذهم في المنطقة تعني انها ستكون قادرة على ان تقدم الكثير الى الاتحاد الاوروبي. ويقول "انه في كل الاحوال، اذا لم تتم دعوة تركيا رغم هذا الى عضوية الاتحاد الاوروبي، فسوف تكون قد عززت مكانتها في العالم على اي حال".
***
لا احسب انني بحاجة الى القول إن هذا الحديث عن ابعاد التوجه التركي نحو العالم العربي يقلل من شأن المواقف التركية الداعمة للقضية الفلسطينية. ولكن اذا كنا نريد ان نتحدث عن الابعاد الاستراتيجية لهذا الدور، فهذه هي القضايا والابعاد التي يجب ان تثار.
يبقى بعد كل هذا قضية محورية يجب ان نتطرق اليها: على ضوء ما ناقشناه في المقال الماضي ومقال اليوم.. أي مستقبل يمكن ان نتوقعه للمنطقة؟.. ما هي سيناريوهات المستقبل التي يمكن توقعها؟
هذا ما سوف نناقشه في المقال القادم الاخير بإذن الله.