الذي فعلته السلطات الايرانية طوال الفترة القليلة الماضية "استعدادا" ليوم الطالب هو من زاوية معينة يصعب فهمه الى حد كبير.
لنتأمل هذه الخطوات التي اقدمت عليها السلطات الايرانية:
* قبل نحو اسبوعين، استبقت السلطات الحدث وشنت، بحسب التقارير المختلفة، حملة اعتقالات واسعة لعشرات الطلاب كي تحول دونهم ودون المشاركة في مظاهرات متوقعة.
* اصدرت السلطات الايرانية تحذيرات رسمية حازمة وشديدة اللهجة بمنع أي تظاهرات احتجاج في يوم الطالب، وقالت ان أي مظاهرات سوف يتم التصدي لها بقوة.
* قامت السلطات الايرانية قبل يومين بقطع خدمات وخطوط الانترنت مع الخارج.
* في اليوم التالي، أي امس، قررت الحكومة الايرانية منع كل المراسلين والمصورين الاجانب من العمل وسط طهران مدة ثلاثة ايام، وابلغ قسم الصحافة الاجنبية بوزارة الثقافة الايرانية وسائل الاعلام الاجنبية انه تم الغاء التصاريح كافة التي صدرت للعمل في المدينة في هذه الفترة.
لسنا هنا بصدد التعليق على حق السلطات الايرانية في اتخاذ مثل هذه الاجراءات، فهي من حقها ان تتخذ أي اجراء تراه مناسبا بحسب تقديراتها للحالة العامة.
لكن هذه الاجراءات تبدو غريبة جدا وغير مفهومة من زاوية معينة.
هذه الاجراءات تعكس كما هو واضح حالة من الخوف من جانب السلطات الايرانية من اندلاع أي مظاهرات احتجاج للمعارضة في يوم الطالب.
وحالة الخوف هذه لا تبدو مفهومة او لها مبرر مقبول على ضوء الخطاب السياسي الايراني الرسمي.
ذلك انه كما نعلم، يقوم الخطاب الايراني الرسمي طوال الفترة الماضية على تأكيد انه ليست هناك أي مشكلة داخلية كبيرة او تدعو للقلق رغم الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في اعقاب انتخابات الرئاسة. وهذا الخطاب يقوم على ان هذه الاحتجاجات نفسها لم تكن الا نتاجا لمؤامرات خارجية ولسعي قوى اجنبية في امريكا وبريطانيا وغيرهما لاثارة الاضطرابات والقلاقل في البلاد. أي ان الاحتجاجات لم تكن تعبيرا عن أي غضب شعبي او عدم رضا شعبي عن الحكومة.
أي ان الخطاب الرسمي الايراني يقوم في جوهره كما نرى على ان الاوضاع الداخلية هي من احسن ما يكون وليست هناك أي مشكلة او ازمة تستدعي القلق. بل ان الرئيس الايراني احمدي نجاد اعلن منذ يومين ان ايران، وبعد الانجازات والنجاحات التي حققتها في الداخل، فإنها تستعد اليوم للانتقال الى مرحلة اخرى، هي مرحلة المشاركة في ادارة شئون العالم.
اذا كان الامر هو على هذا النحو، فلماذا تخاف السلطات الايرانية ومن ماذا تخاف؟
نعني لماذا تخاف من مظاهرات احتجاج سلمية ينظمها اعداد من الطلبة او غيرهم؟ وما هو الداعي لاتخاذ هذه الترسانة من الاجراءات للحيلولة دون مثل هذه المظاهرات؟ ولماذا تخاف من ان يشاهد العالم او يتابع مظاهرت سلمية؟
يبدو هذا غريبا بشكل عام على ضوء الخطاب الايراني كما ذكرنا، وخصوصا ان هذا الخطاب يؤكد ايضا ان الديمقراطية في ايران هي في افضل احوالها، واحسن حتى بكثير من الديمقراطيات في الغرب. وكيف تكون الديمقراطية في احسن حال اذا كان الامر يستدعي اتخاذ كل هذه الاجراءات لمنع التظاهر السلمي الذي هو احد الممارسات الديمقراطية؟
ومع كل هذا، وكما قلنا فإن السلطات الايرانية، كما سلطات أي بلد، لها ان تتخذ ما تراه من اجراءات تراها ضرورية، ولها ان تخاف من أي تطور او شيء ترى انه يدعو إلى الخوف.
لكن هذا الذي حدث يدعونا فقط إلى أن نهمس بكلمة في آذان اخواننا من المثقفين والكتاب العرب الذين ينتهزون أي وكل مناسبة كي يؤكدوا لنا ان التجربة الايرانية هي تجربة رائدة، وان الديمقراطية الايرانية ممتازة ولا يوجد مثلها في الدول العربية. لعلهم إن تأملوا ما يجري أن يراجعوا انفسهم ويخففوا من حماسهم قليلا.
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.